الأحد 19 مايو 2024 / 11-ذو القعدة-1445

فجوة تقدير الذات بسبب التقنية



 

جميلة هي التقنية، وسريعة في اختصاراتها، فالحمد لله الذي رزقنا إياها، وعلمنا ما لم نعلم. العلوم التقنية أو العالم الرقمي أصبح ينافس في أهميته الأكسجين الذي نستنشقه. ولكن بالرغم من جمال التقنية وأهميتها إلا أن من ضمن سلبياتها أنها قضت على الذات الإنسانية. ولاحظت أثناء خوضي في مجال الاستشارات العامة أن البعض يعاني انعدام الثقة بالنفس أو عدم القدرة على الانخراط ومواجهة المجتمع؛ ما دفعني للبحث عن حلول تساعد الإنسان في العصر التقني أن يحافظ على هويته البشرية لأنها الأصل.

مسار التعليم العام والجامعي منذ القِدَم كان يساعد الإنسان على صقل وبناء ذاته، ولكن ما يحدث اليوم بوجود السرعة العلمية والمعرفية عن طريق التقنية قد جعل التعليم يأخذ مسارًا مختلفًا. توافر المعلومات والدورات والبرامج الوثائقية في العالم التقني يعادل المناهج والمحاضرات التي تطرح في المنظومات التعليمية بشكل أو بآخر. لذلك اجتهد البعض في اتخاذ مسار إيجابي لتطوير ذاته دون أن يتأثر بسلبيات التقنية، وفِي المقابل قد تأثر البعض أثناء مسيرتهم التقنية عن طريق فقدانهم الهوية البشرية (الذات).

اجتهدت المنظمات الحكومية كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية على دعم المختصين بتقديم دورات لتطوير الذات وتحفيزها. ومن هذا المنطلق أتمنى أن يتم تكثيف الدورات والمحاضرات التي تعنى بكيفية تقدير الذات وإعادة هويتها عن طريق وزارة التعليم والصحة بالتعاون مع وزارة العمل. وذلك لأن الكثير من أفراد المجتمع في حاجة لها أكثر من حاجتهم للشهادات التعليمية. فالوطن يسعى لنهضة الفرد بذاته أولًا وعقله ثانيًا لبناء المجتمع والوطن. فَلَو اجتهدت وزارة التعليم في طرح مناهج مخصصة ذات محتوى يُعنى بالذات الإنسانية وكيفية تطويرها فسيستفيد الكثير من أبناء الوطن من ذلك، وبالأخص الأطفال الذين تعلقوا بالعالم التقني أكثر من الكبار، وهذا مؤشر بالرغم من أهميته إلا أن سلبياته كثيرة، وعلى التعليم تسليط الضوء على هذه الظاهرة. ولو اطلعنا على الأحداث العالمية التي تطرح قضايا انحراف سلوكيات البعض لاستطعنا أن نستنتج أن للعالم التقني الأثر الكبير في تلك الانحرافات. فالعزلة والوحدة وعدم الانخراط مع المجتمع بسبب الرهاب الاجتماعي أو عدم القدرة على المناقشة المباشرة والتخوف منها قد جعلت البعض يجهل معنى تقدير الذات لتبدأ المشاكل السلوكية والفكرية مع المحيط. لذلك أتمنى من تلك المنظومات المذكورة أن يكون دورها مكثفًا في طرح الدورات التدريبية بتوثيق من الوزارات المذكورة دون مقابل مادي. فاشتراط المادة لحضور هذه الدورات المهمة يعتبر عقبة في تهيئة الفرد لمواكبة رؤية ٢٠٣٠ بشكل شخصي وذاتي واجتماعي.

—————————

* بقلم د. نورة عبدالله الهديب

* صحيفة اليوم

 

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم