الثلاثاء 21 مايو 2024 / 13-ذو القعدة-1445

إجماع على ضرورة توزيع الإرث سريعاً حفاظاً على “صلة الرحم”



إجماع على ضرورة توزيع الإرث سريعاً حفاظاً على “صلة الرحم”


ورثة آخر زمن..«عطوني حقي والفكّه غنيمة»!

الأحساء، تحقيق- صالح المحيسن

تسارع بعض النفوس -قبل أن يجف قبر مورثهم- للمطالبة بإرثه بطريقة فجّة، وقد يترتب على الكيفية والتوقيت إحداث شرخ في جسد العائلة يصعب التئامه، ومعه تبدأ رحلة القطيعة بين الإخوة؛ بسبب حفنة “ريالات”، فما أن يوارى الأب الثرى ويوزع الإرث حتى تغيب الوجوه ويتشتت ذلك الجمع، ويبلغ الأمر في حالات أن ينسى بعض الأخوة أنّهم خرجوا من صلبٍ ورحمٍ واحد، وها هي أروقة المحاكم تعج بالشكاوى بين الإخوة على إرث صغر أم كبر.

نزاع ومناسخات

وقال “د.خالد بن سعود الحليبي” -أستاذ في كلية الشريعة بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الأحساء ورئيس مركز التنمية الأسرية التابع لجمعية البر بالاحساء- إنّ من فضل الله -سبحانه وتعالى- على الناس تولّيه قضية الفصل في الإرث وتوزيع التركات، فلم يتركها لاجتهاد الناس، حيث كان تحديده بالضبط أول أسباب القضاء على المنازعات بين الأخوة، وبالقدر ذاته فإنّ التقيد به فيه أثر كبير جداً في تآلف الأسرة وبقائها متلاحمة، لافتاً إلى أنّ الأفضل في توزيع الإرث أن يكون فور انتهاء العزاء، وذلك لمنع تسرب أيّ وضع من أوضاع تفكك الأسرة، خصوصاً إذا لم يكن المتوفى قد رتب هذا الوضع خلال حياته،

فهناك مزارع بحاجة لأن تُسقى وهناك عمارات بحاجة لأن تصان، مضيفاً: “بعض النفوس شحيحة فتبدأ تتحدث مع الطرف الآخر وكأنّه ليس من أهلها، وبكل أسف أصبحت الأموال هي المهيمنة، خاصة إذا كانت الأموال كبيرة، فإذا قسم الإرث فوراً وكل حصل على نصيبه بالضبط ابتعدنا عن الدخول في التشكيك، وما يحدث أحياناً تأخير عملية توزيع الإرث فقد تحدث أضرار في الممتلكات لعدم وجود من يهتم بها”،

مشيراً إلى أنّ من بين أكثر المشكلات التي تجعل توزيع الميراث على وجه السرعة أمراً مستحسناً هو ما يصطلح عليه شرعاً بالمناسخات؛ وهي أن يؤخر شخصاً مال الإرث ثم يتوفى شخص من المستحقين دون أن يأخذ حقه، فيصبح له مال، ثم يموت أحد الأبناء ويصبح له حق ثم يموت الحفيد ويكون له حق، وهكذا يصبح الجزء أجزاء كثيرة جداً، وبعض المناسخات طويلة جداً لوفاة أربعة أو خمسة أشخاص لم تقسم تركاتهم والسبب في التأخير؛ مما ينتج عنه الوصول إلى حد المنازعات بين الورثة وأبنائهم.
أهلك أهلك!
وأشار “د. الحليبي” إلى أنّ من أبرز المخالفات الشرعية في توزيع الإرث هو إجبار البنات على التنازل عن حقهن في الإرث ،حيث يذهب الأخ مع أخته إلى المحكمة ويجبرها إما بسيف الحياء وإما بالإجبار الحقيقي نفسياً، ولو ظهرت للناس أنّها ملتئمة، ولكن الجرح العظيم جداً أن البنت تبقى مهضومة الحق طوال حياتها كونها لم تأخذ حقها، لافتاً إلى أنّ اجتماع جميع أفراد الأسرة واتفاقهم على أن يكون لهم مجلس واحد أمر مهم وعامل يضمن التواصل بينهم، منوهاً بدراسة أكاديمية أجريت في مدينة الرياض توصلت إلى أنّ الأسرة الواحدة لها أثر كبير في تفوق الأبناء، حيث إنّ اجتماع الأسرة وجمع شملها في مجلس واحد مدعاة لخلق روح التنافس بين الأبناء،

وبالتالي كل رب أسرة يحفز أبناءه لأن يكونوا في مستوى عالٍ، مشدداً على أنّ الإنتماء من احتياجات الإنسان الطبيعية، داعياً للنظر إلى حال من يملكون أموال طائلة ومناصب عليا ووجهاء، فجلهم في أمس الحاجة لاجتماع الناس حولهم، ورغم أنّهم يملكون المال إلاّ أنّهم وجدوا أنه وحده لا يمنحهم الأنس والسعادة، فحضور الناس من حولهم وخدمتهم لهم ونقاشهم معهم وابتسامتهم معهم يمنحهم الراحة، مستشهداً بالمثل القديم “أهلك أهلك ولو كنت على المهلك”.

بركة الشراكة
وبيّن الشيخ “عبدالباقي آل الشيخ مبارك” -رئيس المحكمة الجزائية بالأحساء- أنّ الأصل في الميراث المبادرة إلى تقسيمه فوراً بعد الوفاة، لأنّه أصفى للقلوب وأدعى للمودة والمحبة، مشيراً إلى أنّ المال إذا كان سبباً للفرقة وقطعية الأرحام لا خير فيه وموجب لغضب الله -عز وجل-، كما أنّه إذا كان تقاسمه سبباً لتفارق الأخوة وتباعدهم وكان بقاؤه في حيز شركة مدعاة للتواصل والأريحية والمحبة بين الأخوة فبلا شك أن بقاءه أفضل، مستشهداً بالحديث القدسي الذي يقول الله سبحانه وتعالى عن نفسه: “أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر”،
مشيراً إلى أنّه يعرف أسرة ترك لها والدها بضعة ملايين، وبعد وفاته أنشأ الأخوة شركة صغيرة، إلاّ أنّ الشراكة وبفضل التماسك واستمرار المحبة بينهم أثمرت تضاعف مالهم ثلاث مرات في غضون عامين، إضافة إلى أنّ الشركة أبقتهم أخوة متحابين ومتواصلين وكأنّ والدهم لا يزال على قيد الحياة.

 

الشركات العائلية

ورأى “د.يوسف بن عبداللطيف الجبر” -رئيس لجنة المحامين في غرفة الاحساء- أنّ مطالبة الشركاء من الورثة بالمخارجة في التركات كان لوجود قضايا نزاع على التركة في الجهات القضائية، واستغراقها زمن طويل وتعطل الانتفاع بالأموال، مبيناً أنّ مثل هذه المواقف ولّدت لدى البعض غلبة ظن أو اعتقاد واهم بأنّ الاستمرار في المشاركة يؤدي إلى نزاعات تصل إلى المحاكم وقد يستغرق الفصل فيها سنوات طويلة، مبدياً امتعاضه الشديد من غلبة الجانب المادي على الحياة الاجتماعية،

وكذلك تدخل أطراف خارج العائلة الذي يخلق حالة من الفتور أو التوتر في العلاقات الإجتماعية بين الورثة، مضيفاً: “حتى الساعة لم تقدم لدينا مواد خاصة بالشركات العائلية وتنظيم العلاقة بين الورثة في هذه الكيانات، ولذا نرى مواقف سلبية ونتائج غير مشجعة في قضايا النزاعات، حيث يُعيّن حارس قضائي أو مصفّي، وربما يهتز الموقف المالي لهذه الشركات وتخسر الكثير من العقود الهامة، وكل هذا بسبب عدم وجود قانون يحكم العلاقة في الشركات العائلية”،

داعياً إلى ضرورة صدور هذا القانون كونه يقلل من مساحة الاختلاف ويشجع الأخوة على الاستمرار في علاقتهم، ضارباً المثل باليابان التي تحتضن شركات عائلية يمتد عمرها لأكثر من (500) سنة، معزياً ذلك لقوة وصلابة القواعد القانونية للمنشآت التجارية، مشيراً إلى أهمية الحرص على تنمية العلاقة بين الأبناء عبر مناشط اجتماعية، معتبراً أنّ حسن النهايات من حسن البدايات، حيث إنّ الأب وتصرفه خلال حياته هو الركيزة الأساسية في تباعد الأبناء أو استمرار الصلة بينهم، فإذا كان الأب يجمع أبناءه ويعدل بينهم ووفر لهم متطلبات الحياة الرئيسة، فإنّ هذا سيؤثر بشكل عميق جداً في حميمية العلاقة بين الأولاد بعد رحيله.

علاقات غير حميمية

وأرجع “د.محمد السيف” -أستاذ علم الاجتماع في جامعة القصيم- التفكك الأسري وضعف التواصل العائلي بعد وفاة الأب إلى الشخصية غير القيادية للأم وعدم استطاعتها إكمال دور الأب، وضعف مقدرتها على صهر شخصيات أبنائها وتوجيههم بالاستمرار على الوفاء للبيت الأبوي، فتمنح بذلك زوجات الأبناء وأزواج البنات فرصة جذب الورثة إلى علاقات غير حميمية فيحدث التفكك الأسري.

تلاحم الأسرة
ونوّه “صالح بن حسن العفالق” -رئيس غرفة الاحساء- على أهمية العدالة في توزيع الأملاك بين الأبناء واصفاً إياها ب”الأمر الجوهري” وركيزة أساسية في تلاحم الأسرة ومحبتهم لبعض، فهناك آباء لا يمنحون بناتهم الحق وهذا ظلم، وكأنّ هذا الشخص بفعلته يريد أن يغير شرع الله عز وجل، مضيفاً: “الأب يجب ألا يقدم ابناً على آخر أو على بنت، فمخافة الله تمنع من ذلك، وتوزيع النسب الشرعية تجعل جميع الأبناء مرتاحين ولا توّلد ضغائن بينهم، وهذا بلا شك ينعكس على علاقتهم ببعض بعد وفاة الأب”،
لافتاً إلى ضرورة ألاّ يكون الأب بخيلاً على أبنائه، معتبراً أنّ سرّ نجاح المشروعات الأسرية دوماً يكمن في استمرار الصلة بين الأبناء بعد وفاة والدهم في البيت، حيث يمكنّهم البقاء سوياً من التطوّر والتوسع والوصول لآفاق جديدة في عملهم.
_______________
المصدر : جريدة الرياض


تصميم وتطوير شركة  فن المسلم