السبت 04 مايو 2024 / 25-شوال-1445

قريبا يطلُّ.. فكيف ستستقبله؟



قريبا ـ بإذن الله تعالى ـ يطلُّ الشذا العبق بعَرف الإيمان، والنور المشعُّ بشمس القرآن، يستضيفنا في بحبوحة من الحياة العذبة ثلاثين ليلة، ما أنداها، وما أحوج نفوسنا المـُتعبة إلى ظلالها، علَّها تجد فرصة أن تقيل، فقد أضنتْها رمضاء الهواجر، ونغَّصت نعمَها أخبار البوادي والحواضر.

ولكن.. كيف ستستقبل (رمضان)، وكيف ستلقي روحك بين ذراعيه الحانيتين، وأنت هكذا، شعثُ الروح، شارد اللب، بارد المشاعر؟
دعوني أسأل ذلك الرجل الشارد عن الحق والحقيقة فأقول له: هل تهيأتَ لرمضان قلبا وجسدا؟ أم أنَّ روائحَ الحقد المعتَّق لم تزل تُزكم أنفك، ونتنَ اللحوم التي ابتلعتها في مجالساتك لم تزل تسدُّ منافذ نَفَسِك؛ فلم تعد تستطيع أن تفرق بين الروائح؛ طيبها وخبيثها، فتظن أنك بالفعل تستحقُّ لقيا الحبيب العائد بعد غياب، الذي قد يحتضنك احتضان الـمُضيف الكريم كرم السحاب، ويشمُّك كما تشمُّ الأمُّ قَطفةَ روحها بعد بِعاد وعذاب؟!

صدقني .. لن يُحسَّ مُضيفك بالسرور ـ مهما تجملت له ـ إلا إذا رآك كما يحبُّ ويهوى، ولا يسره أن يرى منك اختلافا كثيرا عما يحب أن تكون عليه، فهلا أكرمته بنقاء قلبك، وسلامة صدرك، وقد اغتسلت من أدران حسد الأقرباء، والانتقام ممن صنفتهم أعداء، فـ(رمضان) نهر الإيمان الذي يتعهد شجرة (التقوى) في قلبك، تلك التي وُلدتَ بها من أبوين مؤمنين، لتنمو تلك الشجرة المباركة في مساجده العامرة بعُمارها الأطهار، وصلواته المتتابعة على الروح تتابع الغيث الهتان على الأرض الظمأى.

لقد فَزعتُ حين رأيتك تشفي غليلك في جار وقريب، ولم تزل تلوك مضغة زلَّةٍ لصديق وشقيق، فاحذر  أن تتخطى ليلة النصف من شعبان ولم تحرك في فؤادك عرقا، ولم تُحدث في حياتك فرقا، ومثلك ـ في نظري ـ يسعى للمعروف رغبة وحبا، فكم أطعمت من جائع، وكم أسعدت من محزون، فكيف تظلل شجرتُك الأبعدين، وتضرمُ أغصانها حطبا للأقربين؟!

(رمضان) على أبواب نفسك، يطرق نوافذها، بعد أن رأى أبوابها موصدة، هيا لملم بقايا النزوات، وما مرض من الرغبات، وألقها في سلة المهملات، فإن روائح الجمال الذي يقبع في داخلك ستتمرد على أغلال الذكريات العالقة في أسقف حياتك؛ كما تعلق الخفافيش، وهي تنتظر تسلل الظلام إلى عالمك؛ لتفرد أجنحتها، بل وتُخرجُ حتى صغارَها من حجُورها؛ لتحيل ليلك براكين هائجة مائجة بالأحزان المنكدة، والتوترات الممرضة، وليس ثمَّة بين صدغيك إلا حربٌ ضروس، تدور رحاها بينك وبينك، فمن تهاجمه لا يسمعك، ومن تتوعده ربما غسل أدران تلاحيه معك، ومن تضغط على أضراسك لتمزقه قد نساك، أو تناساك، ومن يدري، فربما أنت مضطجع على صفيح الغيظ تحرق بأنفاسك من هم حَواليك، وهو قائم بين يدي ربه يدعو عليك، فانظر إذا كنت قد ظلمتَه وأنت تتوهم أنك مظلومُه، فتحلل منه، قبل أن يكون ثمن ذلك كل ما جمعته ليوم معادك.

الصفح لغة الأقوياء، وبُلغة السعداء، ومضاجعة الهموم أخت الموت الزؤام، بل ربما كان الردى أرحم من الغمِّ نفَسا، وأرقَّ قلبا، فأشفق على نفسك، فإن فاتتك ليلة شعبان لأي سبب قد مرّ، فلا تفتْك ليلة هي خيرٌ من ألف شهر. قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما كنا نجرؤ أن نستقبل رمضان وفي قلب أحدنا حقد على أخيه المسلم”.

وإنها لفرصة أخرى ثمينة للمصلحين أن يمدوا أيديهم إلى إخوانهم المتشاحنين، ليصلحوا ذات بينهم، ويوجهوهم إلى ساحل السعادة الأخوية، والمغفرة الربانية، ويحذرونهم من مغبة البقاء على العداء، وأن ذلك سبيل إلى بقاء الذنوب على الظهور، ويذكرونهم بالزهد في المصالح الدنيوية التي في الغالب سبب العدواة والبغضاء. فلنكن كما يحب الله تعالى، ولنسر على طريق الصفاء، فإنه نتيجته المغفرة والنصر.

بقلم د.خالد بن سعود الحليبي
* المشرف العام على موقع المستشار

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم