السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

ربح البيع .. يا دكتور



كثيرون يملكون المال، ولكنَّ قليلا منهم أولئك الذين يغزلون المال وساما خالدا، يشع بالضياء على صدورهم حتى بعد أن يلقوا ربهم.
كل الناس يعيشون، ولكنَّ قليلا منهم من يمتلكون مهارة الامتداد بعد الوفاة.
لقد غادر معالي الدكتور محمد بن حسن الجبر ـ رحمه الله تعالى ـ دنياه، تاركا وراءه سيرة حسنة، ومسيرة علمية رائدة، تخطى فيها حدود الإمكانات المتوفرة من حوله، وتغرب في طلب المجد حتى ناله.

خدم وطنه في مهمات كبرى، وترك بصمة في جامعته الكبرى جامعة الملك سعود، حين أنشأ كلية الحقوق، ثم انتقل وكيلا لوزارة التجارة، وتنقل بين المناصب التي لم تكن تزيده إلا فرصا جديدة لخدمة بلاده التي تستحق الوفاء والعطاء، حتى ختم حياته برئاسته لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ليلتفت إلى ما أنعم الله به عليه من مال فيدخره عنده، فجعل ثلثه لجمعيات البر بالمملكة العربية السعودية، وثلثه كثير ولله الفضل والحمد، وقد استفادت منه: 188 جمعية، وأوقف أموالا أخرى على بناء المساجد وخدمتها، راجيا ما عند الله تعالى.

وبالأمس القريب وقع صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود محافظ الأحساء، ورئيس مجلس إدارة جمعية البر بالأحساء ـ مع نظار أوقاف معاليه ـ اتفاقية بناء مجمع لمركز التنمية الأسرية بالأحساء، ومعهديه العاليين، ومرفق تجاري ينفق ريعه على هذه المرافق، بإذن الله تعالى وتوفيقه.
ليحمل المجمع الخيري اسم الفقيد تخليدا لذكراه الطيبة، ووفاء له على بذله أمواله في البر والمعروف.
فكم أسرة سيلم شملها بعد تفرق. وكم شاب جانح سيؤول إلى أبويه بعد عقوق. وكم مهموم سينفس همه بعد عذاب. وكم مكروب سيفرج كربه بعد شدة. وكم أسرة جديدة ستبنى على أسس قوية متينة. وكم كتاب يحمل هدي المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تعامله مع أهله سيقرؤها ملايين الناس. وكم برنامج سيبث على الأثير أو على الفضاء يسهم في بناء الإنسان والأوطان. وكم درس في مسجد. وكم محاضرة في سجن. وكم لقاء في مدرسة. وكم ملتقى في جامعة. وكم .. وكم .. من الأجر الذي سيسجل في سجل حسناته وهو في أحضان قبره، يأتيه من روحها وريحانها بكرم الله تعالى وفضله.

هذا ما أرجوه له، وما أحسبه من نيته والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، وقد اختار الله له هذا القطاع الضروري ليكون هو من يبنيه ويعليه وهو غائب عن الدنيا وما فيها، وقد تفضل الله على هذا المركز أن ينال هذا الفضل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
والشيء من معدنه لا يستغرب، فقد تأسى الفقيد بوالده (الشيخ حسن الجبر) الذي أوقف ماله كله لله تعالى، بل إن أسرة (الجبر) وعددا من الأسر الكريمة في أحساء الخير، قد آلت على نفسها أن تعطي مما أعطاها الله، وأن تقدم لدينها ما هو جدير به، ولوطنها بعض ما يستحقه، وأن تقتفي أثر الكرماء من أولياء الأمور ورجال الأعمال في بلادنا، الذين أقاموا المؤسسات المانحة؛ لتكون سندا للعمل الخيري، هذا القطاع الذي يقف جنبا إلى جنب مع القطاع الحكومي؛ لسد ضرورات الحياة واحتياجاتها.

والمتأمل من مركز التنمية الأسرية بالأحساء أن يزداد عطاؤه لبلاده وأهله، بعون الله تعالى وفضله، في ظل رعاية كريمة من أولياء الأمور، الذين يحثون على بذل المعروف، ويسبقون إلى بذله، ويقدرون من يسهم فيه.
ومضة/ في عزائه لأسرته قال سمو الأمير سلطان ـ رحمه الله ـ لقد فقدنا أخا وولدا ومسؤولا.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم