الجمعة 03 مايو 2024 / 24-شوال-1445

جذور الأزمات الزوجية



الزواج سكن ومودة لطرفي العلاقة الزوجية، ومن شأن السكن والمودة أن يتصف بالديمومة والثبات والاستقرار، لكن مع فقدان الوعي، وارتفاع نسبة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية يبقى ذلك السكن أملًا منشودًا، إذ من شأن تلك الضغوط أن تزعزع استقرار الاسرة وتقتحم عليها ذلك الهدوء، وحينما نتكلم عن الأزمات الزوجية فلا نقصد بعض الاختلافات في وجهات النظر، أو اليوميات العادية أو حالات عارضة نتيجة ظرف مؤقت أو طارئ، ولكننا نتكلم عن تلك التي تنشأ عن أسباب حقيقية وجوهرية، حتى ولو لم يتم الافصاح عنها، وهي في الحقيقة أصل المشاكل، فما هي جذور الأزمات الزوجية:

جذور الأزمات الزوجية:

إن هذه الأزمات يمكن أن نرجعها إلى أربعة أسباب رئيسية هي:

أولًا: سوء الاختيار.

ثانيًا: ثانيًا عدم التفاهم بين الزوجين في القضايا الأساسية.

ثالثًا: النشأة الأولى وأثرها في استقرار الزواج.

رابعًا: عدم فهم الاحتياجات النفسية والعاطفية لكل طرف.

وإليك عزيزي القارئ تفصيل هذه النقاط الأربعة:

أولًا: سوء الاختيار:

إن التسرع في اختيار شريك الحياة وسوء الاختيار من البداية هو مؤشر لعدم استقرار الحياة الزوجية بل وهدمها قبل بدايتها أو بعد ذلك، وقد تزايدت في السنوات الأخيره ظاهرة الطلاق وبالذات تلك الحالات المتعلقة بالطلاق قبل إتمام مراسم الزفاف وفي السنوات الأولى من عمر الزواج حيث تناولت العديد من الدراسات هذه الظاهرة دون الوقوف على أسبابها وآثارها النفسية والاجتماعية، فيما كشفت دراسة نوعية حول “الطلاق قبل الدخول وفي السنة الأولى من الزواج” أن أهم أسباب الطلاق لدى المطلقات هي سوء الاختيار، يليه تدخل الأهل، ثم عدم تحمل المسؤولية، ويليه تبعية الزوج لوالدته أوأحد افراد اسرته.

واختلفت بعض الأسباب في مدى إسهامها بالطلاق لدى المطلقات قبل الدخول سنة أولى زواج، فقد كان سوء الاختيار، يليه تدخل الأهل، ثم عدم تحمل المسؤولية من أهم الأسباب قبل الدخول، بينما احتل تدخل الأهل، يلية سوء الاختيار، ثم تبعية الزوج لوالدته أو أحد أفراد أسرته أهم الأسباب لدى المطلقات سنة أولى زواج.

وأشارت الدراسة التي اعدتها آمال عابدين والتي جاءت استكمالًا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الإرشاد النفسي والتربوي من جامعة عمان العربية للدراسات العليا، والتي هدفت الى الكشف عن الأسباب والآثار النفسية والاجتماعية لحالات طلاق قبل الدخول وسنة أولى زواج والتي طبقت على عينة تتألف من 100 سيدة مطلقة منهن 50 سيدة طلاق قبل الدخول، 50 وسيدة طلاق سنة أولى أن أهم الآثار النفسية التي يتركها الطلاق على المطلقات بشكل عام هو الشعور بالإحباط والتعاسة والحزن، ثم الشعور بالظلم.

أما الآثار النفسية لطلاق سنة أولى زواج فتبين الدراسة أن أهمها كان الشعور بالوحدة والانعزالية، يلية الشعور بالإحباط والتعاسة، ثم الإحساس بالإهانة وعدم الثقة بالنفس.

ومن الناحية الاجتماعية كانت أهم الآثار إدراك المطلقة بأنها تخضع لشفقة المجتمع، ثم نظرة المجتمع الدونية للمطلقة، ولوحظ أن هناك تفهما وتعاونًا مع المطلقة من قبل الأسرة، وكذلك في الآثار المترتبة عليه.

وتؤكد الدراسة بأن أسباب الطلاق من وجهة نظر المطلقات يعود مانسبته %42 إلى سوء الاختيار يليه تدخل الأهل بنسبة %30 ثم عدم تحمل المسؤولية بنسبة 29 % يليه تبعية الزوج لوالدته أو أحد أفراد أسرته بنسبة %18 وعدم التواصل اللفظي والفكري بنسبة %16، بينما كانت أقل الأسباب المؤدية إلى الطلاق بشكل عام الزواج الثاني بنسبة 2%، وانشغال الزوج عن أسرته بنسبة 2%، ويليهما الزواج لمصلحة  مادية أو غيرها بنسبة 3%، ثم شك الزوج بنسبة 3%، والخيانة بنسبة 3%.

وقد قابلت في الاستشارات الأسرية عدد كبير من النساء، إما جاءت لتستشير قبل الطلاق، أو جاءت وهي مطلقة بالفعل وفي كل مرة أسأل عن الأسباب أجد السبب الأول هو سوء الاختيار.

حسن الاختيار من عوامل نجاح الزواج:

لقد أكد الإسلام على حسن اختيار شريك الحياة ورفيق العمر واعتبر حسن الاختيار من عوامل تحقيق “إسلامية” الحياة الزوجية, ومن تباشير الوفاق والمودة بين الزوجين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولحسبها, ولجمالها, ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) [متفق عليه].

إن اختيار شريك الحياة هو أولى الخطوات الصحيحة لحياة زوجية سعيدة، ولكي يختار المرء شريك حياته فلابد أن يتوفر فيه أولًا شرط الدين، وقد حرص الإسلام على دوام واستمرار الزواج بالاعتماد على حسن الاختيار، وقوة الأساس الذي يحقق الصفاء والوئام والسعادة والاطمئنان، وذلك بالدين والخلق، فالدين يقوى مع مضي العمر، والخلق يستقيم بمرور الزمن وتجارب الحياة، أما الغايات الأخرى التي يتأثر بها الناس عادة من مال وجمال وحسب وقنية الأثر لا تحقق دوام الارتباط. لذا قال صلى الله عليه وسلم )تنكح المرأة لأربع…) إلى آخر الحديث.

وكذلك الحال في حق الرجل يكون الاختيار على أساس الدين أولًا ثم باقي المعايير، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) [رواه الترمذي وغيره].

والناظر في الأحاديث النبوية التي تحدد معالم شريك الحياة ويضم بعضها إلى بعض يستطيع أن يفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن ينبه وينوّه ويؤكد جعل الدين هو الإطار الذي يسير فيه الاختيار، ولكن دون إغفال لمعايير التكافؤ الأخرى، لذا فإن باقي أحاديث ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم تأتي لتؤكد هذه الصورة المتكاملة والشاملة؛ حيث يدعو الشاب إلى أن ينظر إلى من سيخطبها؛ لأن ذلك سيؤدم بينهما, [أي سيكون سببًا لدوام الزواج بينهما]، ويعطي للفتاة التي رفضت اختيار والدها لاختلاف المستوى الاجتماعي الحق في رفض الزيجة, وهكذا نفهم أن الدين هو الإطار الذي لا يجعلنا نغفل باقي الأسباب لإنجاح الاختيار والزواج.

وفي الختام نلخص كيفية الاختيار الصحيحة، بوجود إطار من الدين والخلق ومعايير التكافؤ المعتبرة, مع مراعاة الأوضاع الاجتماعية للأسرتين، مع حد من التوافق النفسي والاجتماعي بين الأسرتين.

الخلاصة:

الاختيار الصحيح الذي سياجه الدين والخلق والأصل الكريم عاصم من قواصم المشاكل الزوجية، لأن الدين وقواعده الربانية هو القاعدة السليمة لحل أي خلاف بعد وقوعه، واجتنابه قبل وقوعه، ولا أمان لمن لا إيمان له، ولا دين لمن لا يحمي دينا, ويمكن أن نقول:إن ضعف الوازع الديني في شريك الحياة هو أساس البلاء والمشاكل.

ماذا بعد:

-أول أسباب المشاكل الزوجية أو الانفصال هو سوء الاختيار فأحسن اختيار شريك حياتك

وللحديث بقية.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم