الأحد 05 مايو 2024 / 26-شوال-1445

مرحبا شهر الأمان



بقلم د.خالد الحليبي

تدفق أيها العذب الزلال، ففي أرواحنا ظمأ عضال، نسقيه مياه الأرض كلها ويظل ظميئا، ولسانه يتشقق عطشا، تدفق دون توقف، ففي نفوسنا شوق لا نستطيع أن نشفيه إلا إذا رأيناك تهل «علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله».

رمضان جئت إلينا ونحن في نعمة وعافية وستر، في بلد يظللنا فيه الأمن والأمان، والطُّمأنينة والسلام، وسعة الرزق، راجين من الله تعالى أن يتم علينا نعمته وعافيته وستره في الدنيا والآخرة، ولكنها نعمة منغصة بما نرى من الظلم الواقع على إخوتنا وأخواتنا في أصقاع كثيرة من الأرض، فقلوبنا تعتصر ألما من أجلهم، ومهما صنعنا معهم فنحن مقصرون بلا شك. كنا نود لهم أن يصوموا أيامك الغر وهم في بيوتهم آمنون، وبين ضيعاتهم سعداء مسرورون، وفي مساجدهم قائمون، فإذا بهم يتشردون في كل أرض، وتحت كل سماء.
ندخل جنتك هاربين من حرِّ الدنيا المتقلبة، نستروح عبق الجمال الروحي، الذي لا نحس به كما نحس به بين يديك.
فما أحوجنا إلى الإرادة الراسخة حين تعرض علينا رشوة مغرية لإبطال حق أو إحقاق باطل، وما أحوجنا إلى الإرادة القوية حين ندعى إلى مجلس فحش، أو مصاحبة سوء، وما أحوجنا إلى وقفة شامخة حين تستذلنا إيماءة من شهوة دنيئة وإذا كنا أعزة حقا في داخل نفوسنا، فلماذا نخجل من إعلان إرادتنا العليا تلك، وتأبيَنا على كل المراودات السلوكية الهابطة، بصوت مسموع ؟!!!

رمضان لا تزال لنا مدرسة روحية لتهذيب النفس العصية، وتوجيه السلوك العنيد، وتدريب الجسد والروح على العزائم، لا بقوة الأمر والنهي، ولكن بالحب والطاعة المختارة، بل بالشوق الذي لا حدود له، فقبل أن تفد إلينا بأشهر، كنا نتطلع ـ بلهف شديد ـ إلى هلالك، وما أن أهللت بالبركة والأمان حتى تبادل المسلمون التهاني بينهم، وكأن العيد قد حل قبل أوانه، فيا طيب روائح تلك التباريك الفرحة وهي تعطر الأفواه الصائمة، والمجالس العامرة، مصحوبة بابتسامة الرضا والقبول والتسليم. عندها ترسخ في نفس المسلم عزيمة ثابتة لا يتطرق إليها أدنى تردد: أن تستقيم على هدي الله تعالى وهدي رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل شؤون هذه العبادة، مهما تعارضت مع الهوى الشخصي، والرغبة الخاصة، وهذا هو ميدان ترويض مهرة النفس الشموس، على خلق الإرادة، وتحقيق المراد دون ضعف أو تخاذل، وهو درس لا تقتصر حاجتنا إليه في رمضان فقط، بل في جميع لحظات حياتنا حتى نلقى ربنا تعالى.
فما أحوجنا إلى الإرادة الراسخة حين تعرض علينا رشوة مغرية لإبطال حق أو إحقاق باطل، وما أحوجنا إلى الإرادة القوية حين ندعى إلى مجلس فحش، أو مصاحبة سوء، وما أحوجنا إلى وقفة شامخة حين تستذلنا إيماءة من شهوة دنيئة!!

وإذا كنا أعزة حقا في داخل نفوسنا، فلماذا نخجل من إعلان إرادتنا العليا تلك، وتأبيَنا على كل المراودات السلوكية الهابطة، بصوت مسموع ؟!
لماذا لا نصرخ بكل شجاعة في وجه مفاتيح الشر:

لا.. لن نسمح لكم أن تقتربوا من سياج مروءاتنا..
لا.. لن نسمح لأنفسنا أن تكون فرائس سهلة لأنيابكم الشرسة..
لا.. لن نسمح لأعصابنا وبطوننا أن تستجرنا إلى الهاوية بعد أن أعلى الله قدرنا..

إننا حين نرفض كل دعوة إلى انحراف، فإننا نرتفع بمستوى إنسانيتنا إلى السمو الذي أراده الله تعالى لها، فالصيام لجام للنفس، كم تحتاج إليه في سائر حياتها.

مرحبا شهر الأمان، هيا اسكب في قلوبنا روائحك العبقة، وامزج دماءنا بالتسابيح التي ترتقي بأرواحنا إلى الملكوت الأعلى، وضُمَّنا كما تضم الأمُّ وليدها بعد طول غياب، تظن أنها هي التي تُروي هجيرها، وهو الذي ـ في الحقيقة ـ يُروي صفيحَ حجارته المحماة في صحراء الغربة القاحلة.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم