الأربعاء 22 مايو 2024 / 14-ذو القعدة-1445

الوراثة الإنجابية



د. أيمن رمضان زهران

تحدثت في مقال سابق ومنذ فترة عن موضوع شائك ومهم في وجهة نظري آنذاك ألا وهو الإرشاد الوراثي أو الإرشاد الجيني كما يطلق عليه أحيانا، وكنت قد توقفت عن التفكير عنه صراحة، والحقيقة وقتها اقترحت على نفسي أن يكون هذا الموضوع فكرة بحثية شيقة وبدأت فيها بالفعل، حتى اتصل بي طالب بجامعة الملك سعود يود الاستفادة من هذا الموضوع كان قد قرأ مقالتي عبر الويب ووجدت تحمسه للفكرة واقترحت عليه بعض الأفكار مساعدة له، وتمهلت في بحثي كون الباحث يود البدء في نفس الفكرة وأمددته بالمعلومات التي لدي كي أفيده، ولا أدري هل استكمل الطالب بحثه أم توقف، إلا أنني فوجئت بطالبة مجتهدة أخرى بجامعة سعودية تراسلني على ميلي كانت قد قرأت مقالتي وتحمست للفكرة أيضا فقمت بإمدادها ببعض المعلومات أيضا، والحقيقة لمست في هذه الطالبة الجد والاجتهاد والبحث الدؤوب عن الحقيقة، وبالفعل أقدمت على التسجيل لدرجة الماجستير في هذه النقطة البحثية وأدعو لها بالتوفيق.

 


أقدم هذه المقدمة الطويلة لأني بالفعل تحمست مرة أخرى للكتابة عن نفس الموضوع مرة أخرى لكن من زاوية أخرى، حيث تحمست أنا والطالبة وبحثت معها، حتى وقعت عيناي على مصطلح أجنبي أثناء البحث ألا وهو Reproductive Genetics أي الوراثة الإنجابية، وقفت أمام هذا المصطلح كثيرا وتأملت فيه بحثا عن علاقته بالإرشاد الوراثي أم أنهم مصطلح واحد، وبعد بحثي عن هذا المصطلح اتضح أنه أحد علوم الوراثة التي تدرس في مجال الإنجاب وهو أحد الفروع الحديثة لعلم الوراثة والتي و تبشر بإمكانات لا حدود لها في العناية بصحة البشر مما قد يؤدي إلى شفاء كثير من المعضلات الصحية الوراثية التي بليت بها الإنسانية أو على الأقل تجنب حدوثها التخفيف من آثارها، وهنا ينبغي توعية الأسر بمبادئ الوراثة الإنجابية وبالعلوم الوراثية من خلال الندوات المشتركة بين المتخصصين في الطب والعلوم الأخرى النفسية والفقهية والاجتماعية للتصدي للقضايا المتعلقة بهذا الموضوع.

 


وحتى وقتنا الحالي فإن التشخيص المتبع لحالات الولادة وما قبلها في الوطن العربي لا يحمل شيئا دقيقا من المعلومات عن العيوب الوراثية التي قد تسهم في ولادة طفل معاق ربما للتكاليف المرتفعة لتلك التشخيصات أو لعدم اهتمام الأسر بتلك التشخيصات وأسرتي أول تلك الأسر، إضافة للاعتماد على تشخيص الطبيب لحركة الجنين وشكله وتطوره فقط داخل رحم الأم، وقد اتضح أمامي أيضا أن علم الوراثة الإنجابية هو أحد مجالات علم الوراثة الطبية المتكاملة ذات العلاقة بالطب التناسلي الذي يهتم بالمساعدة على الإنجاب بدون مشكلات، كما ينطوي على مجموعة واسعة من الاختبارات الجينية التي تجرى بهدف إطلاع الأفراد حول النتائج المحتملة لحالة الجنين الحالية، وحالات الحمل المستقبلية، وخاصة مع ذوي الإعاقات وأصحاب الاضطرابات والأمراض الوراثية، كما يشمل هذا العلم عدد من الاختبارات والتي تشمل تحليل الكروموسومات، DNA، RNA، والجينات، أو منتجات الجين لتحديد أسباب الاضطراب أو المرض الوراثي، كما أن هذا العلم ينطوي على عدة تشخيصات مثل تشخيص حالات العدوى الوراثية لحمل الأشخاص لبعض الأمراض الوراثية، وتشخيص حالة الجنين قبل الحمل، (النطفة) وتوضيح عيوبها وصحتها، والتشخيصات الوراثية لما قبل الولادة ومدى حمل الطفل للسمات الوراثية من كل من الأب والأم، وأخيرا فحص حديثي الولادة، وقد وجدت أن هذا الموضوع شائك جدا جدا لأنه قد يدخلنا في تقنيات نقل الخلايا الجسدية (الاستنساخ) والذي يعد محرم شرعا على حد علمي وفهمي.

 


وعند بحثى على الشبكة العنكبوتية باللغة الأجنبية عن هذا المصطلح وقع أمام عيناي أسماء لمراكز ومعاهد منتشرة حول العالم الغربي وليس العربي بنفس الاسم بالإضافة إلى إقامة الكثير من الندوات والمؤتمرات وورش العمل حول هذه الفكرة لتوعية المجتمع بقضية الوراثة الإنجابية، وقد ناقشت الكثير من الأحداث Events فكرة الوراثة الإنجابية التقنية باعتبارها مجال متطور جدا يحتاج للبحث يهدف إلى تحسين الطريقة التي يتم بها إجراء التشخيصات الوراثية الإنجابية وعمليات تطور الجينات، كما ناقشت هذه الأحداث نقاط الخلاف والقيود في هذا الموضوع بالإضافة لدراسة فوائد هذه التقنيات الجديدة الخاصة بالوراثة الإنجابية والتي تعتبر حتى اليوم غير واضحة للبعض في الدول الأوربية فما بالنا نحن في دولنا العربية، وقد اهتمت المؤتمرات والمناقشات في هذه الفكرة حول كيفية تحسين تسلسل الأجيال وراثيا وتطوير تشخيص الكروموسومات والDNA، وتطبيقاتها في فحص الجينات الوراثية للجنين من الأم، كما اهتمت بتطوير وسائل الإنجاب الحديثة أيضا، والتي أحيانا تكون سببا في إعاقة أو مرض الوليد، إضافة للاهتمام بمناطق الجينوم التي يجب أن تكون متسلسلة ومتنوعة.

 


والوراثة الإنجابية مصطلح جديد على المجال النفسي وحتى مجال الإعاقة ربما من الناحية التربوية والاجتماعية والنفسية، لكن لا اعتقد أنه مفهوم جديد على العلوم الطبية، وهناك علاقة وثيقة بين العلوم الطبية والعلوم الإنسانية لمساعدة الأسر في فهم عوامل الخطر للأبناء منذ مرحلة النطفة وما قبلها حتى ما بعد الولادة واكتشافها وقت حدوثها والمساعدة على اتخاذ القرار السليم وقتها فغالبا ما يأمل الآباء والأمهات في ولادة أطفال ذات صحة جيدة ومعافين من أي إعاقة أو أي أمراض قد تكون وراثية بعض الشيء، ومن هنا فإن الرعاية الوراثية قبل الحمل وأثناءه مطلب ضروري لتحقيق ذلك لدى الأسر وولادة أطفال معافين،ولذا فإن الحاجة ملحة ليكون هناك من هو متخصص بتقديم الوراثة الإنجابية من الجانبين النفسي والطبي والاجتماعي والتربوي.


قدمت مقالتي هذه لمناقشة هذا القضية الشائكة والتي يجب علينا دراستها من كافة الجوانب ليس من الجانب الطبي فقط، وإنما من جميع الجوانب ذات الصلة لأنها تسهم في تفسير أسباب الخلل الوراثي عند بعض الأسر، وقد ترشد المقبلين على الزواج وخاصة الذين لديهم تاريخ مرضي سواء الرجل أو المرأة أو الاثنين معا، فكما قرأت واطلعت فإن العلاج الدوائي أو الجراحي في الاضطرابات الوراثية غالبا ما يكون غير مجد، لذا قد ننبه بعض الأسر مثلا للجوء إلى إجراء التلقيح المجهري بدلا من الحمل الطبيعي أحيانا تفاديا لحدوث العدوى الوراثية، وأيضا اتخاذ الاحتياطات اللازمة والأخذ بالأسباب لتجنب ولادة أطفال مشوهين.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم