الجمعة 10 مايو 2024 / 02-ذو القعدة-1445

رُخصة قِيادَة العرَبِيَّة!



لَوْ لم يُعْلِنْ ذاك الشابُّ في مداخَلَتِه – بالمؤتمر الدولي السادس للغة العربية الذي انعقد في دُبي، مايو 2017م- أنَّه رُوسِيٌّ لَحَسِبْتُه عَرَبِيَّا. كانَ أكْثَرَ غَيْرَةً على العَرَبِيَّةِ مِنْ كَثيرٍ مِنَ العَرَبِ. أوجَعَنِي كَثيرًا، وأوجَعَ كُلَّ مهمومٍ بِلُغَتِه، حينَ قال:” إنَّني أُعَلِّمُ طلابي العربيَّةَ في روسيا، وحين يُسافِرونَ إلى البلادِ العربِيَّة لا يَجِدُون العربِيَّةَ التي تعلموها، بل يجدون هجينًا لُغويًا، أو يجدونَ لُغاتٍ أجنبيَّة ليسَ مِنْ بَيْنِها العربِيَّة للأسَفِ”.

كان حُزْنُه صادِقًا، وعَبَّرتْ كلماتُه – التي اقْتَنَصَتْ تَصفيقًا حارًا- عَنْ كثيرٍ من الإجرامِ الذي نرتَكِبُه في حقِّ لغتنا التي لم نَبذْل لها النُّصْرَة الحقيقةَ بها- وإن تَكفَّلَ الله بِحِفْظِها – فلماذا نَخذُل لُغَتَنا تَحدُّثُا وكِتابَةً؟!

اُنظروا إلى لافتات المحالّ التي تغصّ بها شوارِعُنا، في معظم بلادنا العربيّة، أغلبُها أجنبيةَ اللفظ والمعنى، فأينَ تطبيقُ القوانين التي تفرضُ أن يكون للعربيَّةِ حضورٌ في تلك اللافتات، وألا تُكتَبَ بحجم أقلّ من حجم نظيرتها الأجنبيَّة؟ ولمَ لا تفرض الدولة غراماتٍ على المخالفين، ضمانًا لتحقيق الأمن اللغويّ والسلامة؟

لمَ لا تضع الدولة شرطًا بالحصول على “رخصة لغويَّة معتمدة” لأولئكَ المشتغلين بالإعلامِ؟ فيجنّبنا ذلك كثيرًا من “العاهات” غير المُؤهّلة، التي تؤثِّر سلبًا على النشء خاصةً، والمستمعين والمشاهدين عامة، بإفسادِ الذائقةِ اللغويَّة، فلا تنتجُ ألسنتهم تركيبًا سليمًا، ولا تُقيمُ حناجرهم مخرجًا صحيحًا للحرف العربي أو صِفَة.

إنَّ الجنسية العربِيَّةَ ينبغي ألا يتمتَّع بها إلا مَنْ يحرص على لُغَتِه ويحتَرِم قواعدها، وقد أحَسن مصطفى صادِق الرافعي حين قال : “إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة إلى العربية، فلا يزال أهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو حكماً”.

فإذا كانتْ مخالفة قواعد المرور توجبُ على مرتَكِبها العُقوبة، بل تُضيفُ إليه نِقاطًا سُودًا إنْ تكاثرتْ وزادتْ عن الحَدِّ المسموح به، تُنْزَع مِنه رُخصة القِيادة، فإنَّه من الأحْرَى أن يُحاسَبَ أهل العرَبِيَّة- خاصةً من هم في مواقع التأثير العام- على استعمالاتِهم اللغويَّة الخاطئة، وعلى جرائمهم في حقِّ قواعِدها، وأنْ تُضافَ لأولئكَ الجانحين نِقاطٌ سُودٌ تحذيريَّة، إن تَعاظَمتْ، تُنْزَع مِنه الجِنسيَّة اللغويَّةُ العربِيَّة!

إنني أدعو ولاة أمرنا، وعلماء اللغة الشريفة وسَدَنَتِها إلى اِبتداعِ عقوبة ” الجُنحة اللُّغويَّة المباشرة” وتفعيلها بمحاكمةِ مرتكبيها، وإعادة تأهيلهم في ” إصلاحيَّة لُغويَّة” إنْ رغبوا في ممارسة شأنٍ عام يتعلَّق بالأداء اللغوي.

وما أحرَى أن تُكافِئ العربيةُ مثل هذا الرُّوسِيّ موطنًا، بمنح جنسيتها له، فقد كان بارًّا بالعربِيَّة أكثر من بعضِ أهلها.
أيُّها السادة المسؤولون عن السياسة اللغوية والتخطيطِ اللغوي في بلادِنا، كما يُحتَفَلُ بِرُخصةِ قيادةِ السيارة، هلا احتفلتُم بِرُخْصَةِ قِيادَةِ العَرَبِيَّة؟!

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم