الخميس 16 مايو 2024 / 08-ذو القعدة-1445

نحو قراءةٍ أنفع



 

يوضّح هذا المقال السبيل نحو الاستفادة القصوى مما تقرأه، سواء كنت تقرأ كتابًا أو مقالًا أو بحثًا أكاديميًا. وسنتطرق أيضًا إلى معرفة مستويات القراءة، وطرق اختيار الكتُب النافعة، وتحسين الفهم القرائي والتذكر، وكيفية تدوين الملاحظات بفعالية.

«في حياتي كلها، لم ألتقِ بعاقلٍ لا يقرأ على الدوام، لا أحد على الإطلاق». تشارلي مونجز

لعل من منافع القِراءَة أنها توجِز لك الخبرات القيمة التي اكتسَبها غيرك، على أن تلك المنفعة لن تتحقق لك إلا إذا تَذكّرت العِبر والدروس المستفادة مما قرأته وطبقتها.

فإليك بعض الأفكار المجربة التي وجدنا أثرها النافع في القراءة.

اترك الكتب الرديئة

تصفح الكثير من الكتب واقرأ القليل، أما المفيد فاقرأه مرتين.

الكتب الرديئة ثقيلة على القارئ، أما الكتب القيمة تُشعرك أنها تقرأ نفسها.

حين تختار كتابًا قيّمًا تشعر بذلك على الفور، ففضلاً عن جمال محتواه وكثرة أفكاره الشيقة، ستجده مُحكم التنظيم، ما إن تقرأ صفحة واحدة تجد نفسك مبحرًا مع بقية الصفحات.

 أحيانًا تنقلب رغبتنا في إنهاء ما بدأناه ضدنا، فقد نبدأ قراءة الكتب بسرعة ولكن نتركها بسهولة لسوئها. والكتب النافعة تُشعرك أنها هي من تقرأ نفسها، فتكاد لا تستطيع إفلات الكتاب من يدك. أما الكتب السيئة فهي كحمل الحجارة وأنت تمشي في الوحل، والحياة أقصر من ذلك.

لا يتوجب عليك في القراءة أن تنهي أي شيء تبدأه، حين تدرك أن بمقدورك ترك الكتب الرديئة -أو غيرها- دون أن تشعر بالذنب سيتغير كل شيء، فترك الكتاب الرديء يفسح المجال لكتاب قيم.

مستويات القراءة

قراءة الكلام في الصفحات أو في الشاشات أمرٌ سهل، فقد تعلمنا هذا في المدرسة الابتدائية، وهنا تكمن المشكلة: فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تعلمنا بها القراءة.

ومن المنطقي تمامًا أن توافق بين الطريقة التي تقرأ بها والمحتوى المقروء، فليس كل ما تقرأه يتطلب نفس الجدِ؛ فهناك كتب تتطلب قراءة سريعة، وهناك كتب تستلزم كامل انتباهك، فمقدار الجهد المبذول في القراءة يتماشى مع ما تقرأه ولمَ تقرأه.

وتُقدم مستويات القراءة أربع طرقٍ مختلفة للقراءة (من الأسهل إلى الأصعب)، وغالب قراءتنا تتركز بين المستوى الثاني والثالث:

القراءة بغرض التسلية: وهو مستوى القراءة الذي تعلمناه في المدرسة الابتدائية.

القراءة بغرض الاطلاع: وهي قراءة سطحية، تمر فيها على ما تقرأه، وتتعمق هنا وتتجاوز هناك، وتعطي رأيك في الكتاب، وتفهم الأسس.

القراءة بغرض الفهم: وهي العمود الفقري للقراءة، فهي قراءة دقيقة حيث تستوعب الأمور وتتفكر فيها.

 القراءة بغرض الإتقان: إذا قرأت كتابًا واحدًا عن أحد المواضيع فالمعطيات تشير أنك ما زلت لم تدرك خبايا ذاك الموضوع.

أما القراءة الإجمالية فهي أن تقرأ تشكيلةً من الكتب والمقالات عن الموضوع نفسه، وتحدد التناقضات وتقيمها، وتشكِّل رأيًا في الموضوع.

القراءة عمومًا تتطلّب جهدًا كثيرًا.

سرعة القراءة

سرعة القراءة ماهو إلا أداة للتباهي، لا أحد يحفل بسرعة قراءتك ولا بعدد ما قرأت العام الماضي، ما يهم في أرض الواقع هو ما استوعبته مما قد قرأته.

تصفّح بسرعة لتجد ما يستحق القراءة، ومن ثم اقرأ بتعمقٍ وبطء.

في اختيار الكتب القيّمة

إن الاستفادة القرائية لا شك مرهونةٌ باختيارك للكتاب، فكما أن البيت القذر لا يوفّر لك ظروفًا صحية، فكذلك الكتاب؛ من الصعب أن تخرج بالعبر من كتبٍ لم يختبرها الزمن.

والزمن يصنّف لك الكتب ذات القيمة الجديرة بالقراءة من الكتب التي لا تستحق سوى التصفح أو التجاوز. وليس بوسعنا أن نقول أي الكتب الحديثة قيّمٌ وأيها ردِيء، لكن اترك الأمر للزمن فهو كفيلٌ بذلك، فالدهر يصفي الكتاب المفيد من الكتاب الذي لا يفيد، ولا حاجة لك أيها القارئ في أن تبدد وقتك فيما لا يفيد.

غالب المواضيع التي تريدها من الكتب الحديثة (كتطوير المهارات، ووصفات الطبخ، ولغات البرمجة) ستجدها متوفرةً على الإنترنت، ووقت القراءة ضيّق، فينبغي استغلاله في العلم الذي يفيد.

