السبت 27 أبريل 2024 / 18-شوال-1445

دراسة : الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية



الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية

تأملات في الإعجاز النفسي والاجتماعي في القرآن والسنة

 

 

أ‌- العنود محمد الطيار

 

 

 

 

النضـج الانفعالي في القرآن الكريم

 

يلاحظ المتأمل في القرآن الكريم أنه يمكن ملاحظة جانبين فيما يتعلق بالصحة النفسية هما :

1- علاقة القرآن الكريم بالنضج الانفعالي .

2- علاقة القرآن الكريم بالمرض النفسي واضطراب الشخصية .

 


 

مفهوم الصحة النفسية في علم النفس :

وقبل الدخول في موضوعنا لابد من التعريف بمفهوم الصحة النفسية في علم النفس وذلك بإيجاز ،حيث يرتكز مفهوم الصحة النفسية على شقين هما:

1- علاقة الفرد مع نفسه .

2- علاقة الفرد مع العالم من حوله .

 

أولاً علاقة الفرد مع نفسه :

وهي تظهر في صلته بعواطفه وتفاعله مع الخبرات المختلفة التي يمر بها ، وموقفه من قدراته وأهدافه ، كما تظهر في مقدار انقياده لمعارفه ومثله وحدوده ، فإننا نستطيع الوقوف عند ثلاثة مظاهر :

 

إن أول جانب هو فهم الفرد نفسه لدوافعه ورغباته ،وتقديره ذاته ، وقبوله ما هو عليه ، وماعنده كشخص له هويته ووحدته . ونحن نرى هنا أن الكثير من الآلام والاضطرابات قد تأتي عن جهل الفرد الدوافع الحقيقية التي تحركه ، وعن سوء تقديره المكانة التي يجب أن تحتلها رغباته .كما نرى أن العديد من الخلافات ،داخل الأسرة وداخل مجموعات الأتراب ، كثيراً ما تنجم عن نظر الفرد إلى نفسه بمنظار يراها على غير حقيقتها ، أو بمنظار يختلف عن منظار الآخرين حين يكون الآخرون موضوعين ، كما تنجم عن تقديره ذاته تقديراً يبتعد فيه عن تقدير أهله أو رفاقه ، وعن التقدير الواجب المناسب .

 

أما الجانب الثاني فيتصل بالإنسان من حيث نموه وتطوره ، وسعيه وراء ذلك ونظرته إلى المستقبل ، هنا نلاحظ سعي الفرد وراء إنماء قدراته ، وتحقيق ذاته فيما تستطيعه ، وهنا نلاحظ سعي الفرد وراء إغناء معارفه ، وتهذيب ذوقه ،وإنضاج عواطفه .فإذا قلنا عن النقطة السابقة أنها تشير إلى الإنسان في فهمه واقعه فإننا نقول عن النقطة الحالية أنها تشير إلى ما يفعله الفرد من أجل مستقبله ومن أجل المزيد من تحقيق ذاته ، و اغنائها ،وإنمائها بحيث تتوافر لجميع طاقاتها فرص النمو المناسبة .

 

أما الجانب الثالث فـ يلحّ على وحدة الشخصية وتماسكها فـ للشخصية عدد من الجوانب ، وهي تنطوي على عدة اتجاهات ، وتعبر عن ذاته في عدد من الخصال والخصائص ، والمظهر الصحي للذات ، من ناحية هذه النقطة الثالثة إنما يكون في ذلك الحد المناسب والمرونة المناسبة من جهة والثبات الكافي من جهة أخرى .

 

 

ثانياً : علاقة الفرد مع العالم من حوله :

 

وينطوي على أربعة جوانب رئيسية :

1- تحكم الفرد بـ ذاته :

في مواجهة الشروط المحيطة به ، واعتماده على معرفته وحريته ومقاومة عواطفه عند إتخاذ قراراته ، كما تعني قدرة الشخص على العمل من أجل تنفيذ ما يتخذ من قرارات .

2- إدراكه العالم كما هو ومواجهته بما يقتضيه :

فإذا واجهتنا مشكلة طارئة فإن إتخاذنا الموقف المتناسب معها ومواجهتهما بما تقتضيه يدل على حسن العلاقة بيننا وبين ما يحيط بنا سواء كان عالم مادي أو اجتماعي .

3- سيطرة الفرد على شروط محيطه وتحكمه بها :

ومعناه أن يعمل من أجل تعديل الشروط المحيطة به لإبعاد ما فيها من خطر وإيذاء ، كذلك يعني التحكم قدرة الفرد على أن يحب ويكتسب حب الآخرين ، وأن يكوّن علاقات حسنة وأن يحظى بتقدير مناسب من الآخرين وأن تكون لديه المرونة الكافية في مواجهة شروط المواقف المتبدلة ، والقدرة المناسبة على حل مشكلات اليوم والساعة.

4- الشعور بالأمن والطمأنينة  :

داخل الفرد من حيث يكون ذلك الشعور نتيجة للعلاقة بينه وبين ما يحيط به .فالتهديد الذي يمس شروط حياته ، والتغير الخارجي المستمر وغير المتوقع ، وانطواء الشروط على أخطار مختلفة ، وانعدام شروط العدالة في نظام الجماعة أحياناً ، كل هذه حالات بمثابة شروط غير مناسبة لتكوين الشعور بالطمأنينة ، والأصح أن نقول عنها أنها تربة خصبة يكّون الفرد شعوراً بانعدام الطمأنينة وليصبح ميداناً لاضطرابات نفسية مختلفة تصيب صحته النفسية بالأذى والانحراف . ويكون من حسن قدرته على التكيف أن يواجهها بما يلزم دون أن يدع المجال لتؤذيه في شعوره الداخلي بالأمن.

 

 

من خلال الشرح السابق يمكن تلخيص مفهوم الصحة النفسية في نقاط :

 

1- المحافظة على شخصية متكاملة :

ويشمل هذا الجانب التوافق والتناسق بين الاحتياجات الشخصية والسلوك المتجه نحو هدف معين في تفاعله مع المحيط ، ويشمل كذلك التوازن بين القوى النفسية ،والنظرة الموحدة للحياة ، ومواجهة أشكال الضغط والشدة .

2- التوافق مع المتطلبات الاجتماعية :

تتجه الإشارة هنا إلى التناسق بين الفرد والمعايير التي قبلها التراث الثقافي للمجتمع الذي يعيش فيه ، ويكون الإلحاح هنا على التكيف الاجتماعي ، وذلك من غير أن يخسر الفرد عنصر المبادرة والإبداع الذي يعد جزءاً من الشخصية المتكاملة .

3- التكيف مع شروط الواقع :

ويعني عدم الهروب من الواقع باتجاه الأحلام والخيال والسعي من أجل تحقيق ما يصبو إليه ولو كانت الأهداف لن تتحقق إلا على المدى البعيد .

4- المحافظة على الثبات :

وتشمل هذه النقطة جانباً هاماً من جوانب الشخصية يتمثل في عدم التردد المتكرر ،وفي الثبات المناسب فيما يتصل بالاتجاهات التي يتخذها الشخص من شؤون الحياة المختلفة ثباتاً يسمح بالتنبؤ بما يحتمل أن يفعله وأن يقدر قيمة ما يمكن أن يفعله وحدوده .

5- النمو مع العمر :

ويعني نمو ليس جسده فحسب بل وكل جوانب شخصيته معارفه وخبراته وانفعالاته وعلاقاته الاجتماعية وقدراته .

6- المحافظة على قدر مناسب من الحساسية الانفعالية :

المظهر السليم في الانفعال أن تكون حساسية الفرد الانفعالية متناسبة مع ما تستدعيه الظروف التي تحيط به وأن تبقى ضمن حدود تحكمه بها تحكماً يتناسب مع مستوى نموه العام ، فلا تكون العاطفة جامحة ومسيطرة عليه ولا متحجرة جامدة متبلدة .

7- المشاركة المناسبة في حياة المجتمع وتقدمه :

الصحة النفسية تظهر في تعاون الفرد مع غيره من أجل مجتمعه وضمن شروط طاقاته وقدراته ، كما تظهر في جهده نحو تحسين إنتاجه و وضعه تحسيناً يكون الفرد فيه منطلقاً باتجاه التعاون والمشاركة ومبتعداً عن العدوان والتهديم

 

بناء على الشرح السابق يمكن تحديد ما إذا كان الشخص يتمتع بالصحة النفسية أو لا ، ومما يساعدنا على تحديد درجة الصحة النفسية فحص (1) :

1- السلوك

2- المزاج

3- الإدراك الحسي

4- محتوى التفكير

5- مستوى الذكاء

6- الذاكرة

7- التركيز

8- اهتداء المريض وإدراكه للمكان والزمان ، وهو وعي الفرد الزماني والمكاني والشخصي ، بحيث يدري بموقعه في الزمان (الوقت) ومعرفته للمكان الذي يقيم فيه ومعرفته للأشخاص الذين من حوله .

 

إن ملاحظة السلوك كثيراً ما يعيننا على تحديد درجة الصحة النفسية لأنفسنا وللآخرين ، كما قلنا في البند الأول ، كما يعيننا على تشخيص المرض النفسي ، وعند دراستنا للسلوك ، لابد أن ندرس دوافع هذا السلوك ، ونوع الانفعال :

1- دوافع السلوك :

ولنأخذ الحاجات كمثال لهذه الدوافع ، وهي إما حاجات مادية : كالمأكل والمشرب والملبس ، والمأوى ، والراحة ، واتقاء الألم ، الجنس . أما الحاجات المعنوية : مثل الحاجة إلى المحبة والتقدير ، الحاجة إلى معرفة الخالق وعبادته ، الحاجة إلى النجاح ، الحاجة إلى سلطة ضابطة ، الحاجة إلى التملك ، الحاجة إلى الدفاع عن النفس ،الحاجة إلى المعرفة والاستطلاع ، الحاجة إلى الأمومـة وهناك :

دوافع لا شعورية :

كالعقد النفسية ، والكف ، والكظم ، والنكران ، والكبت ، والتبرير ، والإسقاط ، والتقمص ، والإبدال ،والتعويض ، والنكوص ، والأوهام ، والرد المعاكس ، والإعلاء أو التسامي . وكل هذه الحاجات يرافقها انفعالات معينة تتناسب مع نوع الحاجة .

فالانفعال

عامل مهم جداً لتحديد مستوى الصحة النفسية فهو مؤشر قوي ، وربما كان المؤشر الأول على تمتع الفرد بالصحة النفسية أو معاناته من المرض النفسي ، فهو أول شيء يمكن ملاحظته على الشخص : هل هو متبلد العاطفة أم أن عاطفته جامحة ، فهذان طرفا النقيض للانفعال السليم الذي يجب أن يظل تحت سيطرة الفرد في المستوى الطبيعي فلا يجب أن يكون جامح العاطفة ولا متبلد الأحاسيس . والانفعال السليم يطلق عليه أيضاً النضج الانفعالي أو الاتزان العاطفي وهو يدل على حسن التكيف ويعتبر مؤشراً صادقاً على نضج شخصية الفرد ، فما الذي يؤدي إلى انفعال الإنسان بطريقة معينة سليمة أو غير سليمة ؟

 

الجواب :

 

إنها حاجة الإنسان إلى الأمان فكلما شعر المرء بالأمان كلما كان نضجه الانفعالي أكبر .

 

 

 

تعريف الانفعال : هو تغير مفاجئ يشمل الفرد كله نفساً وجسماً (2) وهو ناشئ عن الأحداث والوقائع التي يتعرض لها الإنسان ويكون مظهر الانفعال انبساطا مع الأحداث المرغوب فيها وانقباضاً مع الأحداث غير المرغوب فيها .

 

فيما يلي قائمة بأشهر الانفعالات التي لاحظتها ، يليها نظرية استنبطتها من القرآن الكريم ، ثم سأستعرض شرح هذه النظرية وإثباتها من خلال القرآن :

 

الحزن ضده الفرح

الجزع ضده التجلد (من الصبر)

الغضب ضده الرضا

الغيرة ضدها رحابة الصدر

الحب ضده البغض

الكِبر ضده التواضع

الإعجاب ضده الاستقباح

التعجب ضده اللامبالاة

العزة ضدها الذلة

المن ضده الامتنان

الخشوع ضده القسوة

الخوف ضده اليأس

الندم ضده البلادة

الحرج ضده الفخر

الخجل ضده الوقاحة

الحلم ضده الطيش

الرحمة ضدها العنف

الاحترام ضده الاحتقار

اللذة ضدها الاشمئزاز

الشوق ضده السلوان

  1. جيمس ويليس – جون ماركس – الطب النفسي المبسط – ترجمة طارق الحبيب.
  2. محمد الزعبلاوي – تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس .

المصدر : بوابة آسيا الإلكترونية .

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم