الأربعاء 01 مايو 2024 / 22-شوال-1445

نحتويهم أو نخسرهم !



نحتويهم أو نخسرهم ! 

الشيخ عادل بن سعد الخوفي. 
المشكلات تبدأ صغيرة ثم تكبر، كَكُرَة الثلج الهابطة من قمة الجبل، كلما هوت إلى الأسفل كلما تضاعفت سرعتها وكبر حجمها ، وتصل ذروتها حين ينقطع الحبل الممتد بين الأب وابنه ،  
فهنا لم يعد للالتقاء سبيل، يزداد الهجر، وتزداد المشكلات وتتأزَّم ، فلا يعود الأثر السلبي على طرف بعينه، فالأسرة بأكملها أهدافاً مستحقَّة أمام هذا الانهيار الجارف . 
إنَّ تَفَهُّم خصائص وطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها أولادنا، بوابة هامَّة لسلامة التعامل معهم، وقبول بعض تصرفاتهم، ومساعدتهم لفهم ذواتهم، إنها مُتَطَلَّب لنكون مستمعين جيدين إليهم، إلى همومهم وشجونهم، إلى أن نجد لهم عذراً في بعض مفرداتهم أو تصرفاتهم، فلا نلوم على كل صغيرة وكبيرة، ومن لم يجد في نفسه القدرة على التقاء ابنه والسماع منه واحتوائه، فليََجِدْ من يراه مناسباً لالتقائه، وفهم حاجاته النفسية، وتوجيهه بالتي هي أحسن، على أن يكون ممن يحبهم الولد ويقدرهم .  
فالولد – وخصوصاً في مرحلة المراهقة وما بعدها – ينبغي أن تبقى في يديه فرصة التواصل مع والديه، وأن يرتفع الحاجز بينهما، فخصائص مرحلته العمرية تحتاج رفقاً وصبراً وليناً، والضغط يولد لديه الانفجار، والحياة ليست مثالية في كل شيء، ولن يكون الولد – إلا ما شاء الله – متميزاً في كل خطواته ، فإنه يعتريه ما يعتريه ، ولذا لا بد من قبوله كما هو .  
إشباعه بالحب بلا شروط ؛ ممازحة، وتقبيلاً، واحتضاناً، ومدحاً، مع السعي لعلاج أخطائه بالطرق التربوية الإيجابية في دائرة الأسرة . 
إنَّ منزل الأسرة أرحب صدراً للولد من الخارج، وأكثر أماناً له، فلنعمل على علاج مسبِّبات خروجهم من المنزل هاربين، وليكن شعارنا ( بيئة جاذبة ) لا ( طاردة ) ، نستثمر طاقاتهم في أنشطة يرتاحون إليها، نشجِّع رغبتهم في تعلُّم مهارات ينشدونها، نحترم ميولهم في التحرر والاستقلال ، نشبعهم عاطفياً بالكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والتحفيز المناسب . 
” ل . ع ” يقول: إما أن تكون ابنتي ممتثلة بأمري، لا تخرج عن رأيي قيد أنملة، وإما أن أحذف اسمها من سجل الأسرة، فلا أنتسب إليها ولا تنتسب إليَّ. 
هذه الفتاة حقَّقت الدرجات الكاملة في شهادتها الجامعية، ولا يُعرف عنها في أخلاقها ما يشين، ومع ذلك ليس للأب استعداد أن يكون هناك أي خلاف في الرأي بينه وبين ابنته، بل وليس لديه استعداد لأي حلول وسط للتقارب بينهما . 
إن الخطأ في السلوك أو الفهم يَرِدُ من الكبار، وهو من الصغار أكثر وروداً، فكل ابن آدم خطاء، وأولادنا يمرون في مراحل يتعلمون فيها ما يجب عليهم فعله أو تركه، وهم مع هذا في مرحلة اكتشاف للعالم والخبرات من حولهم، إننا نُغرق أحياناً في استخدام ألسنتنا وأيدينا مع فلذات أكبادنا بصورة سلبية ، فهما الوسيلة الأسرع للتعبير عن ضيق صدورنا من تصرفاتهم، أو تنفيس همومنا التي أشبِعَتْ من مجريات الحياة؛ فإن كانت المفردات المحقِّرة والعقاب البدني هو العلاج المُعَلَّب، فالنتيجة قتل لمبادرتهم، وتحطيم لشخصيتهم .  
لننتقد ولكن! ننتقد السلوكيات السلبية، وليس الذات، فقول: هذا التصرف غير صحيح، أو خاطئ، أو لا يُرضي الله تعالى. يختلف عن قول: أنت سيء، أو غير مؤدب، أو غبي، أو لا تفهم. نحتاج إلى نقد السلوك لا الذات . إننا متى سَمونا بأسلوب تربيتنا، سما أولادنا وتميَّزوا، ومتى أسأنا وأهملنا، خسرنا أولادنا وضيَّعناهم. 
مهارة الاحتواء تَتَطلَّب أن نُعامل أولادنا لذواتهم، لكونهم أولادنا وحسب، نحبهم بصورتهم المجرَّدة، بغض النظر عن سلوكياتهم أو مهاراتهم أو خدماتهم ، إنهم إن لم يجدوا الحب والاحتواء لدينا، فحتماً سيبحثون عنه في الخارج، لدى الأصحاب، لدى من يفتح لهم ذراعيه مشرعة، وحينها لسنا ندري أفي خير يكونون ، أم في شر لم نحسب له حساباً،  
إنَّ ما نجده في أولادنا، سحابة صيف بإذن الله تعالى ، مرحلة وتزول ، فقط صبر جميل ، وتخفيف من الاحتقان، وعدم الإكثار من التوبيخ، أو المحاسبة، أو التشهير، أو التعنيف، يوماً ما سنراهم على ثغرة من ثغور ديننا وأوطاننا، سيحملون راية البناء والرُقي والدعوة للجيل القادم، فلا نستعجل النتائج، سنجد فيهم ما تَقَر به عيوننا بإذن الله ، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )(متفق عليه) . 
تصميم وتطوير شركة  فن المسلم