بيت القصيد أن تقرأ الكتب القديمة وأن تقرأ القيّم منها مرتين.

وهذه الطريقة في ظاهرها أقل حماسةً من أن تقرأ أحدث الكتب التي تتصدر قائمة المبيعات وتجذب حديث الجميع، ولكن تلك الكتب لن يدعها الزمن تدوم طويلاً.

تدوين الملاحظات

استراتيجية الورقة الفارغة:

من أكثر الطرق التي ستعينك على الاستفادة مما تقرأه: استخدام طريقة الورقة الفارغة.

لقد جربت عبر السنين طرقًا كثيرة للاستفادة أكثر من الكتب، ولم أجد أحسن من هذه الطريقة من ناحية السهولة والنفع؛ فهي ستضاعف من استيعابك في ليلةٍ وضحاها.

وسأريك كيف تعمل:

قبل أن تقرأ كتابًا جديدًا، أحضر ورقةً فارغة، واكتب فيها ما تعرفه عن الكتاب أو الموضوع الذي ستقرأه، ولتكن خريطة ذهنية مثلًا إن أردت.

وكلما انتهيت من فترة قراءة، اكتب ما تعلمته في الورقة بلونٍ مغاير.

وقبل أن تبدأ القراءة من جديد راجع الورقة.

وبعد أن تفرغ من قراءة الكتاب تمامًا ضع الورق في غلافٍ لتراجعهُ باستمرار.

ما سر نجاح هذه الطريقة؟

تُحضر استراتيجية الورقة الفارغة دماغك لما ستقرأه وتبيّن لك ما أنت آخذٌ في تعلمه واكتسابه.

 حين تستخدم استراتيجية الورقة، فأنت مجبرٌ على البحث في ذاكرتك وكتابة ما تعرفه عن الموضوع، أو ما يخيّل إليك أنك تعرفه.

وبينما تمضي في القراءة، سترى توسع علمك ومعرفتك عن الموضوع كلما كتبت، وستحذف من الورقة بعض الأمور التي ظننت أنك تعرفها.

ومراجعة ما اكتسبته وما كنت قد دونته من قبل لا يحسّن الذاكرة والتذكر فحسب، بل يساعد في ترابط الأفكار، وتصدر معظم الترابطات الفكرية في البداية من تدوين كلام المؤلف مع ما كتبته من قبل على الورقة.

ولو كنت لا تعرف شيئًا عن الموضوع أو الكتاب قبل أن تبدأ، فلا داعي للقلق، اكتب مما تجده في الكتاب كبداية.

ومع توسع معرفتك بالموضوع، ستجد نفسك تبدأ في ربط الأفكار عبر مختلف المجالات، وستختلف مع المؤلف في بعض الأمور بل وستنشئ أفكارًا من بنات فكرك. وبعدما تنهي الكتاب ضع ما كتبته في غلاف وراجعه كل بضعة أشهر، وهذه الخطوة مهمة لترسيخ معرفةٍ واسعة ولربط الأفكار عبر مختلف المجالات.

التدوين التقليدي

دعك من المدرّس الذي كان يوبّخك على كتابتك في كتابك الدراسي حين كنت يافعًا، هذا الكتاب الآن أنت من اشتراه وهو ملكك، وعليك أن تكتب في الهوامش.

وإليك طريقة سهلة لتدوّن الملاحظات وأنت تقرأ:

بعد نهاية كل فصل، اكتب بعض رؤوس الأقلام تلخص بها الفكرة الرئيسة أو نقاطًا محددة، بكلامك أنت لا بكلام المؤلف، وحاول ربطها بشيء في حياتك-كذكرى أو فكرةٍ أخرى- واكتب كذلك أي سؤالٍ لم تعرف إجابته وأنت تقرأ.

حين تنهي الكتاب، ابتعد عنه لمدة أسبوع.

خذ الكتاب من جديد، وراجع ملاحظاتك كله، في الغالب، سيكون ذلك نافعًا كأنك تقرأ الكتاب من جديد.

اكتب على غلاف الكتاب من الداخل فكرته الرئيسة بعبارتك، وإذا لم تعرف الفكرة، راجع الملاحظات مرة أخرى (وهذا يسمى مبدأ فاينمان).

ففي الكتابة نكتشف أننا لا نعرف شيئًا عن الموضوع الذي بين أيدينا.

ويمكنك أيضًا أن تنشئ فهرسًا في الغلاف الخلفي للكتاب، تكتب فيه المواضيع أو الأفكار.

(اختياري) انقل المقتطفات واكتبها بخطك خلف الورقة البيضاء عكس اتجاه الورقة أو اكتبهم في مذكرةٍ خارجية.

إن الهدف من التدوين التقليدي واستراتيجية الورقة الفارغة هو ربط المعلومة المكتسبة حديثًا بالمعلومات القديمة، ولنبيّن الفجوات في فهمنا.

فمن أعظم الطرق لترى ما تعلمته أن تكتب عما قرأته.

اقرأ أكثر فأكثر

بدون التعلم المستمر لن تذهب بعيدًا فيما تبتغي، ولعل من أنفع المسالك على التعلم؛ القراءة.

لا حاجة لك في أن تجعل عادة القراءة معقدة أو صعبة، ابدأ بخمس وعشرين صفحةً في اليوم، فمع قلة عدد هذه الصفحات إلا أن الفائدة ستزداد يومًا تلو الآخر.

والأهم أن تتذكر أن قراءتك لأمرٍ ما لا يعني أنك أنجزت ما يجب عليك حتى يكون لك رأيٌ في الموضوع.

____________________

المصدر: علمنا –

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم