الخميس 16 مايو 2024 / 08-ذو القعدة-1445

31 خطوة لرحلة ماتعة



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

فأضع بين أيديكم الكريمة 31 خطوة موجزة تعينك بعد الله تعالى على الاستمتاع برحلة أسرية جميلة ومفيدة وممتعة:

1- الاستجمام بعد الجهد والعناء مطلب، وقد وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ولكن ساعة وساعة )، ولا ريب أن وجود مثل الاستجمام يحفّز أفراد الأسرة على مزيد من العطاء والبذل كل في مجاله العملي أو الدراسي، ولذا على الوالدين وخصوصًا الأب ألا يقصر في هذا الجانب ما دام مستطيعًا.

2- قبل التخطيط لابد من الموازنة بين ظروف الأسرة والوجهة التي تحدد، فقد تكون هناك ظروف سانحة لتنفيذ الرغبات التي يطمح لها أفراد الأسرة، وقد تحول الظروف دون ذلك، فمثلاً : الظروف الصحية، المالية، الاجتماعية، وهكذا، فإن سنحت الفرصة لتحقيق المطلوب من التنزه فالحمد لله، وإلا فإن على أفراد الأسرة تفهم ذلك، وعدم أخذ الأمور بالانزعاج أو التذمر، فكل شيء بقضاء الله وقدره، وليس أوسع للمرء ولا أسعد من داره.

3- وهنا لابد من الإشارة إلى ما يحصل من بعض أفراد الأسرة من زوجة أو أولاد من ممارسة الضغط النفسي أحيانًا على أب الأسرة بضرورة السفر للخارج مثلاً أو للداخل في  حين أنه لا يستطيع ذلك لضيق ذات اليد، أو لظرف وظيفي أو اجتماعي، مما يجعل الأب أحيانًا يتحايل على تحصيل المال أو الهروب من عمله بأي حجة !!

4- من المحزن أن تغيب الأهداف الخاصة بالأسرة وأفرادها من الرحلة قريبة كانت أو بعيدة، لتصبح الرحلة من أجل الآخرين!! فيكون قصد بعضهم إنما هو التباهي بالمكان الذي تم اختياره للسفر لكونه دولة كذا أو كذا، والحقيقة أن الضغط الاجتماعي اليوم يشكل هاجسًا لكل أب أسرة، وأن السؤال الملحّ الذي غدا محرجًا لكثير من أفراد الأسرة وخصوصًا الشباب منهم والأطفال : أين سافرتم في هذه الإجازة !! أعتقد أنه هذه الأمور من الأحوال الخاصة التي لا ينبغي التفتيش عنها، ولا الاستفسار عنها.

5- ماذا نهدف من الرحلة والتنزّه ؟ إن استذكار الأهداف من الرحلة أمر إيجابي للغاية، دعونا نسأل أنفسنا لماذا نسافر أو نخرج للنزهة ؟

أ ـ طلب التخفيف عن النفس؛ بنية خالصة لله تعالى، بعد عناء العمل أو الدراسة، ومن أجل العودة مرة أخرى لإنجاز أفضل، وعطاء أكثر.

ب ـ التعلم : وذلك بزيارة الأماكن التاريخية ومعرفة ثقافات الشعوب وأساليب عيشها.

جـ ـ تقوية الروابط الأسرية بين أفراد الأسرة الواحدة.

د ـ فرصة للبعد قليلاً عن وسائل الترفيه الضارة كالتلفاز والإنترنت وغيرها، وإن كانت اليوم تصاحبهم في أكثر الأماكن.

هـ ـ تدريب الأبناء على تحمل المسؤولية وذلك بتعليمهم على مهام جديدة وتكليفهم بها، والصبر على أخطائهم، والتغاضي عن زلاتهم.

و/ التفكر في عظمة الخالق وقدرته عند رؤية مخلوقاته من حدائق وجبال وغيرها.

ز/ التعرّف على حقوق أخرى كحقوق الممتلكات العامة والمرافق السياحية وغير ذلك، فقد وضعت لخدمة الناس، وجميل أن نردد قولهم :  ( دع المكان أفضل مما كان ) .

ح/ معرفة أنماط أفراد الأسرة فمنهم القيادي فيوجه، ومنهم التنفيذي فيدرب.

وقد أوجز الإمام الشافعي رحمه الله عددًا من هذه الثمرات في قوله الشهير :

تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا *** وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ *** وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ

6- رائع أن نجمع أفراد الأسرة للتباحث بشأن المكان الذي ترغب الأسرة في الذهاب إليه، بعد وضع الإمكانات المتاحة من كل الجوانب.

7- قبل اتخاذ قرار الاختيار لابد من ذكر ضوابط لهذا المسير؛ فإن السعادة ليست مع التفريط وليست كذلك مع الإفراط، وسعادة المسلم ليست في اتباع هواه، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ، ولعلي أشير إلى أهم الضوابط التي ينبغي أن نضعها نصب أعيننا قبل الانطلاق :

أ ـ أن نعاهد الله تعالى ألا نُعمل جوارحنا في المعصية، لا ببصر ولا سمع ولا يد ولا قدم، ولا غير ذلك، لأننا في حالة شكر وتقلب في النعم، والنعم لا تقابل بالكفر والجحود، والله تعالى يقول: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )، ولنتذكر أن المعصية ـ ولو ألبسناها ثوب الترفيه أو التخفيف عن النفس ـ لها شؤم، والشؤم قد يكون في النفس أو الدابة أو الدار، نسأل الله العافية، وفي الحلال غنية عن الحرام، ولله الحمد.

ب ـ  المحافظة على الصلاة في أوقاتها، وإن كنّا في مسافة سفر فإننا نقصر، وإن احتجنا للجمع جمعنا بين الصلاتين الرباعيتين.

ج ـ ينبغي أن نتعلم أبرز أحكام السفر لأننا سنحتاج إليها.

د ـ أن نحرص على حشمة النساء وسترهن في ملبسهن، لأن التبرج والسفور بريد الوقوع في الفواحش أو التعرض للفتنة، كما لا يجوز أن تسافر المرأة من غير محرم، حراسة لها من كل مكروه.

هـ ـ تجنب الأماكن المحرمة أو المشبوهة، التي قد تجر الإنسان إلى الغواية أو تفتح له أبواب الفتن.

هذه أبرز الضوابط التي يجب أن تراعى في الرحلات والأسفار.

8- على رب الأسرة أن يوزع المسؤوليات على جميع أفراد الأسرة، حتى المميزين منهم، كل بقدر استطاعته؛ فإن في تحميلهم المسؤولية متعة خاصة بالنسبة لهم، إضافة إلى تدريبهم على ما ينفعهم مستقبلاً، وهذه المسؤوليات تبدأ من حين العزم على الرحلة.

9- جميل أن نعمل ( ورشة عمل ) صغيرة نضع فيها برنامج الرحلة كاملاً، حتى ما يحصل في السيارة إن كان الطريق طويلاً، مع مراعاة المرونة في التعامل معه على حسب اختلاف الظروف والموازنة في المصالح، ويكون بالتشاور بين الجميع.

10- أن تكون فقرات البرنامج منوعة، بحيث يكون شيئًا منها من خلال الإذاعة أو مواد مسجلة أو مرئية، والأهم من ذلك أن تكون المشاركات من أفراد الأسرة أنفسهم، كتلاوة القرآن أو القصص، أو المسابقات أو الألعاب ، أو الأناشيد النافعة أو نحو ذلك.

11- أن تحدد جميع الأماكن والمرافق التي تود الأسرة في زياراتها، وذلك بعد الاطلاع عليها من خلال الخرائط أو الإنترنت، ثم التأكد من وجودها في أجهزة الملاحة المحمولة، ووضعها في المفضلة؛ ليسهل عليهم الوصول إليها، ولا تضيع عليهم الأوقات في البحث عن المكان المنشود.

12- تكتب جميع مطلوبات الرحلة في ورقة حتى الأشياء اليسيرة كعود الكبريت مثلاً، أو المهمة كالأدوية الضرورية أو المتوقع الحاجة إليها كالأموال الكافية، وبطاقات الصرف والتأكد من صلاحيتها، ويطلع عليها الجميع، بحيث يذكر بعضهم بعضًا، ثم يتأكد من تحضيرها بوضع علامة صح أمام كل عنصر.

13- وسيلة النقل، إن كانت السيارة، فيجب الاستعداد للسفر بالتأكد من كونها جاهزة، والأولى هو إدخالها للصيانة الشاملة.

14- كل ما سبق يشكل للأسرة ( العزيمة على الرحلة )، وليس بعد العزيمة إلا التوكل على الله تعالى، فإن الله تعالى يقول : ( فإذا عزمت فتوكل على الله )، وهي فرصة ثمينة أن نغرس هذا المعنى في قلوب أبنائنا وبناتنا، فهو المدبر سبحانه لكل شيء.

15- يستحب أن تكون بداية الرحلة يوم الخميس، استنادًا لحديث :
( قَلَّ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا أراد سفرًا إلا يوم الخميس ) رواه البخاري، وكلما كان في البكور كان أكثر بركة.

16- يسن إذا نزلنا منزلاً أن نقول : ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) فإن من قال ذلك : ( لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ) رواه مسلم.

17- يسن أيضًا أن لا يتفرقوا في الأماكن التي سينزلون فيها، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ حيث قال : ( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال : لو بُسِطَ عليهم ثوب لعمهم ) رواه أبو داود وصححه الألباني.

18- قد نجد صعوبة في إجبار الجميع على أوقات نوم وطعام موحدة، لكن الحرص على توحيدها يوفر كثيرًا من الجهد، ويزيد المتعة بالرحلة، ويحقق المزيد من أهدافها.

19- الأصل هو الترفيه في الرحلة، وأن ننوي به إسعاد أسرنا، ولكن ينبغي ألا تخلو الرحلة من جلسات يسيرة فيها شيء من الاستماع للقرآن الكريم، أو السنة، أو القصص النبوي، أو المسابقات الثقافية المسلية والألعاب المفيدة والتنافسية، أو الكتب ذات الطابع المسلي كالطرائف والإلغاز والسيَر ونحو ذلك، حتى يعود الفرد بشيء قد انتفع به من رحلته، وتكون الرحلة ذكرى جميلة.

20- إذا كانت الأسرة ستصحب أسرة أخرى فهنا يجب التخلص من المجاملة في اختيار الصديق غير الصالح، يقول النبي صلى الله عليه وسلك : (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ ‏‏ الكير ‏‏ فحامل المسك إما أن ‏ ‏يحذيك ‏ ‏وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة )، فالصاحب ساحب كما يقولون.

21- أذكّر بدعاء السفر المعروف، وبأذكار الصباح والمساء، ففيها بإذن الله تعالى وقاية من الآفات والأضرار والأمراض.

22- من السنن التكبير عند علو الطريق، والتسبيح عند الهبوط.

23- اتباع إرشادات المرور، وعدم العجلة في القيادة، وعدم المجاملة في تولي قيادة السيارة أثناء الإعياء أو التعب.

24- جميل ألا ننسى سنة الفجر وسنة الوتر، فما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم لا في سفر ولا حضر، ويجوز أن نصلي التطوع ونحن على الراحلة نتوجه في القِبْلة حيث توجهت، إلا الفرائض فلابد من استقبال القبلة، وهنا ينبغي اصطحاب أي برنامج صحيح يدلنا على القِبْلة.

25- أوصي الوالدين والأولاد الكبار أن ينفكوا قليلاًُ من وقارهم، ويشاركوا الصغار في ألعابهم وترفيههم، ( فليس من الأدب التأدب في البستان ) كما أثر عن الإمام الشافعي رحمه الله، ويقصد بذلك عدم الالتزام بالشخصية المعهودة في غير الرحلات من رفيع السمت أو إطالة الصمت.

26- من متع السفر التلذذ بالأطعمة والأشربة المباحة، وهذا من النعم، ويستحب هنا التوسعة على العيال في ذلك، لكن دون سرف ولا مباهة، فالله تعالى يقول : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) ، وجميل أن نخصص بعض العمالة بشيء من الطعام نشاركهم معنا في فرحتنا، وندخل عليهم السرور.

27- نتيقظ إلى عدم تكليف الخدم ما لا يطيقون على حساب راحتنا ومتعتنا، بل ينبغي التخفيف عنهم، ومشاركتهم العمل.

28- الرحلة فرصة لتعليم الأسرة ماذا تعني ( طاعة ولي الأمر المسلم )، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود وحسنه الألباني، فيتذاكر الوالد مع أولاده أهمية طاعة ولي الأمر وكيف تعصم بها ـ بعد الله تعالى ـ الفتن، وتمنع المصائب.

29- أعرف أن التصوير في الأسفار له عند الناس لذة خاصة لأنه يحتفظ بالذكريات الجميلة، وهنا أنبه فقط تنبيهين :

أ ـ عدم التهاون في تصوير النساء؛ لأن الصورة سريعة الانتشار، وليس هناك داعٍ لذلك.

ب ـ لا بأس باستخدام برامج التواصل الاجتماعي ووضع المناظر الجميلة والجلسات العادية فيه، أما الصور التي تظهر فيها الرفاهية أو الترف الزائد فلا ينبغي نشرها، لأن في ذلك كسر لقلوب الفقراء أو الذين حالت ظروفهم الاجتماعية دون الخروج للرحلات والأسفار، فقد يسبب ذلك شيئًا من الحسد أو العين أو غير ذلك مما لا تحمد عقباه.

30- إذا انتهى برنامج الرحلة، وانتهت الأيام المخصصة له، فالأصل عودة الأسرة إلى منزلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السفر قطعة من العذاب: يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله ) رواه البخاري ومسلم.

31- في طريق العودة نردد الدعاء : (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون )، وأن نتذكر قول الله تعالى : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) فقد مشينا في مناكب الأرض، وأكلنا من رزق الله تعالى، فعلينا أن نتذكر ذلك اليوم الذي نعود فيه إلى الله تعالى.

أسأل الله تعالى لكم سفرًا سعيدًا، وعودًا حميدًا.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

مشاركة في برنامج بك أصبحنا 15/3/1435هـ

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم