الأثنين 06 مايو 2024 / 27-شوال-1445

حب الوطن من الإيمان فكيف إذا الوطن هو السعودية



بقلم د. مبارك بن سعيد حمدان
أجبر الرسول صلى الله عليه وسلم على الخروج من بلده مكة المكرمة بعد أن لاقى من المشركين صنوف العذاب والأذى، وخرج وهو يقول «والله إنك أحب البلاد إليّ ولو لا أن أهلك مخرجي ما خرجت» فالإنسان بطبيعته إذا ألف مكاناً في الدنيا وتأقلم معه أحبه وأصبح جزءاً من كيانه، فكيف إذا كان هذا البلد هو مكة المكرمة، والفرد عندما يرتبط بوطنه يصبح هو حبه الأول والأخير حتى وإن عاش بعيداً عنه لظروف معينة، فيظل يحن إليه مع شروق شمس كل يوم ومع كل نسمة هواء ويظل في نفسه بارقة أمل بالعودة إليه. 
قال الشاعر:
وحبب أوطان الرجال إليهم
مرابع قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
وقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسد إن بان غودر هالكا
وحب الوطن من الإيمان فكيف إذا كان الوطن هو المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومبعث الرسالة المحمدية وموئل أفئدة المسلمين التي يتجهون إليها في اليوم والليلة خمس مرات في صلواتهم. لا سيما وأن رب العالمين استجاب لدعوة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر…} فحقق الله للبلد الحرام ولهذا البلد الطيب المباركة الأمن والأمان الذي قل أن يوجد مثيله في بلدان العالم. والأمن مطلب ملح يتيح للبشرية العمل والتقدم والإنجاز. فلا يمكن أن يعمل الإنسان وهو خائف. والأمن إذا فقد في مجتمع كان ذلك نذيراً بانتشار الفوضى والشغب والتدمير.
إن ما تعيشه بلادنا من نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى تستلزم منا الشكر والثناء له وتستلزم تقدير هذه النعم والمحافظة عليها. فإثارة الفتن في مجتمعنا الآمن – بفضل رب العباد – وزعزعة أمنه واستقراره وإشاعة الرعب والخوف في نفوس أهله ومواطنيه تعد من كفر النعمة لأن تلك الأمور ستقضي على كل معاني الأمن والأمان. وتدمر كل جوانب البناء والتنمية وتقضي على الأخضر واليابس والأمثلة من حوالينا واضحة للعيان ولا يدركها إلا حصيف عاقل.
وبلادنا تقدم للعالم بأسره أنموذجاً في التعامل والتفاعل مع كل القضايا فهي من المسلمين في شتى بقاع العالم حاضرة معنوياً ومادياً. تقف مع المظلوم وتساعد المحتاج وتنقذ المنكوب. وتعالج المرضى وتدافع عن المحروم وأساطيلها الجوية تسبح في الفضاء لتكون لمسة حنان مع كل متضرر، وهي تقوم بكل ذلك دون أن تلحقه منا ولا أذى وادراكاً من قادتها وفقهم الله بالمسؤولية المنوطة بهم تجاه مسلمي العالم، وهي في الداخل أيضاً حققت إنجازات تنموية كبيرة في وقت قياسي يقاس في نظر الأمم الأخرى بالسنوات الطويلة.
إن وطننا الغالي يعد جوهرة نفيسة، ولؤلؤة غالية، ترابه مسك، وهواؤه عليل، ومياهه شهد، وشمسه أنوار، وأشجاره قنوان دانية، وأزهاره مرجان، ونخيله أفنان وجنان، زواياه وأركانه منائر ومساجد كعقود اللؤلؤ المنثور، وأنوار النجوم لهداية المسافرين.
ونحن في هذا الوطن الغالي لسنا مجتمعاً ملائكياً أو مثالياً يخلو من الأخطاء إننا مجتمع بشري يعتورنا ما يعتور البشرية من نقص لأن الكمال صفة اختص بها رب العالمين لنفسه. ومن ثم فإيجابيات مجتمعنا ووطننا كثيرة جداً إذا ما قورنت ببعض السلبيات المتواضعة ومن هنا فإن المرحلة حاسمة والمتغيرات العالمية متعددة والأحداث الأخيرة تفرض على كل مواطن عاقل سوى يفكر بعقل مستنير أن يكون مواطناً صالحاً حقاً بكل ما يعنيه ذلك المفهوم.
وفي تصوري فإن السمات التي ينبغي أن تتوافر في المواطن الصالح كما يلي:
المواطن الصالح هو من يؤمن بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا وتكون كل تصرفاته وممارساته في ضوء من كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هو من يدرك ادراكاً تاماً مكانة وطنه تاريخياً وجغرافيا واقتصادياً وسياسياً على كافة المستويات والأصعدة المختلفة.
هو من يحرص على المشاركة الجادة في أسرته ومدرسته.
هو من يحرص على المشاركة الفاعلة في مجتمعه، مدركاً لكل ما يدور فيه مشاركاً في كل الخدمات المجتمعية بحس وطني فاعل حريصاً على تعزيز وحدة المجتمع وصيانتها بكل ما أوتي من قوة.
هو ما لديه الالتزام بقوانين المجتمع ولوائحه وتنظيماته.
هو من لديه انتماء وولاء للوطن بعد الله سبحانه وتعالى.
هو من يحرص على اشاعة الأمن والسلام بين أفراد مجتمعه داخلياً وبين شعوب العالم خارجياً.
هو من لديه القدرة على الانفتاح على ثقافات المجتمعات الأخرى مع الحرص على الالتزام بقيمه ومبادئه وثوابته.
هو من يملك نظرة تقدير واحترام للكرامة الإنسانية وقيم الحرية المنضبطة.
هو من يملك القدرة على التعبير عن وجهة نظره بصورة علمية ومنطقية ويحترم وجهات نظر الآخرين.
هو من يحرص على الحد من الاشاعات والفتن ومنع الصراعات.
هو من يملك شعوراً قوياً بأن كل شبر على خارطة الوطن يمسه ويهمه أمره ولهذا فيجب المحافظة عليه.
هو من يحافظ على المرافق والممتلكات العامة ويشعر بأنها ملك للجميع ولكل الأجيال.
هو من يحقق أمر رب العالمين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم طاعة أولي الأمر قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم… الآية}.
هو من يملك فكراً وسطياً نيراً وتكون لديه القدرة على التمييز بين الغث والسمين وبين الحقيقة والاسطورة أو الإشاعة.
ومن الأمور التي يمكن أن تسهم في تعزيز حب الوطن في نفوس الناشئة وتأكيد الانتماء الوطني وحسن التعامل مع الآخرين ما يلي:
٭ للأسرة دور كبير وأساسي في غرس حب الوطن في نفوس الأبناء.
٭ تعويد الناشئة على الاهتمام بعلم الوطن وخصوصاً أن علم المملكة العربية السعودية يحمل كلمة التوحيد.
٭ تعريفهم بلوائح المدرسة وأنظمتها وأهمية الالتزام بها.
٭ تعريفهم بلوائح الدولة وأنظمتها.
٭ التأكيد على الاهتمام بترديد النشيد الوطني في الطابور الصباحي والمناسبات الرسمية.
٭ تعويدهم الحرص على نظافة الطرقات وحمل النفايات ووضعها في أماكنها المخصصة لها.
٭ القيام برحلات لمناطق المملكة المختلفة لزيادة معرفتهم بها.
٭ تعويدهم المباركة في الأعمال التطوعية في المجتمع مثل الجمعيات الخيرية (الهلال الأحمر… إلخ).
٭ تشجيعهم على المشاركة في حملات التبرعات مثل (حملة التبرع بالدم والأعضاء – ورعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة).
٭ الحرص على إقامة علاقات جيدة مع الأقارب والجيران تحقيقاً لمبدأ التكاتف والترابط بين أفراد المجتمع.
٭ تعريفهم بكيفية التعامل الجيد مع كل الفئات التي تعيش بيننا من غير المواطنين.
٭ تعويدهم على أساليب الحوار الهادئ والنقاش الموضوعي مع الآخرين.
٭ تعويدهم على تقبل النقد بصدر رحب وعدم التعصب لرأيهم.
٭ تعويدهم على تقبل وجهات نظر الآخرين حتى ولو اختلفوا معهم.
٭ محاولة تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لدى الطلاب.
٭ إبراز الدور الريادي والقيادي الذي تقوم به المملكة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
٭ تشجيعهم على كتابة المقالات والموضوعات القصيرة والقصص عن حب الوطن والانتماء له.
٭ تشجيع الطلاب ممن يملك المواهب والقدرات على التعبير عن حبهم للوطن وعلى إبراز جوانب التنمية والتطور من خلال الفن التشكيلي والتصوير… إلخ.
٭ إعداد مشاهد تمثيلية ومسرحية تلقى الضوء على تاريخ الوطن ومكانته وجوانب النهضة فيه.
٭ اكسابهم قيم التسامح والعفو والتيسير في علاقاتهم بأسرهم ومجتمعهم ومع غيرهم من المقيمين.
٭ فتح مزيد من قنوات التوجيه والحوار والتثقيف مع الناشئة من خلال العلماء والدعاة والمفكرين والأكاديميين.
٭ زيادة مجالات مشاركة الناشئة في الأنشطة الطلابية التي تمكنهم من اكتساب الكثير من المهارات المتنوعة والقيم الفاضلة والاتجاهات الإيجابية السليمة.
٭ الاستفادة من برامج الأنشطة الرياضية في تحقيق بناء العقل السليم في الجسم السليم لا سيما وأن الشباب يميلون كثيراً إلى مثل هذا النوع من النشاط.
٭ إتاحة الفرصة للطلاب للالتقاء مع بعض كبار السن ورجالات المجتمع ممن عاصروا الزمن الماضي لتعرف كيف كانت الحياة في ذلك الزمن قبل توحيد المملكة العربية السعودية مثلاً على يد الملك عبدالعزيز – يرحمه الله – وكيف أصبحت بعد ذلك؟
٭ تعريفهم بأن حب الوطن يتجلى في الدفاع عنه والذود عن حياضه والمحافظة على مكتسباته قولاً وعملاً، وعدم إتاحة الفرصة للحاقدين والحساد للنيل منه مهما كان الثمن.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم