الثلاثاء 30 أبريل 2024 / 21-شوال-1445

لماذا يكذب الطفل ؟



بقلم د. علاء فرغلي – إستشاري الطب النفسي
يكتسب الطفل قيمة ومثله العليا من عالم الكبار الذين يعيش معهم. وإذا كان الطفل ينمو جسدياً وعقلياً واجتماعياً ، فإنه يحتاج إلى منظومة من القيم تدعم هذا النمو وتسهل اندماجه فى المجتمع … ويعتبر نمو القيم والأخلاق جزءاً من نموهم الاجتماعى لأنه سينعكس حتماً على سلوكهم … وهناك محاولات عديدة حاولت أن تفسر كيف تتكون القيم فى الأطفال؟ وما هى مراحل تكوينها؟ ولعل أبرز هذه المحاولات ما أقترحه العالم (كولبرج) الذى افترض أن تكوين القيم يحتاج إلى ثلاث مراحل حتى تصل إلى المستوى المطلوب اجتماعياً ونفسياً.
المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل القيم :
حيث يتصرف الطفل وفق معايير الثواب والعقاب المرتبطة بالسلوك فيميل لعمل كل ما يثاب عليه ويتجنب كل ما يعاقب عليه. فالبوصلة التى توجه أفعاله وترشده إلى الصواب ليست وجود مثل عليا أو أي اعتبارات أخلاقية وإنما هى رغبته فى الحصول على مكافأة أو على تجنب العقاب.
ولذلك فالدور الذى يقوم به الكبار فى هذه المرحلة كبير لأنهم هم الذين يملكون مفتاحها ، فهم القادرون على الثواب وعلى العقاب أيضاً. ولذلك سيتوجه سلوك الطفل حسب ما يقررونه هم بغض النظر عن كون رؤيتهم خطأ أم صواباً وفقاً للمعايير الأخلاقية.
المرحلة الثانية : مرحلة التوافق مع التقليد:
حيث يسعى الطفل إلى التوافق مع مجتمعه وتصدر منه السلوكيات التى من شأنها أن تجعله محبوباً من الناس ، كما يتجنب تلك المؤدية إلى بغضهم.
ولأن الطفل يرغب فى الاندماج مع الكيان الأكبر وهو المجتمع ، فإنه يتجه إلى تقليد السائد فيه حتى لو لم يكن راغباً فى ذلك ودون أن يجبره غيره على الأنسياق فى هذا الاتجاه ، فالتقليد هنا ليس ناتجاً عن خوف من عقاب أو رغبة فى ثواب ، وإنما ينتج من الإحساس بأنه صار جزءاً من كل وفرداً فى مجموعة.
المرحلة الثالثة : هى مرحلة القيم الذاتية :
هنا يكون للفرد قيمة الخاصة به التى قد تتنافر مع القيم السائدة أو التى تنسجم معها ولا يفلح معها ثواب أو عقاب . فهو قد اعتنق المبادئ التى ستنظم حياته هو وفق تصوره هو – قد يستمد قيمه من قواعد الدين والعرف والتقاليد أو أي أفكار براجماتية يعتقد أنها تضمن له النجاح. قد تكون قيمة أخلاقية أو مثالية وقد تكون غير ذلك.
والطفل قد تصدر منه سلوكيات مثل (السرقة والكذب والعدوان) تثير قلق المربين وتجعلهم يبحثون عن الأسباب التى أدت إليها فى تربيتهم حتى يتمكنوا من علاجها إذا كان لها علاج.
* تعريف الكذب :
الكذب هو مخالفة الحقيقة – وعدم مطابقة القول للواقع مطابقة تامة ، وهو صفة مكتسبة يتعلمها الطفل من المحيطين به ، وينطوى الكذب على رذائل خلقية عديدة ، لأنه يستغل فى تغطية الغش والخيانة والسرقة وغيرها.
والكذب ذاته خيانة كبيرة. روى أبو داود عن سفيان بن أسيد الحضرمى ، قال : سمعت رسول الله  يقول : “كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك مصدق ، وأنت له به كاذب”.
ويأخذ الكذب مظاهر وأشكالاً عديدة: فيكذب الطفل عناداً وتحدياً لوالديه اللذين يعاقبانه بشدة ، ويكذب الطفل هرباً من العقاب القاسى الذى يحطم نفسيته ويمحو شخصيته.
ويكذب الطفل عدواناً على أخيه الأصغر – مثلاً – لأنه يغار منه غيره شديدة ، لأنه يحظى بحب والديه. ويكذب الطفل ادعاء ويختلق أشياء لم تحدث بسبب الشعور بالنقص.
ومن الأخطاء التى يقع فيها الآباء والتى تؤدى غالباً إلى وقوع أطفالهم فى الكذب ما يلى :
بعض الآباء يتغافلون عن المبدأ التربوى المهم وهو أن التربية الفاضلة تعتمد أساساً على القدوة الصالحة والأسوة الحسنة ، فلا يجوز أن نكذب أمام الطفل بدعوى أنها “كذبة بيضاء” ، وننسى أن الطفل يسجل كل ما يدور أمام ويقتدى به ، ولو أننا عاقبنا الطفل على “كذبة بيضاء” كما نسميها ، لشعر بمرارة الظلم وفداحته ، لأننا نستحل لأنفسنا ما نحرمه على أطفالنا.
وتذكر – عزيزى الأب – أنك تدرب طفلك على الكذب ، مثلاً ، إذا طرق بابك طارق وطلب من طفلك أن يقول له : إنك غير موجود ، فهذا تدريب عملى على الكذب وتحريض عليه.
ويخطئ بعض الآباء ، حينما يجبرون طفلهم على الاعتراف بالخطأ ويضيقون عليه فى كل أقواله وأفعاله دون مراعاة لطبيعة شخصيته ومرحلة نموه، فيضطر الطفل إلى اصطناع الصدق حتى يرضى والديه وهو مضطر مكره.
ويخطئ بعض الآباء – كذلك – حينما يعاقبون طفلهم ، لأنه اعترف أمامهم أنه قال كذباً وارتكب خطأً ، وهم لا يدرون أنهم يعاقبونه على الصدق.

* أنواع الكذب : منه الكذب العارض الذى يزول بنمو الطفل ونضجه، ومنه الكذب المتصل بالظروف والعلاقات الأسرية ، ولكل منها علاج.
(1) الكذب الخيالى : إن الطفل حينما يتخيل أحداثاً حدثت ويقصها على أنها واقع بالفعل ، لا نستطيع أن نصفه بالكذب ، لأنه هنا أقرب ما يكون إلى التسلية واللعب ، بالإضافة إلى أن قدراته وإمكاناته لا تسمح له بالتمييز بين الحقيقة والخيال. فإذا جاء طفل فى الرابعة من عمره بقصة من نسج خياله ، فلا يصح أن نعتبرها كذباً بالمعنى المعروف للكذب وذلك يفسر شغف الأطفال بسماع القصص الخيالية والأسطورية .
(2) الكذب الالتباسى : الطفل هنا لا يستطيع التمييز بين الواقع والخيال، فكثيراً ما يسمع الطفل حكاية أو يرى حلماً فى نومه أو يسمع قصة خرافية تملك عليه مشاعره ، ثم تسمعه فى اليوم التالى يحكيها على أنها واقع حدث بالفعل. وهذا ليس كذباً بالمعنى المعروف ، ويزول مع مضى الوقت .
(3) الكذب الادعائى : الطفل الذى يشعر بالنقص كثيراً ما يتحدث عن نفسه وصفاته ومواهبه ، وعن قدرات والديه ومكانتهما بهدف تعظيم الذات ، وجعلها مثاراً للإعجاب من المحيطين به.
وقد يكون السبب فى هذا النوع من الكذب قسوة الأسرة وإسرافها فى قمع الطفل وإذلاله وعقابه ، فيكذب الطفل هرباً من العقاب.
وقد يدعى الطفل المرض ، لأنه لا يريد الذهاب إلى المدرسة ويسرف فى استدرار عطف المحيطين به.
(4) الكذب الغرضى أو الأنانى : وهو كذب الطفل رغبة فى تحقيق غرض شخصى ، أو الوصول إلى مآرب ذاتية ، كالحصول على اللعب والحلوى وغير ذلك. والطفل عندما يفقد الثقة فى البيئة المحيطة به ، فإنه يشعر بالحاجة إلى امتلاك أكبر قدر ممكن من الأشياء ، وهو يكذب لتحقيق ذلك .
(5) كذب الانتقام والكراهية : وهو كذب الأطفال ليتهموا غيرهم بأمور يترتب عليها عقابهم وسوء سمعتهم… ومن أسبابه الغيرة بين الأطفال ، وقد يحدث هذا النوع من الكذب داخل الأسرة بسبب التفرقة فى المعاملة بين الأخوة ، مما يجعل هذا الطفل أو ذاك موضع كراهية وانتقام من الآخرين.
(6) الكذب والوقائى : الطفل يكذب دفاعاً عن نفسه ، وللوقاية من العقوبة ، والسبب فى هذا الكذب المعاملة القاسية للطفل عقاباً على أخطائه ، سواء فى الأسرة أو المدرسة ، فهو يكذب هرباً من العقاب. وكذلك ينتشر هذا النوع من الكذب فى الأسر التى لا يتفق فيها الآباء على طريقة واحدة فى معاملة الأبناء.
(7) الكذب العنادى : الناشئ عن تحدى السلطة الممثلة فى الأسرة أو المدرسة ، خاصة إذا كانت شديدة الرقابة والضغط قليلة العطف والحنو ، لا تتفاهم مع الأطفال .
(8) كذب التقليد : فقد يكذب الطفل تقليداً لأبويه أو من حوله على أساس أنهما قدوة له.

*أساليب الوقاية وطرق العلاج :
يجب أن ندرس كل حالة على حدة ونبحث عن الدافع الحقيقى للكذب ، ونساعد الطفل على التغلب على مشكلته فى ضوء معرفتنا بالأسباب وبشخصية الطفل ، ويحاول الوالدان ما يلى :
أن يقلل الآباء بقدر الاستطاعة من استخدام الوعظ والنصح كأسلوب علاجى ، وأن يصرفوا جهدهم لمعرفة هل الكذب عارض ، أم أنه متكرر مزمن ، وما الدوافع المسببة له.
ينبغى أن يؤخذ الطفل بالرفق واللين إذا كذب وهو دون سن الرابعة ، ونعرفه الفرق بين الخيال والواقع ، وإذا كان فوق الرابعة أو الخامسة فيجب أن نحدثه عن الصدق وأهميته دون إكراه أو ضغط.
ينبغى أن يشعر الطفل دائماً بعطف الأبوين وحنوهم عليه دون إكراه أو ضغط أو تشهير أو سخرية ، وأن تعالج المشكلة فى ضوء الظروف والعوامل المحيطة بالطفل كافة.

ينبغى إشباع حاجات الطفل النفسية ، وأن ندرك متى يمكنه أن يفرق بين الواقع والخيال ، ونبصره بأهمية الأمانة والصدق فيما يقوله ويفعله ونشجعه على ذلك ، مع عدم المبالغة فى القلق على تنشئة الطفل على الصدق.
وفى هذا الصدد يجب أن لا ننسى قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }”

الانفال – 118

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم