الثلاثاء 21 مايو 2024 / 13-ذو القعدة-1445

نحو منظومة تخديرية متكاملة لجراحات القلب



بقلم الدكتور/ محمد سيد الشوربجي
مدرس التخدير والرعاية المركزة – طب عين شمس

كانت مصر من أوائل الدول في العالم العربي والشرق الأوسط في بناء نظام فعال ومتكامل للعمل على زيادة وقدرة مجال التخدير في عمليات جراحة القلب والصدر وغيرها من الجراحات الدقيقة وذلك لتحقيق هدف ضمان الجودة وتوفير الأمان للمريض وبالتالي تحسين جودة الخدمات الصحية بغرفة العمليات.
ويرصد التاريخ منذ مئات السنين بأن الأطباء المسلمين من أوائل الذين هدفوا إلى فكرة تخفيف آلام الإنسانية. فهم وراء اكتشاف علم التخدير حيث أطلقوا عليه اسم المرقد أي المخدر واستخدامه في التخدير الكلي في العمليات الجراحية وهم أيضًا من ابتكروا أداة التخدير (الإسفنجية المخدرة) كما في ورد كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لأبو الفتوح التونسي حيث يتم وضع المخدر بها وتوضع على أنف المريض ليمتص الدم المادة المخدرة ويذهب المريض في نوم عميق وتتم العملية الجراحية بدون ألم.

جهود العلماء المسلمين فى خدمة الأنسانية
وقد بحث الإنسان بحثًا دؤوبًا منذ أزمنة سحيقة عن طريقة لتسكين الآلام للتمكن من التدخل الجراحي وأسفر هذا البحث عن اكتشاف بعض العقاقير ذات الأصل النباتي والتي تقلل الإحساس بالألم مثل الأفيونات ((opium ومن المؤكد أن التخدير أحدث ثورة في عالم الطب والعلاج وجعل ما كان مستحيلًا بالأمس ممكنًا اليوم وللعلم أن الطبيب والشاعر الأمريكي (أوليفر هوتون) هو أول من أطلق على التخدير اسم Ansthia وهي كلمة إغريقية معروفة تعني (فقدان الإحساس). وعن علم التخدير سئل آلاف الأطباء عن أعظم اكتشاف طبي أفاد البشرية في الألف عام الأخيرة وكانت إجاباتهم واحدة وهي علم التخدير.
تنتهج مستشفيات ومراكز جراحات القلب منظومة متكاملة لتحديث علم التخدير جراحات القلب وذلك لكى يتناسب مع احتياجات مريض القلب والتى تتم خلال أطباء التخدير المؤهلين في هذا المجال الحيوي الهام.
وقد واكب هذا التطور السريع في مجال التخدير التطور في صناعة الأجهزة الطبية وكانت أهم مساهمة علمية تقنية هي اكتشاف ماكينة القلب الصناعي والتي يمكن بواسطتها تحويل الدورة الدموية عن القلب مما يتيح للجراح أن يقوم بجراحته للقلب وهو في حالة سكون.

وأحب أن أذكر أن الدور المحوري للعملية التخديرية لا يبدأ فقط في مسرح غرفة العمليات كما يعلم الكثير ولكن يبدأ منذ دخول المريض للمستشفى لعمل الفحص الإكلينيكي الشامل على أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز الدوري والقلب بقياس الضغط والنبض وكالجهاز التنفسي بالكشف على الصدر وعمل وظائف التنفس مع عمل التحاليل المهمة مثل صورة الدم الكاملة (CBC) ووظائف السيولة والتجلط (PT/PTT) ووظائف الكلى والكبد (kidney &liver function) وتحليل الفيروسات الكبدية ((HCV/HBV.
ويعتبر الأيكو (Echocardiography) الأشعة التليفزيونية على القلب من الضروريات الأساسية لتحضير المريض لعملية القلب المفتوح وذلك لأهميته في معرفة قوة وحالة عضلة القلب والصمامات كالصمام الأورطي والميترالي.

وأخيرًا تم عمل القسطرة التشخيصية لشرايين القلب التاجية (coronary angio) وخصوصًا لمرضى جراحات ترقيع الشرايين التاجية.
إن كل هذه الإجراءات تضمن وصول المريض للحالة الصحية الأفضل لحين خضوعه للجراحة إن شاء الله ولا يفوتنا الحديث عن أهمية التوجيه السلوكي للمريض للاستجابة لتعليمات طبيب التخدير وجراح القلب لتحقيق الهدف المنشود وعلى سبيل المثال فإن التزام المريض بتناول أدوية الضغط والقلب بانتظام حتى صباح العملية يساعد في ثبات ضغط ونبض المريض في فترات العملية ويحسن من النتائج المرجوة.
ولهذا فإن معرفة المريض ودرايته بتاريخه المرضي وعلمه التام بكل علاماته وعلاجاته يوفر الكثير من الجهد على طبيب التخدير وجراحة القلب ويساعد على توفير مناخ التخدير الآمن والفعال.
يعود التخدير ليلعب دوره الأساسي في العمليات عبر مجموعة متكاملة من الإجراءات والاحتياطات ومنها:

1-               إتباع القواعد الحاكمة للحد من انتقال العدوى والأمراض في العمليات وما لذلك من تأثير إيجابي في التقليل من المضاعفات وأعداد الوفيات وتقليل فترات إبقاء المريض في المستشفى وتخفيض تكاليف العلاج وبالتالي المساهمة في تحسين الاقتصاد القومي ومن ضمن هذه الاحتياطات ارتداء أغطية الرأس والأقنعة الوقائية للجهاز التنفسي مع تعقيم الآلات والمعدات الجراحية وإتباع الطرق السليمة في إعطاء المضادات الحيوية بأنواعها وجرعاتها قبل الجراحة.

2-               يلتزم طبيب التخدير بالقواعد التعقيمية عند تركيب الكانيولات الوريدية والشريانية وقسطرة الوريد المركزية وأيضًا في تركيب الأنابيب الحنجرية للمريض.

3-               إتباع قائمة التحقق من السلامة في العمليات الجراحية كالتأكد من اسم المريض الثلاثي وتحديد مسمى العملية وأسماء طاقم العمليات وإعادة كشف التخدير الإكلينيكي ومعرفة ما إذا كان هناك حساسية من أدوية سابقة مثل المضادات الحيوية.

4-               التأكد من كفاءة الأجهزة الطبية مثل (المونيتور) لمتابعة العلامات الحيوية كالنبض والضغط ونسبة الأكسجين في الدم وجهاز التنفس الصناعي ومراقبة خطة صيانة الأجهزة مع مهندس الأجهزة الطبية.

5-               التعامل الدقيق مع الأدوية الخاصة بغرف العمليات وتصنيفها لخطورتها في التعامل إلى (الأدوية المشابهة والأدوية عالية الخطورة والأدوية عالية التركيز) وإعطاء كل مجموعة من الأدوية ألوانًا مختلفة مميزة والتأكيد على طاقم الأطباء والتمريض ضرورة الاستخدام الصحيح لهذه الأدوية.

كما يقوم طبيب التخدير بمتابعة تأثير الأدوية المعطاة للمريض أثناء الجراحة وتسجيل المحاليل المعطاة للمريض والدم ومشتقاته كالبلازما.

6-               الالتزام بالتأكد من توفر الدم والبلازما والصفائح الدموية ببنك الدم عن طريق وجود كارت التبرع وذلك لاحتياج المريض لنقل الدم في فترات العملية مع التأكد من فصيلة دم المريض قبل نقل الدم.

7-               المتابعة الدقيقة والدورية للعلامات الحيوية على جهاز المونيتور والعلامات النفسية على جهاز التنفس الصناعي منذ بدء التخدير وحتى نهاية العملية لضمان التعامل السريع والتدخل السليم مع المريض.

لقد أضاف جهاز الإيكو عن طريق المريء TEE(Transoesphgealecho) الكثير في متابعة ديناميكية ووظائف القلب طوال فترة العملية وتقييم كفاءة التدخل الجراحي في نهاية الجراحة.

وأخيرًا بعد انتهاء العملية يقوم طبيب التخدير بتسليم المريض إلى طبيب الرعاية المركزة وإبلاغه بكل تفاصيل العملية كنوعية وجرعات أدوية التخدير وقراءات العلامات الحيوية وكل الأحداث الطبية والجراحية ثم تقوم الرعاية المركزة بالمتابعة الدقيقة للمريض حتى الشفاء بإذن الله.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم