الأحد 19 مايو 2024 / 11-ذو القعدة-1445

دور الآباء في آلفة الأبناء



بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فقد استكتبتني صحيفة الرياض في هذا الموضوع المهم، حيث لاحظت صاحبة التقرير ظهور بعض المشكلات بين الأبناء والبنات بعد وفاة الأب، فكتبت في ذلك خلاصة وجهة نظري في ذلك، ومع شكري الجزيل لهم على اختيار هذا الموضوع الدقيق والحساس، إذ إنه من الموضوعات التي يقل طرحها والمصارحة بها، مع أني أتمنى ألا يشكل ظاهرة، إذ إن المتوقع في مجتمعنا أن يكون على أفضل سمة في الألفة والتآخي والتصافي، ولكن طرح هذا الموضوع أراه من الأهمية بمكان.
ولا ريب أن النظرة الأبوية الثاقبة هي التي ـ بعد الله تعالى ـ تصل بالأسرة إلى بر الألفة والمحبة والتعاون والتفاني بين أفراد الأسرة الواحدة، وذلك حينما يهدف الأب إلى توحيد صفوف أبنائه على قلب واحد، ويكون ذلك بعدد من الأسباب:

ـ أن يستلهم العون من الله تعالى، فإنه مهما بذل المرء من جهد من دون أن يطلب التوفيق من الله تعالى فهو في سعي غير محقق النتائج.
ـ أن يبذل الأب جهده في التعلّم على إدارة تربية أبنائه بكل حذق واحترافية، ولا ريب أن التعلم ليس له حد في عمر ولا زمن ولا مكان، وقد أمر الله تعالى نبيه أن يطلبه المزيد من العلم فقال سبحانه : ( وقل رب زدني علما )، ويكون ذلك بحضور البرامج التدريبية التي تعنى بتربية الأولاد وفق الشريعة والسنّة، لأنها في الغالب تواكب تطورات العصر وما يستجد فيه من مؤثرات تؤثر على لحمة الأسرة وانسجامها أو تفككها.
ـ أن يحذر الأب كل الحذر من التفريق بين الأولاد ذكورًا وإناثًا، لأن التفريق بينهم فيما لا يحلُّ له ومن غير سبب شرعي ظلم، وعواقب الظلم وخيمة في الدنيا والآخرة.
وقد جاء في الحديث أن بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي عَمْرَةَ بِنْتَ رَوَاحَةَ أَمَرَتْنِي أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهَا نُعْمَانَ بِصَدَقَةٍ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَ بَنُونَ سِوَاهُ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَعْطَيْتَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ لِهَذَا؟ قَالَ: لَا قَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ )
ـ أن تكون نظرة الأب أبعد من الحياة الدنيا التي يعيشها، بل لابد أن ينظر إلى حال أولاده بعد وفاته، فيذكرهم بحسن البر ببعضهم، وكريم التواصل بينهم، وجميل العشرة، وأن لا تفرقهم الدنيا أو تعبث بأواصرهم الشهوات المادية.
ـ أن يأخذ الأب ما في خواطرهم بين الحين والآخر، حتى لا تتراكم المشكلات بينهم وهو لا يعلم فتولّد التفرق بين وفاته، ولا ريب أن التنفيس عما تكنه خواطرهم يصفي القلوب، ويشرح الصدور، ويجمع الكلمة، ويعين على حياة كريمة متحابة.
ـ أن لا يكون الحب الداخلي الذي لا يملك الأب التحكّم فيه سبيلاً للتفريق بين الأولاد في الحقوق، فالأول له أن يكنّه في صدره ولا يظهره، والآخر لا يجوز له أن يترجمه إلى عطاء يفاضل فيه بين أولاده.
ـ إذا ظهرت بوادر التفرق بين أولاده عليه أن يسعى سعيًا حثيثًا لجمعهم، وإن عجز فعليه أن يستشير أهل الاختصاص حتى لا يستشري الأمر أو يزيد أو يقع ما لا يحمد عقباه بعد الوفاة.
ـ أوصي الأب أن لا يقصر في كتابة وصيته، وعليه أن يوصي أولاده فيها بالتآلف وحب الخير لبعضهم، ويذكرهم أن هذا من البر فيه، وأن هذا يرضيه عنهم، فلربما نفعت الوصية وأدت ما لم تؤده النصيحة في حال الوفاة.
وقديمًا قال الشاعر في وصية الأب لأبنائه :
كونوا جميعا يابني اذا اعترى…..خطب ولا تتفرقوا احادا
تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسرا….وإذا افترقن تكسرت افرادا
ـ أرى أنه في حال الاختلاف على أي قضية مالية بعد الوفاة وخصوصًا في تقسيم الإرث أن يلجأ الجميع إلى القضاء لتوزيعه على ما أمر الله تعالى، حتى لا يجحف بعضهم بعضًا أو يؤخذ بعضهم بسيف الحياء، والقضاء يعدل بين الجميع، ولا يغضب منه عاقل.
ـ وجميل في هذا التحقيق أن من يطلع عليه أن يراجع حاله مع إخوانه وأخواته، فيصفح عنهم، وألا ينافسهم في دنيا أو مال مصيرهما إلى الفناء، بل عليه أن يفكر في الباقي الذي عند الله تعالى.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 


بقلم د/فيصل بن سعود الحليبي
أستاذ أصول الفقه المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء
ومدير معهد التنمية العالي للتدريب بالأحساء.

.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم