الجمعة 17 مايو 2024 / 09-ذو القعدة-1445

غيابك غربني!



نتيجة بحث الصور عن خالد الحليبي

 حين أحاول أن أحدد مشكلة واحدة من عشرين مشكلة هي الأكثر انتشاراً في أسرنا، فسوف أتجه مباشرة إلى (الغياب) الذي أدى إلى (الاغتراب)، غياب الابن الحبيب، والعائل الأب، ورفيق الحياة الزوج، غياب الحضور وحضور الغياب، لا فرق، فالمؤدى واحد، هو اغتراب الأم والولد والزوجة وهم يعيشون في (البيت)، ولا أسوأ من الشعور بالغربة في أكثر الأماكن وطناً بالنسبة للإنسان!!

حديقة معطلة، لم تكن طيورها صامتة، بل كانت تعجُّ بالنداءات حتى بُحّت الأصوات: ولدي: منذ أيام أترقب طلتك، صوتك، حسَّك، دفَّ نعليك على عتبة داري، ألِفتُ أعذارك، وبحثت لك عن غيرها لأهدهد بها فؤادي المشتاق إليك، فهل لأمك من وقتك مثل ما لغيرها منك؟!.

أبي أحبك، فهل تحبني؟ هل هناك أب لا يحب أولاده؟! لكنك لم تخبر أولادك مرة واحدة بأنك تحبهم، جلافة وجفاف وقسوة تسميها اعتباطا: (التربية الحازمة)، ابتسامتُك لا تشرق إلا إذا التفتّ إلى غيرهم، تقبل أطفال الآخرين أكثر منهم، طلباتهم مُرجأة دائما، وطلبات غيرهم حاضرة!! الله.. ما أغلظك!!.ثم تقول: ما بال ولدي ضلّ، أو عقَّ، أو فشل، أو انحرف!

وماذا عن تلكم الزوجة المنتظرة منذ أمد! تتلقى صدّك بالصبر، وتماديك في الانشغال عنها بكل شيء سواها بالانتظار الممرض، تتلفتُّ يمنة ويسرة علها تجد من يدلها على ما يستعيد نظراتك الغائصة في بحر اهتماماتك مهما كانت جليلة ومهمة، كم مرة تعرضَّتْ لك بزينتها التي جمعت لقطاتها من كل معرض ومتجر، لترسم بها لوحة تظن أنها قادرة على اجتذاب لمحة من لمحاتك، تعبتْ وهي تركض وراء ألفاظك المتشققة تصحرا، علها تعثر على بقايا نداوة تركتها على شفتك قبلةُ أمك في مهدك. قل لها: أحبُّك، قبل أن يتحول الظمأ الأنثوي إلى طوفان تكون فيه أنت سيد الغارقين، احتضنها قبل أن تحتضن جسدَها العفيف أمراضٌ واضطرابات مزمنة أنت فيروسُها المتفنن، جالسها بشغف، عش حياتك معها براحة بال، ابحث عن كل ما يسعدُها، قبل أن يأتي اليوم الذي تقول هي فيه: «رحمه الله، رحل وما شبعت من نظراته، ولا ارتويتُ من مجالساته، رحل قبل أن أبدأ حياتي معه»، أو قبل أن تقول أنت.. بل تقول عبراتك قبل أن تقول حرفا واحدا؛ لأن فجيعة الرجل أشد وأنكى.
بعض الرجال لا يريدون أن يستيقظوا؛ لأن الحياة التي يعيشونها- بعيدا عن الأسرة- تُشبع لديهم حاجة (التقدير) الذي قد تفشل المرأة في توفيره للرجل كما يناسبه أو بما يكفيه، وكان ينبغي عليه ألا يسترسل في الركض خلف الطُّعم، فإن المآل مخيف جدا، فالدنيا ليست كلها أموالا، ولا جاها، ولا متعة. «وليسعك بيتُك»

المتعة الحقيقية هناك، في أسرتك، أما الذين يأكلون وقتك في خارج دارك، فإنهم يعتدون على حقوق أقرب الناس إليك، وأحقهم بك، ثم ينصرفون من حياتك، وحين تعود إلى من انتظروك كثيراً، ربما لا تراهم.. لأنهم رحلوا.. ولا تسأل كيف كان الرحيل!!

http://www.alyaum.com/article/4182885

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم