السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

«مشاتل» بيوت الخبرة ..و«شجرة» العمل الخيري



تجاوز العمل الخيري ـ بعمره المديد في المملكة العربية السعودية ـ مرحلة التأسيس، كما تجاوز البلورة في أشكال مختلفة، شملت معظم أنماط الاحتياجات الإنسانية، ولا تزال أمُّه منجبة، تسرنا ما بين آونة وأختها بمولود جديد مبهر؛ لتلبية احتياجات المجتمع المستجدة.
بارك الله تعالى هذا العمل فسدَّ ثغرات كثيرة في غاية الأهمية، وقف بها مع مؤسسات الدولة المختلفة رافدا ومعززا، وقدم نماذج مضيئة وعالية الجودة، حصل بعضها على شهادات محلية واقليمية وعالمية، حتى استحقت أن تحتذى على مستويات داخلية وخارجية.

وقد اتجهت الجمعيات واللجان والمراكز الخيرية إلى العمل المؤسسي المبني على رؤية ورسالة وقيم، وابتنى بعضها استراتيجية ذات مدى مناسب لعملها، جعلتها تتجه إلى أهداف محددة، مما أكسبها نجاحات متفردة، وآثارا بالغة النفع، مع توفير لكثير من الجهود والأموال والأوقات التي قد تذهب هدرا، حين يغيب التخطيط المهني.

وجاء الآن دور بناء بيوت الخبرة، التي تدرس التجارب الناجحة، وتستكشف جوانب الجودة فيها، وتؤلف بينها، لتشكل منها نماذج قابلة للاستنساخ، مع الحرص على الاستفادة من سلبياتها؛ لتحسين المنتج، والتي تقدم دعما هو الأهم من جميع أنواع الدعم، حيث يُعدُّ بيت الخبرة: مؤسسة استشارية تضم مجموعة من الخبراء في اختصاص ما، تستهدف النهوض بمؤسساته، من خلال تفعيل الخبرات، والمعارف، والمهارات، في: تأسيس المنظمات، ووضع لوائحها، واستراتيجياتها، وأهدافها، وخططها، وتأهيل كوادرها الإدارية والمهنية، وتعزيز ايجابياتها، وقياس أثر مشروعاتها، وتحسين أدائها، وتوثيق تجربتها، وتناقل خبراتها بينها وبين مثيلاتها.

إن الحاجة إلى بيوت الخبرة بات ضرورة في عصر مؤسسات المجتمع المدني، فإن الأموال وحدها لا تكفي لإنشاء مشروع خيري ناجح، والرغبة وحدها لا تكفي لصلاحية فريق العمل لتحقيق أهداف المنظمة الخيرية، ولذا كان لابد من توافر بيت خبرة لكل نوع من أنواع العمل الخيري في بلادنا، يكون مرجعا مهنيا ـ وليس إداريا ولا ماليا ـ لكل الجهات التي تعمل في إطار اهتمامه.
ولذلك فإن ما يفترض أن تقوم به بيوت الخبرة من خدمات فنية وإدارية ومهنية للمؤسسات الخدمية، لهو أفضل من المنح المادية؛ لأن الخبرة لا يمكن الحصول عليها بالشراء، بل هي نتاج عمل ومعاناة وجهود متتابعة ومراقبة وملاحظة ورصد وقياس.
وما تقدمه (بيوت الخبرة) أصبح ضرورة في العمل الخيري، من أجل تعظيم النفع به، وحمايته من التصدع أو الضعف حين ينسحب منه (المؤسس)، حيث ترتبط عدد من المؤسسات الاجتماعية والدعوية بشخص معين هو بطل المشروع، يكون إما صاحب الفكرة، أو الناقل لها، ويكون مدار نجاحها على وجوده، وذلك بسبب افتقادها للعمل المؤسسي المتكامل.
تقوم بيوت الخبرة برسم مشروع المؤسسة مكتملا على الورق، قبل أن يبدأ، كما يقدم المهندس المعماري منشأة متكاملة الخدمات، بتقنية متقدمة ثلاثية الأبعاد (3D)، تجعلها ماثلة للعيان، وكأنها قامت على الأرض، وهي لا تزال على الورق، أو مجرد إلكترونات على شاشات الحواسيب.
إن ذلك سيزيد من فرص النجاح، والتقليل من التجارب الفاشلة، دون مردود يكافئ ما استهلكته من أموال، وطاقات، وأوقات.
في بيوت الخبرة ستجد الوزارات المعنية، الخبراء الوطنيين الذين يلبون احتياجاتها من الدراسات، وتجهيز المشروعات، وبناء البرامج اللازمة لتأهيل الكوادر، وهي خبرة موطنة، ستكون رهن الاحتياج في أي وقت بإذن الله تعالى.
ومن هنا أجد أهمية، بل الاحتياج الكبير، بل ضرورة استنبات مشتل كامل من بيوت الخبرة، تُبثُّ في أنحاء مملكتنا الحبيبة.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم