الجمعة 10 مايو 2024 / 02-ذو القعدة-1445

ويسألونك عن الحب!



 بقلم أ.فؤاد بن عبدالله الحمد 
الحُبُّ ـــ يا صديقي ـــ مثله مثل الصفات الفاضلة في النفس، إن لم تظهر بسهولة، فعلى الإنسان أن يتمرّن عليها… وكأنه يمارس الرياضة لأوّل مرّة، فيحس بالتعب والإرهاق والتشنّج، ثمّ يبدأ ذلك التعب بالزوال شيئًا فشيئًا مع الاستمرار في أداء التمرينات… كذلك ( الحب ) تحتاج إلى ممارسته يومًا بعد يوم، وستشعر بثقله في بداية المطاف، لكنك سرعان ما ستحسّ بعذوبته في نفسك وسترى ذلك على حبيبك.

والحُبُّ من أسمى العلاقات الإنسانية الراقية، وأرفع المقامات، وهو سلوةُ الفؤاد، ودوحةٌ غنَّاء، وظلٌّ وارف, والحُبّ إخلاص وصفاء ونقاء… بالحب تصفو الحياة وتشرق الشمس ويرقص القلب، وبالحب تُغفر الزلات وتُقَالُ العثرات وتُرْفَعُ الدَّرجات، فلولا الحبّ ما التفَّ الغصن على الغصن، ولا بكى الغمام على جدب الأرض، ولا ضحكت الأرض لزهر الربيع… فلله دَرُّ الحبِّ كم أضاع من وقت؟ وكم أسر من فؤاد! وكم أذهب من عقل! فما أجمل الحب وما أكثر مُدَّعيه!… إن المحبة ليست قصصاً تُروى، ولا كلماتٍ تُقال، ولا ترانيمَ تُغنَّى، وإنما هي طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، تتجلى في السلوك والأفعال والأقوال قال الله تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) – [آل عمران: 31].

لماذا الحُبّ؟ يقول الأديب الكبير والشيخ الجليل علي الطّنطاوي رحمه الله تعالى: ” لولا الحُبُّ لما حنا الجبل على الجبل فولد الوادي! ولولا الحُبُّ لما بكت السماء على جدب الأرض فنزل الماء… ولولا الحُبُّ لما كانت الحياة! “. لقد سما الإسلام بهذه العاطفة الإنسانية إلى أعلى المقامات, فالإسلام يعكس فهماً خاصاً وتميزاً لعاطفة الحُبّ! حيث يتكون نظام المحبوبية في الإسلام من مجموعة من الدوائر تتسع وتتداخل… دائرة حُبِّ الإنسان لنفسه؛ {وإنَّ لجسدِكَ عليكَ حقًّا} [صحيح النسائي], وتتسع الدائرة لتشمل حُبَّه لأسرته؛ {كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه} [صحيح الجامع], وتتسع دائرة الحُب لتشمل أفراد المجتمع؛ { إنَّ المُؤمِنَ للمُؤْمِنِ كالبُنيانِ، يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا} [صحيح البخاري] وفي موضع آخر؛ {لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه} [صحيح البخاري] , ويرتقي بالإنسان إلى حُبِّ القيم والمبادئ والأخلاق, ويسمو به إلى حُبِّ الله سبحانه وتعالى ـ قال الله العظيم: ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) – سورة المائدة : 54.

وردت كلمة ” حُبّ ” في القرآن الكريم على أربعة أوجه؛ وهي الإيثار والمودّة والقلّة والنفع. وجاء ذكر كلمة ” الحب ” ومشتقاتها في القرآن الكريم في أربعةٍ وثمانين موضعاً, وكذلك ورد لفظ ” الحُبّ ” في سيرة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف؛ بل إن حياته صلى الله عليه وسلم كلّها حب, لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[Symbol] [سورة التوبة : آية 128]. فالمتتبع لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم يجد العجب العجاب, ففي سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم الأنموذج الفريد الذي يُحتذى في التعامل مع هذه المشاعر الإنسانية الراقية، فقد كان صلى الله عليه وسلم في حُبِّه مَضْرَباً للأمثال، إذ بلغ بقلبه الطاهر النقي الذي ملأه الله بالإيمان والطهر والعفاف أعلى مقامات الحب وأصدقها، مثل حُبِّه لأهله وأصحابه وأُمَّتِه جمعاء, بل تعدّى ذلك ليصل إلى كل مَا حوله من حيوان وجماد، فهو الرحمة المُهداة – قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) – [سورة الأنبياء : آية 107] وفي الحديث {إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ} [صححه الألباني].

فلم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم في سيرته لأولاده وأحفاده إلا الحُبُّ والرحمة والمودة والبرّ، تلك المشاعر الرقيقة التي غمرت قلبه لتكون درساً للآباء والمُربِّين… وأما سيرته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه, فهي النبراس والمَثَل الأعلى والأسوة الحسنة للرجال في كلِّ زمان ومكان, في حسن معاشرة بالمعروف, والقسمة بينهنَّ بالعدل بالمبيت والنفقة والتكريم, وفي احتمال غضبهن, وكان صلى الله عليه وسلم يزورهنَّ للوعظ والتعليم والمؤانسة, وكان يخدم في بيته ويقضي حوائجه بيده… صلَّى الله عليه وسلَّم ما ذكره الذَّاكرون, وصلَّى الله عليه وسلَّم ما صدحت الأطيار, وتعاقب الليل والنهار.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم