الثلاثاء 14 مايو 2024 / 06-ذو القعدة-1445

خذ الريال يا ولدي .



خذ الريال يا ولدي ..
د.خالد بن سعود الحليبي .

خلال حديثه الشيق ساق لي موقفا تربويا رائعا ، أحسست من خلاله أنه تلقى تربية قوية قويمة من والده ( أحد كبار الأثرياء ) ، الذي ظهر لي تأثيره الشديد في شخصيته ،

من خلال ما يستشهد به من أقوال ومواقف وحكم في أثناء حديثه استقاها من مخالطته،وتوجيهاته .

 

يقول رجل الأعمال الشاب : كنت أسير مع والدي في أحد شوارع المدينة ، وكان معنا عدد من رجال الأعمال الكبار ، وبعض الضيوف البارزين ، وخلال محاولتي استخراج ورقة من جيبي سقط ريال واحد ، فأنِفت ، ووجدت في نفسي أن أنحني لأخذه أمام هؤلاء الكبراء ، فرمقته بنظرة متعالية وتركته ،

وهنا التفت إلي والدي وقال: يا ولدي .. ارجع وانحنِ وخذ الريال . تلعثمت .. أحسست بالدماء تصعد إلى وجهي ، تقهقرت أمام نظرات من حولي ، وانحنيت ، وتناولت الريال ، ودسسته بخجل شديد في جيبي ، واعتدلت بخطا متعثرة .


ولم ينته الدرس فقد سألني لو أنك تملك مليون ريال، ثم ضاع منه ريال، فهل ستقول: معي مليون، فقلت: لا، فاجأني ـ مباشرة ـ بسؤال آخر : ولماذا لم تقل: مليون ، فأجبته : لأنه نقص منه ريال واحد ، فقال : أرأيت قيمة الريال الواحد ؟

هنا أدركت ما أراد .. وأخفضت رأسي حياء . ولكنه أكمل قائلا : إن الريال الواحد أخل بقيمة مليون ريال ، ولو زدناه على المليون لزاده قيمة، وبالريال الواحد تفرج عن مكروب ، وتسد جوعة محروم .. أليس كذلك .. قلت : بلى .

 

إن مثل هذا الأب لم يجعل من ثرائه بيئة لصناعة المائعين ، الذين تبلغ بهم هشاشة التربية أن يظلوا عالة على آبائهم في معاشهم وتكوين شخصياتهم حتى إذا كبروا ،

لقد أعطى هذا الأب ولده هذا أكثر من مليون ونصف ، ليبدأ طريقه في العمل الحر ، فردها عليه بعد تسعة أشهر وانطلق في تجارته . وحينما طلب سيارة فخمة ، سجلها عليه سلفة يردها بعد أن يستطيع جمع مبلغها ..

 

إن هذا الشاب لا يستطيع أن يمحو من ذاكرته موقف والده من ابن عمه حينما أراد الدخول في مشروع تحوم حوله شبهات الحرمة ، ورأى والده كيف يضع ابن عمه هذا في مواقف محرجة ، استطاع من خلالها أن يستثير شعوره الديني ليرفض إغراءات الربح المحرم ، ويترك ما يريبه إلى ما لا يريبه.

إنها صناعة حقيقية لشخصية ناجحة ، تصمد أمام تقلبات الواقع ، ومفاجآت السوق ، وعقبات النجاح ، ولا غرو بعد ذلك إذا قيل له : لقد فقت أباك .

إنني أتهم بعض الآباء الأثرياء بأنهم يربون أبناءهم الذكور منذ نعومة أظفارهم تربية أنثوية، حتى يظهر أثر ذلك على أشكالهم وحركاتهم وملابسهم وسياراتهم وأذواقهم ، ومن باب الحنان عليهم لا يكلفونهم بأمور يرون ـ بعيون عواطفهم ـ أنها تزعجهم ،

فيقدمونهم للمجتمع بعد ذلك شخصيات ممسوخة الرجولة ، تنهار عند أول امتحان ، ولن يمتد عمر الأسرة التي تتوراث المجد التجاري إلا إذا صنعت من أبنائها رجالا قادرين على الحفاظ على المدخرات ، وتنمية الموروثات ، وبناء مجد يحمل بصماتهم الشخصية ، لا بصمات أجدادهم فقط ..

وبمثل هؤلاء تعمر الأوطان من هذه الناحية الحياتية المهمة ، والمال هو عصب الحياة بلا ريب .

 

بصمة …

إن التربية الجادة هي التي تنحي كل عوامل الترف المتوافر بكل إمكاناته جانبا وتبدأ رحلة الحزم الحاني .

فقسا ليزدجروا ومن يك حانيا         فليقس أحيانا على من يرحم

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم