الأربعاء 24 أبريل 2024 / 15-شوال-1445

لمن يلاحق الأغنياء والمشاهير



 

بعض الناس يهين نفسه ويضيع طريق النجاح المنشود بالتبعية لكل أحد، فإن كان موظفاً ظن التبعية للمدير هي سبيله للميزات، وهناك من يتبع الأغنياء والمشاهير طمعاً في فتات يلقونه إليه، وليس هناك مثل عزة النفس، حتى عند من يتذلل المتذلل عنده، فقد طبعت النفوس على تقدير من يقدّر نفسه بلا كبر ولا تعالٍ.

لكل من رضي لنفسه الإهانة، وظن أن ذلك هو طريق الوصول إلى الأهداف، أذكر قصة من تاريخنا العظيم ورجالنا العظام ذكرها عبدالحميد بن باديس في آثار ابن باديس تقول: حكى أبو حامد الأسفرايني الفقيه الشافعي، قال: كنت يوماً عند فخر الملك أبي غالب وزير بهاء الدولة، فدخل عليه الرضي أبو الحسن فأعظمه وأجله، ورفع من منزلته وأقبل عليه يحادثه إلى أن أنصرف، ثم دخل بعد ذلك المرتضى أبو القاسم فلم يعظمه وتشاغل عنه برقاع يقرؤها وتوقيعات يوقع بها فجلس قليلاً، وسأله أمراً فقضاه ثم انصرف.

قال أبو حامد: فتقدمت إليه، وقلت: أصلح الله الوزير، هذا المرتضى هو الفقيه المتكلم صاحب الفنون، وهو الأمثل والأفضل منهما، وإنما أبو الحسن شاعر، قال فقال لي: إذا انصرف الناس أجبتك عن هذه المسألة، فلما انفض المجلس قال لخادم له: هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيام، فأحضرهما فقال: هذا كتاب الرضي، اتصل بي أنه قد ولد له ولد فنفذت إليه ألف دينار، وقلت هذه للقابلة، فردها وكتب إلي هذا الكتاب فاقرأه.

قال أبو حامد: فقرأته، فإذا هو اعتذار عن الرد ومن جملته: «إننا أهل بيت لا يطلع على أحوالنا قابلة غريبة، وإنما عجائزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا، ولسن ممن يأخذن أجرة ولا يقبلن صلة».

قال الوزير: فهذا هذا، وأما المرتضى فإننا كنا قد وزعنا وقسطنا على الأملاك ببادوريا «بالجانب الغربي من بغداد»، فأصاب ملكاً له من التقسيط عشرون درهمًا ثمنها دينار واحد، وقد كتب إليَّ هذا الكتاب، فاقرأه.

قال أبو حامد: فقرأته فإذا هو أكثر من مائة سطر يتضمن من الخضوع والخشوع والطلب والسؤال في إسقاط هذه الدراهم عن أملاكه المشار إليها.

قال الوزير فخر الملك: فأيهما ترى أولى بالتعظيم والتبجيل، هذا العالم المتكلم الفقيه الأوحد ونفسه هذه النفس أم ذلك الذي لم يشهر إلا بالشعر خاصة ونفسه تلك النفس؟

هذه رسالة لمن يخضعون ويطلبون ما ينزل قدرهم لا يرفعه، ارفع نفسك.

——————————-

بقلم أ. د. شلاش الضبعان

المصدر : صحيفة اليوم

 https://www.alyaum.com/articles/6447718/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9/%D9%84%D9%85%D9%86-%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%BA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%B1

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم