السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

خربشات على هامش الطفولة



ليس سرًا أن أقول: إنني كنت أهوى الخربشات على هوامش كتبي المدرسية، وحتى دفاتري، بل وعلى طاولتي كذلك منذ المرحلة الابتدائية، وكانت تلك العادة التي أمارسها خارج إرادتي، فأنا لا أفيق منها إلا بعد أن أكون قد تلبست بجريمتها (كما هي في نظر بعض أساتذتي)، حتى بعد أن دخلت الجامعة، استمرت هواية رسم الزهور، والمكعبات المنظمة، والأسهم ذات الاتجاهات المختلفة، والبيوت الجميلة، وزدت عليها كتابة الشعر الذي لم يكن يستأذن مني أبدا، وأذكر أنني كتبت قصيدتي (لي تسعة) وأنا في محاضرة أدبية، لأستاذ قدير، في فرع جامعة الإمام في الأحساء، ولم يكن لطالب أن يسرح بذهنه في محاضرته وهو الذي لا يعرف الكرسي، ولا يسقط من يده الطبشور، ولا يزال يذهلنا بتحضيره الفريد المذهل، ولكن الشعر سلطان؛ كما النوم سلطان، المهم أنه اكتشف الجريمة النكراء، فقد ولدت القصيدة على الورقة على شكل خربشات، فغضب مني، وعزم على معاقبتي باختيار أسئلة من الصعب حصارها في وقت الاختبار، وجاءني وأنا أختبر؛ ليذكرني بخطيئتي تلك، رحمه الله. للأسف لم أتب بعد من هذه الفعلة حتى الآن؛ فقط لأنني أتنفس بحرية من خلالها.

حضرت ملتقى برامج ومشاريع الطفولة في الخبر، الذي رعته مؤسسة عبدالرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيرية، ونفذته مؤسسة الخبرات الذكية، فصَحَتْ طفولتي من جديد، وتلفت فرأيت نصف سكان بلادنا أطفالا، وتساءلت ببراءة الطفولة: هل ما يقدم للأطفال بحجم وجودهم، كثافتهم، أهميتهم، مستقبلهم، بل مستقبلنا؛ لأنهم بالفعل يمثلون مستقبلنا.

اليابانيون ينهضون بما يسمونه (تربية القرن)، والهولنديون يؤهلون الأمهات ببرنامج تدريبي يستمر ست سنوات، حتى أتموا تأهيل (250000) امرأة، والكيان الصهيوني يصدر جريدة يومية للأطفال، وأكثر العرب يكتبون عن نقد أدب الأطفال أكثر مما يقدمونه من أدب لهم، ويستوردون كل أفلام الكارتون بعقائد وأفكار صانعيها، وليس لديهم مؤسسة واحدة منافسة، ويؤسسون روضاتهم على أساس ربحي بحت، ويسجلون ما نسبته 45% على الأقل إيذاء للأطفال بكل أنواع الإساءات؛ اللفظية والبدنية والنفسية والجنسية والإشارية، وتمر لديهم فترة الطفولة المبكرة (من الميلاد إلى الخامسة) دون أي خطة أو قصد تربوي، بل يتعاملون مع الطفل على أنه لعبة في بدايتها، ويتخلصون ـ في نهايتها ـ من أسئلته ورغباته وتطلعاته بإيداعه بين يدي التلفاز، أو الأيباد، ليستكملا عملية القمع والتنويم والتحبيط والتخلف اللغوي والابتكاري.

ليس هناك برنامج تلفازي أفضل من احتضان الأم لطفلها ومناغاته بلغة فصيحة واضحة حانية، ليس هناك لعبة إلكترونية قادرة على استثارة الإبداع لدى الطفل أفضل من أن يبتكر بنفسه لعبته الحركية، أو يمارس حوارا حرا مع طفل آخر، أو يبني كوخا على الرمل، أو مدينة من البلاستيك.

الأطفال يحتاجون إلى حرية كافية، فالبيت المملوء بالتحف والمناظر وأشجار الظل، إما أن يتأقلم الطفل معها، ويكون صديقا لها، فلا تحد من حركته وعرامه، وإلا فلا داعي لوجودها أصلا في محيط الغرف التي يمرح فيها ويهزج ويلعب.

كلما ازدادت حرية الطفل زادت فرص الإبداع لديه، ولذلك فإن المشروعات الطفولية الناجحة هي التي تبنى على بنية صادقة؛ لبناء الجيل الجديد بناء يتناسب مع القرن الحادي والعشرين، متمسكا بدينه، محبا لوطنه، ليستثمر أهم سنوات حياته على الإطلاق.

ومن المهم أن تستجيب الجهات الحكومية المعنية بالفسح لكيانات الأطفال؛ فتسهل إجراءاتها، على أن تشترط فيها الجودة، والسلامة، والمنهجية المتطورة، النابعة من عقيدتنا، والمستفيدة من آخر مستجدات القرن في التربية الطفولية.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم