الأحد 19 مايو 2024 / 11-ذو القعدة-1445

ما مدى قربك من ابنك ؟



الكثير من الآباء والأمهات لا يشعرون باحتياجات ابناءهم إلا إذا اكتشفوا أنهن ارتكبوا سلوكا يسبب الحرج لهم ، وقد لا يعرف البعض أن هناك بعض الفتيات يهربن داخل المنزل بسبب سوء التواصل مع والديهم وضعف العلاقة الاسرية داخل المنزل ؛ حيث يجعلن لأنفسهن عالمًا آخر من خلال الأحاديث التليفونية أو المحادثة عبر الإنترنت والـ (Chatting) التي يمكنهن من خلالها تبادل الحوارات والهموم بل العواطف أيضًا مع الشباب، وتمتد هذه الأحاديث لفترات طويلة فتسرق الوقت وتملأ عقول الفتيات ووجدانهن بما لا يتصور الآباء أنهن يعرفن عنه شيئًا، فالآباء والأمهات يطمئنون بل يفتخرون بأن أبناءهم وبناتهن يسايرون العصر ويقضون أوقاتهم أمام شاشة الكمبيوتر، وأنهم ليسوا ممن يضيعون أوقاتهم في الأندية أو التنزه، في حين أن الواقع شيء آخر.

وفي حالات كثيرة لا تستيقظ الأسرة إلا بعد وقوع الكارثة وانكشاف المستور، فيفيق الأب والأم على حلم مزعج هو أن ابنتهم قد تزوجت عرفيًّا من شاب لا يعرفونه، أو تزوجت زواجًا سليمًا (على يد مأذون) لكنه سري لا يعرفه سوى أصدقاء وصديقات الزوجين، كل هذا والفتاة تعيش في بيت أهلها بشكل طبيعي تخرج صباحًا إلى المدرسة أو الجامعة وتعود بعد انتهاء اليوم الدراسي، وهي في الحقيقة تذهب إلى شقة الزوجية المؤقتة، وتعود لمنزلها بعد ذلك، ولا ينكشف الأمر إلا عندما تظهر على الفتاة علامات الحمل، فإما تتجه للإجهاض أو تصارح أهلها بالحقيقة، وهنا لا يصبح أمام الأهل سوى حلين لا ثالث لهما، الأول هو إجهاض هذا الحمل والتخلص من هذا الزواج، أو أن يرضوا بالأمر الواقع ويتحول الزواج العرفي أو السري إلى زواج معلن، وإن كانت بعض العائلات تطبق قانونًا آخر هو التخلص من الفتاة إلى الأبد (!!).

إن حاجات المراهقين ليست غير ممكنة التحقيق والإشباع، فهم يحتاجون بالدرجة الأولى للاعتراف والقبول والاحترام من المحيطين، وأن يتم قبولهم كما هم وليس كما يرغب الوالدان، ويحتاجون إلى الإحساس بكيانهم والثقة بقدراتهم، وعندما لا يجد المراهق هذا من والديه يبحث عنه في مكان آخر حتى لو كان الثمن الانحراف.

يتوجب على الأهل اتباع طريق آخر يسلك سلوكا وسطا بين التساهل والحزم عند تعليم الطفل ولابد هنا من توجيه الأهل الى الطرق السليمة في التعامل مع الاطفال حتى يتمكنوا من تنشئتهم التنشئة الصحيحة والعبور بهم الى بر الأمان، وبذلك يكونون قد أدوا دورهم معهم على أكمل وجه. إن استخدام القوة في تهذيب سلوكيات الابناء وسيلة غير ناجحة وتأتي بنتائج عكسية وهي الوسيلة الأقل فعالية سواء كانت في البيت أو المدرسة. وان فرض الانضباط يمكن ان يولد ابنا طبيعياً خائفاً يغالي في احترام المحيطين به أو على العكس يولد ابن دائم الثورة والاعتراض، وفي كلتا الحالتين لن يكون لدى الطفل شعور طبيعي نابع من داخله يدفعه الى أن يسلك سلوكاً مهذباً وأن يتعامل مع المحيطين به. إن المكافأة والعقاب هما السندان التقليديان لفرض الطاعة والأدب على الطفل ولكن هذين الشيئين غير مجدين لأنهما لا يسمحان بتغيير سلوك الطفل تغيراً دائماً، إلا ان استخدما استخداماً شديد الدقة .

ويجب علينا معاملة الابن سواء الشاب أو الفتاة على انه إنسان عاقل وفاهم أمر مهم جداً ومساعدته على اتخاذ القرار وتحمل المسئولية يسهم بشكل فعال في تهذيب سلوكياته وتعديلها للأحسن، وهي الخطوة الأولى له في هذه الحياة ولابد من منح الطفل مساحة للتفكير في سلوكياته وتصرفاته مع الصغار والكبار معاً وتعريفه بالسلوكيات والقيم الصحيحة والمقارنة بينها وبين تصرفاته، وهنا سيقتنع الابن والفتاة بأن هذا السلوك في التعامل صحيح والآخر خطأ، كما علينا ألا ننسى بأن هروب الفتيات بأنه مشكلة تعكس أزمة الثقة بين الوالدين والفتاة، فعندما ينعدم التواصل بين الوالدين والفتاة ليصبح من طرف واحد يتم فيه نقل التوجيهات والأوامر دون نقاش أو جدال ودون أخذ وجهة نظر الأبناء بما يتم التقرير بشأنهم، وعندما تشعر الفتاة أن حاجاتها النفسية للحب والاعتراف والقبول في الأسرة غير محققة، وعندما يتم تبخيس رأيها والتقليل من قيمتها وتقديرها ذاتها، عندها تبدأ فجوة أزمة الثقة بين الأبناء والآباء تزداد اتساعًا، فينفصل عالم الأبناء عن عالم الآباء وعن الواقع الذي يعيشونه، ويغرقون في عالم خاص بهم، قد يصل في نهاية المطاف إلى اللامبالاة ومشاعر الاكتئاب ومحاولات الانتحار، وعندما تقرر الفتاة الهروب من المنزل فإنها تكون قد وصلت في صراعاتها إلى نهاية المطاف؛ حيث لا تجد حلاًّ وفق ما تعتقده إلا من خلال الهروب من المنزل، وهنا تكون معرضة لخطر أن تمشي وراء أول يد تمتد لمساعدتها، وليس من النادر أن تكون هذه الأيدي غير نظيفة تدفعها للانحراف والجنوح.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم