الثلاثاء 30 أبريل 2024 / 21-شوال-1445

فتش .. فقد تعثر عليه



يفترش الأرصفة، ويطعم من براميل القمامة، هوايته قراءة الصحف التي ترميها المؤسسة الصحفية التي يعمل بها، الدنيا كلها مختصرة في دفتر مذكرات صغير كان في يده، حين ارتطم برئيس التحرير، فوقع الدفتر، التقطه، واطلع على خواطره، فأعجبته، فمنحه فرصة لنشرها، خرج اسمه في الصحيفة، توهَّجت في أنظار القراء، أصبح يكتب عمودا في الصحيفة، ثم اعتلى كرسي رئيس التحرير، ثم امتلك الصحيفة؛ لتصبح – بعد مدة – أكبر مؤسسة صحفية في بلده.

تعثرت الدراسة في الداخل والخارج بأحد الشباب السعودي، فوجد نفسه يصحب (الملف الأخضر العلاقي) في رحلات مكوكية، وصلت به من المدينة إلى جدة؛ بحثا عن عمل، وهربا من أسئلة الناس عن مستقبله وحلمه، حط ركابه في كافتيريا شعبية، استوقفته فيها جملة موجزة خلال حديث بين مقيمين مصريين، قالها أحدهما للآخر : “اللي تغلبُّو العبُّو”: أي استثمر ما تفوز به.

لم يجد (فهد) غير المعلومات والثقافة التي اكتسبها من قراءة مئات الكتب والمقالات.

لاحت فكرة مراسلة الصحف في أفقه، راسل الصحف السعودية لمدة عام ونصف العام دون أن يرد عليه أحد، حتى أجابه رئيس تحرير صحيفة المدينة وقتئذ، وطلب مقابلته، وخلال الاجتماع قال أحد منسوبي الجريدة: “لمَ لا نجربه؟” حينها بدأ (فهد الأحمدي) بكتابة زاوية يومية في المدينة بعنوان: (حول العالم)، يقول: “عملتُ مجانا لمدة ستة أشهر، لكني كنت سعيدا، ومدينا للصحيفة التي فتحت صدرها لي”.

وقفت المعلمة أمام الصف الخامس في أول يوم تستأنف فيه الدراسة، وقالت لهم: إنني أحبكم جميعاً، لكنها كانت تستثني في نفسها تلميذا يجلس في الصف الأمامي، يدعى “تيدي ستودارد”، كان لا يلعب مع بقية الأطفال، ملابسه دائما متسخة، يبدو شخصاً غير مبهج، وقد بلغ الأمر أن المعلمة تومسون كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر عريض الخط، وتضع عليها علامات «x» بخط عريض، وبعد ذلك تكتب عبارة “راسب” في أعلى تلك الأوراق.

خلال مراجعة سجلاته الدراسية السابقة فوجئت بتوصيات أساتذته الأسبقين، وأنه طفل ذكي ويتمتع بروح مرحة، يؤدي عمله بطريقة منظمة، ويتمتع بدماثة الأخلاق، لكنه منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض عضال، حتى ماتت فأهمله أبوه.
هنا أدركت المشكلة، فشعرت بالخجل، بعدها أولته اهتماما خاصا، بدأ عقله يستعيد نشاطه، وكلما شجعته كانت استجابته أسرع، وبنهاية السنة الدراسية، أصبح تيدي من أكثر التلاميذ تميزًا في الفصل، وأبرزهم ذكاء.
بعد سنوات جاءتها رسالة منه تقول: إنها أفضل وأحب معلمة قابلها طوال حياته، لكن هذه المرة كان اسمه طويلاً بعض الشيء، دكتور ثيودور إف. ستودارد!!
في زواجه همس لها: أشكرك على ثقتك فيّ، وأشكرك أجزل الشكر على أن جعلتني أشعر بأنني مهم، وأنني يمكن أن أكون مبرزاً ومتميزاً.
ومن السعودية، بائع ملحٍ وتمر، ثم حامل حطب، ثم راعي غنم في قرية نائية جنوب السعودية، إلى بروفيسور في واحدة من أكبر جامعات أمريكا، هذا هو ملخص قصة الطبيب السعودي د.حامد البارقي.
الإمام البخاري يقول عن سبب تأليفه كتابه العظيم: “كنّا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح”.
في حي الإمام الذهبي سمع كلمة عابرة ألقاها شيخه البرزالي على مسمعه حين رأى خطه فقال له: (إن خطك يشبه خط المحدثين)، قال: فحبب الله إليّ علم الحديث.
فتش في داخلك، وفي دواخل من حولك، فقد تجد ذلك المبدع المتخفي وراء الإهمال.
فأنا على يقين أن من بيننا من لم يكتشف نفسه بعد، ولم يكتشف من حوله ممن هم تحت ولايته، تماما كصياد فقير، حكت الأساطير، أنه تعثر بكيس من الأحجار، فأخذ يتسلى برميها في الماء، ويستمتع بوقعها في الماء، حتى أشرقت الشمس على أخر حجر؛ نظر إليه، فإذا بها (ماسة)؛ فأجهش بالبكاء.
نعم كثير من البشر أغرقت ماساتهم في البحار المالحة، جهلا بقيمتها، فما أشد غربة جوهرة في كفِّ حداد.

تويتر @DR_holybi



تصميم وتطوير شركة  فن المسلم