السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

شبابنا ودافعية التعلم



أيام معدودات ويتجه ملايين من طلابنا وطالباتنا في المدارس والجامعات إلى مقاعد الاختبارات النهائية للفصل الدراسي الأول 1434-1435هـ، وإذا استطلعت أحوال الكثير منهم تشعر وكأن الباعث الأساسي للتعلم هو اجتياز الاختبارات، مع أنها ليست سوى مؤشر على مستوى التحصيل خلال الفصل الدراسي، وهنا نتساءل عن غياب الدوافع الحقيقية للتعلم من قبل الكثير من شبابنا وانحصارها في الامتحانات.

إن الحديث عن دافعية التعلم واهتمام شبابنا به هو حديث عن المستقبل الذي نأمله لمجتمعنا، وإذا أردنا أن نعرف مستقبلنا القريب فلننظر إلى شبابنا اليوم، وهي نظرة يحدوها الأمل من جانب ويراودها الحذر من جانب آخر، الأمل في أن يدرك الشباب مسئوليتهم عن دفع عجلة التنمية المجتمعية إلى الأمام من خلال الشغف بالتعلم واكتساب المهارات والقيم في المدرسة والجامعة، والحذر من خطر ضعف اهتمام الكثير منهم بتعلمهم كما تظهر السلوكيات التي تتمثل في التأخر الدراسي والهروب أوقات الفسح ومشكلة السلوك والغياب والتأخر الصباحي والعزوف عن الاستذكار والفرحة العارمة بإعلان (تعليق الدراسة) عند هطول الأمطار .
فيا شبابنا، أنتم من لديكم مفتاح النهوض والتغيير الهادف، شرط أن تمتلكوا الدافعية الذاتية بمكوناتها الأربعة (الإنجاز والطموح والحماسة والإصرار على تحقيق الأهداف والمثابرة)، فهي مصدر طاقاتكم الزاخرة والأساس الذي يُعتمد عليه في تكوين العادات والميول والممارسات والمهارات الحياتية التي تجعل لكم أثرا وقيمة حيث وُجدتم.

ودعوني أسوق لكم مثالا من أجمل الأمثلة على دافعية التعلم عند شباب الصحابة، وهو ما يحكيه ابن عباس رضي الله عنه عن قصة تعلمه -وكان عمره في ذلك الوقت لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة- قال: (لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل من الأنصار:(يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم اليوم كثير، فقال الأنصاري: واعجباً لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من ترى؟ فتركته، وأقبلت على المسألة فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل(نائم وقت القيلولة)، فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟! فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث قال: فبقى الرجل الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس علي فقال: كان هذا الفتى أعقل مني)، وهكذا أعد ابن عباس رضي الله عنه نفسه لمستقبل يحتاج الناس إلى علمه.

أعرف أنكم بحاجة إلى بيئة تعليمية مواتية ومشجعة: معلم مؤهل، مناهج فعالة، تجهيزات حديثة، بيت هادئ….لكن كل ذلك لا يغني عن دورك المحوري في تعلمك.. الأمر ليس سهلا فمعركة التنمية تتطلب جنودا بواسل و «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع» كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
هل سمعتم بالمليارات التي خصصت لتوفير أفضل الفرص لتعلمكم؛ من الميزانية العامة للعام 2013 على التعليم، لقد رصدت الدولة مبلغ 54 مليار دولار. وبهذا تتصدر المملكة قطاع التعليم في منطقة الشرق الأوسط من خلال إنفاقها 5.6 بالمائة من ناتجها المحلي الاجمالي على التعليم، وهي نسبة أعلى من المعدل العالمي، والذي يصل الى 4.4 بالمائة ومعدل دول أميركا الشمالية الذي يبلغ 5.1 بالمائة.
لكن عائد هذا الإنفاق لن تظهر نتائجه إلا بالقدر الذي نأمله من اهتمام جاد بالتعلم، من قبل أطراف العملية التعليمية، وأنتم في مقدمة تلك الأطراف.

وأبشروا فطريق التعلم هو نفسه الطريق إلى الجنة، فمن كلام النبوة: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع» في صحيح الجامع6297. 
فهيا على بركة الله استعينوا بتوفيقه، واحرصوا على استثمار أوقاتكم في الاستعداد الذي يمكنكم من أداء متميز وطموح والله معكم.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم