الأحد 28 أبريل 2024 / 19-شوال-1445

عندما تبتعد المرأة عن طلب العلم!



للتعليم فى الإسلام منزلة فريدة، ولا يتصور أن هناك إنسانا على وجه الأرض يُرجى منه خير وهو غير معلم أو متعلم .. ولقد تحددت معالم هذا الدين، باعتمادها على التربية والتعليم : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) سورة العلق : 1-5، والمتعلم العامل بعلمه فى نظر الإسلام ليس كالجاهل ولو كان عابدا قال تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة الزمر : 9.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” طلب العلم فريضة على كل مسلم ” أخرجه ابن ماجه.

 

وقال النبى الهادى محمد صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح : ” إنما النساء شقائق الرجال” رواه أحمد وأبو داود والترمذى .. ومن هنا يتبادر للذهن السؤال التالى: هل التعليم والتعلم حق المرأة كما هو حق للرجال؟ .

 

الدكتور ربيع خليفة أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر يقول: ذكر الله تعالى فى مواضع متعددة من القرآن الكريم أنه أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم فى الأميين ليخرجهم من الأمية فيتلو عليهم آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ،ومدح سبحانه وتعالى العلم فى مواضع متعددة من كتابه الحكيم ومدحه النبى صلى الله عليه وسلم فى أحاديث كثيرة .. وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على تعلم الكتابة .. وقد أمر الله بها فى آية (الدَيْنٍ) من سورة “البقرة” فى قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْل ….)(البقرة: 282) .

 

وقد ثبت من عدة طرق أن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية العدوية علّمت “حفصة ” بنت عمر رضى الله عنها الكتابة.. والحديث إسناده صحيح كما يقول الشيخ ناصر الألبانى .

 

وقد أجمع المسلمون على أن كل ما فرضه الله تعالى على عباده وكل ما ندبهم إليه فالرجال والنساء فيه سواء إلا ما استثنى مما هو خاص بالنساء لأنوثتهن فى الطهارة والولادة والحضانة وما رفع عنهن من القتال وغير ذلك مما هو معروف .

 

وقد بلغ من عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم النساء وتربيتهن أن ذكر فيمن يؤتيهم الله أجرهم مرتين يوم القيامة .. أى مضاعفا قوله صلى الله عليه وسلم : ” أيما رجل كانت عنده وليدة ـ جارية ـ فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ” ـ متفق عليه .

هنا قرن صلى الله عليه وسلم ثواب التعليم والتأديب بثواب العتق الذى كان يرغب فيه كثيرا فوق ما شرعه الله تعالى فيه من أسباب تحريره وعتقه ثم إن حديث ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) باتفاق علماء المسلمين وإن لم يرد فيه لفظ ( مسلمة ) .. وقد صحح فى ” الجامع الصغير ” بعض طرقه وأما متنه فصحيح بالإجماع.

وأشار الدكتور خليفة إلى اشتراك النساء مع الرجال فى اقتباس العلم بهداية الإسلام فكان منهن روايات للأحاديث النبوية يرويها عنهن الرجال ..

 

مما سبق يتضح لنا أن حق التعليم والتعلم أمر يتساوى فيه الرجال والنساء.. لماذا؟

 

لأن العلم يجعل لصاحبه مكانة عالية إذا ما نفع بعلمه .. ولا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون كما فى قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9) .

ومن ثم فقد كان منطقيا أن يمثل العلم فى نظر الإسلام أساس القيم التى يجب على الإنسان أن يحيا بها .. لأن الإنسان لا يستطيع أن يمارس الصواب ويبتعد عن الخطأ إلا إذا كان لديه العلم الذى يتبين به الرشد من الغى .

ولقد بلغت أهمية العلم درجة جعلته شرطا محوريا ووحيدا فى فهم آيات الله القرآنية حيث يقول الحق تبارك وتعالى :

 

ـ (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون) (العنكبوت : 43) .

ـ (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأنعام : 97) .

ـ (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون) (الأنعام : 98) .

 

وقال صلى الله عليه وسلم : ” من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما صنع ) رواه أبو داود والترمذى.

والعلم بمفهومه الواسع الشامل فى الإسلام واجب على كل مسلم ومسلمة فلا يفرق الإسلام بينهما فى ذلك الحق.

وإذا كان الإسلام يعطى المرأة هذا الحق فهو لا يعطيه للحرة فحسب بل يعطيه أيضا للأمة كما فى الحديث الذى ذكرناه آنفا.

 

“أيما رجل كانت عنده وليدة ـ جارية ـ فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ” رواه البخارى ومسلم.

 

ومن المعروف بالآثار أن النساء كن يحتشدن فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمعن العلم ويتفقهن فى الدين وللصلاة خلف النبى صلى الله عليه وسلم.

 

وذكر البلاذرى فى ” فتوح البلدان ” نساء مسلمات تعلمن القراءة والكتابة يبلغ عدد المعروف منهن نصف عدد المعروف من الرجال و الكتّاب.. وعن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية قالت : ” دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لى: ألا تعلّمين هذه رقية النملة (تحسين الخط ) كما علمتيها الكتابة ” رواه مسلم وأبو داود.

 

وكانت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، وأم سلمة أم المؤمنين رضى الله عنهاـ كما ذكر الواقدىـ يقرآن وإن لم تكتسبا مهارة الكتابة .. وأم الدرداء الفقيهة العالمة التى وصفها النووى بقوله ” اتفقوا على وصفها بالفقه والعقل والفهم “.

كما ذكر النووى فى كتابه ( تهذيب الأسماء ) أسماء لبعض النساء العالمات اللائى تولين رسالة نشر العلم وتعليمه..

وذكر ابن خلكان أن الإمام الشافعى كان يحضر مجالس العلم للسيدة نفيسة وسمع عليها فيه الحديث .. وذكر أبو حيان من أساتذته ثلاثا من النساء هن:

 

ـ مؤنسة الأيوبية بنت الملك العادل أخى صلاح الدين الأيوبى.

ـ وشامية التيمية.

ـ وزينب بنت المؤرخ الرحالة عبد اللطيف البغدادى صاحب كتاب الإفادة والاعتبار.

 

ويروى لنا التاريخ الإسلامى أسماء كثيرة لنساء كان لهن باع فى العلم والتعليم.. ولعل اهتمام المؤرخين بتسجيل تلك الأسماء لمؤشر صادق على تقديرهم لهن واعتبار جهودهن فى هذا المجال جديرة بالتسجيل والتأريخ .. ومن ثم فليس من المتصور أن تضيع جهود هؤلاء الأعلام من النساء الصالحات سدى .. وإنما تركت آثارها الطيبة على كل من أخذ عنهن وسمع لهن.

 

وأكد الدكتور ربيع خليفة أن المرأة على مدار التاريخ كانت العلامة الواضحة على تقديم ورقى مجتمع ما .. أو تخلفه وضياعه .. وكان ذلك واضحا جليا فى جيل نساء عهد النبى صلى الله عليه وسلم .. ولم يكن ذلك فى المقام الأول إلا بصلاح النواة الحقيقية للأسرة .. وهى المرأة.

 

وعندما بدأت الأمة الإسلامية تبتعد بالمرأة عن ارتياد مجالات العلم الشرعى خاصة بدأت آثار ذلك سلبيا على كل خلايا المجتمع من أزواج وبنين وبنات حتى وصل الأمر إلى ما نراه اليوم فى تلك الصورة القاتمة لأحوال الأسر بانطفاء نورها ببعد المرأة عن نور العلم وثماره العظيمة. وعندما تكون الأم ـ وهى المدرسة الأولى للأبناء ـ عندما تكون صالحة بالعلم والإيمان المتلازمين فى أغلب الأحوال .. فإن ثمار ذلك نراه فى صلاح الأسرة كلها.. ذلك أن أعداء ديننا لم ينجحوا فى محاربتنا وإفساد الكثير من جوانب حياة أسرنا ـ إلا عندما تمكنوا من الوصول إلى فكر وعقل المرأة المسلمة بما يبثونه لها من فكر فاسد وآراء ضالة.. ويوم ننجح فى إعادة المرأة المسلمة إلى وضعها الصحيح بتسليحها بالعلم سواء الشرعى خاصة وغير الشرعى .. فإننا بذلك نكون قد استطعنا أن نغلق منافذ الخطر على مجتمعاتنا المسلمة.

 

ولعل ما ذكرناه من نماذج مضيئة من نساء عالمات لخير دليل على إمكان إصلاح ما أفسده هؤلاء الذين يحاربون الإسلام الذى فيه الأمن والأمان للمجتمعات كلها .. رجالها .. ونسائها .. وأبنائها. ألا فَلْنُعِدْ نظرتنا فى تعليم المرأة تعليما صحيحا تعرف به ربها على الصحيح وأمر دينها .. وما لها .. وما عليها .. لتنير به الطريق لأسرتها ولمجتمعها المسلم بعد ذلك .. فى معاهد علم خاصة بها بعيدا عن التعليم المختلط ـ الذى كان وبالا على أجيال أمتنا الإسلامية من بنين وبنات.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم