الجمعة 03 مايو 2024 / 24-شوال-1445

مصرٌ على الحبّ



بقلم/ د.خالد بن سعود الحليبي

تزحف عقارب عمري فوق جذع الخمسين، تتزيا لحيتي بالبياض؛ أبهى الألوان وأصفاها وأنقاها، تذكرني بعض الوخزات في جسدي الراكض بأنني تجاوزت مرحلة ودلفت أخرى .. تراكمت خلال التنقل بين هذه المراحل رؤى وأهداف ومشروعات كنت فيها ضيفا أو مجرد منتج للأفكار، وربما كنت فيها صاحب يد، ولكني أشعر ـ حقا ـ بتجاوزها كلها. لم أكن أظن بأن للعمر قدرة ونفاذا تشبه قدرة القائد وحزمه ونفاذ أمره؛ حتى إن شيئا من آرائي تبعثر، وشيئا من أهدافي تبلور. شيء ما كان له في حياتي الجديدة الأثر الأكبر.. (الحب) .. أشعر به في كل لحظة، فإذا تعبدت لله فلأني أحبه، حتى أصبح هواي معه، وإذا تعلقت بإنسان ما فلأني أحبه، ولابد يوما ما أن أقول بأني أُحبه، وإذا تعاملت مع يومي بإخلاص؛ فإني لن أعمل فيه غير ما أحب فقط، ولن يجبرني أحد أن أعمل فيه غير ما أحب.

تشكل هذا الحب حتى رأيته في كل شيء، فنفى عن صدري الحسد والغل والبغضاء والانتقام، وامتلأت بهدفي الكبير، (أن أرى السعادة ترفرف على محيا كل بيت، والطُّمأنينة تسكن كل قلب، والجسور القوية ممدودة بين كل إنسان وإنسان)، غير عابئ بالأحجار التي تعترض طريقي؛ التي تتعب من يجوبها، ويجلبها، بينما أجدها جاهزة بين يدي لأقيم منها منارة مضيئة يهتدي بها الحائرون في دروب الحياة، ولا تستطيع أحاديث المثبطين المخذلين أن تبلغ مبلغا في نفسي؛ مجرد سحابة سوداء تكدر صفوي لحظات، ثم ألملمها وأعيد ترتيب كلماتها؛ لأبني بها قصيدة الجمال النفسي، الذي وهبت لغرس فسائله في صدور الناس (كل الناس دون تصنيف) عمري كله، سائلا ربي تعالى أن يهبني منه نية خالصة نقية، واحتسابا أجد لذته في قلبي ولساني سواء. أعلم بأن “من تصدر لخدمة العامة، فلا بد أن يتصدق ببعض من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتوم حتى وإن واصل الليل بالنهار”. كما قال ابن حزم يرحمه الله، لكني أعلم ـ أيضا ـ بأن من تمام نعمة المولى على العبد أن يسخره لهداية خلقه، أو لإسعادهم وإدخال السرور عليهم، وأن من تلقَّى ذلك بالشكر فقد عرض جزاءك عند ربك للنقصان، ومن صمت فقد أهدى إليك فرصة الاحتساب كاملة، وأما من شتمك، أو وشى بك، أو تنقصك، أو حاول تحجيم سعيك في الخير، أو أساء إلى سمعتك؛ فقد أساء إلى نفسه، وباء بشتيمته، وربما كشف الله ما خفي من فضلك، فزاد قدرك عند من اغتابك عنده. وقد حبب الله إلي وطني، حتى إني لأغار عليه كما أغار على عرضي، وأجدني أتعبد ربي بطاعة ولاة الأمر فيه في المعروف، والعمل من أجل أمنه ورقيه وسعادة أهله. حين امتزجت روح آمالي بروح وطني، لم أعد أستطيع أن أفرق بينهما.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم