السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

المدير .. حين يحب



كان في إمكانه أن يسير مع القافلة بصمت، ويكتفي بالاستمتاع بهمسات الأقدام الحافية، وبالتذمر ـ كغيره ـ من قرع الأحذية الصلبة، ويصم أذنيه ـ أحيانا ـ عن صليل الأجراس المتأرجحة، كان له ـ إذا أراد ـ أن يعيش مثل عشرات المدراء الذين يماثلونه في أنحاء متفرقة من الدوائر التي تتبع وزارته، يهزهزون أصلابهم على الكراسي الوثيرة، ويكتفون بتسيير الأمور اليومية، وفتافيت القرارات الكاسدة، فلا إستراتيجية، ولا خطة، ولا منهجية في العمل، ولا رؤية واضحة.

لن يسأله رؤساؤه لماذا لم تطلب مزيدا من المشروعات الجديدة في إدارتك الإقليمية، وبالطبع لن يحثوه على أن يستزيد من الدعم المالي لها، بل هم في شغل شاغل عن كل ذلك، بالمشكلات الكبرى التي تستنزف اجتماعاتهم، وإن كانوا يتمنون من يكون لديه الاستعداد ليسهم معهم في إيجاد الأنموذج الأمثل الذي يمكن أن يحتذى من قبل الآخرين.
رفض تلك الرتابة السمجة، وأحس بالركود يأكل منسأته، وأنه إذا استمر على هذه الحالة، فحتما سيموت إداريا، وستموت معه إدارته، التي لن يلتفت الناس إليها إذا لم تدعهم هي إلى خدماتها، والسبب أن الناس لا يعلمون لتلك الخدمات جهات مختصة أصلا، ولا يعرفون كيف يستفيدون من هذه الدائرة أو تلك!! ويظلون حائرين أين ييممون وجوههم عند كل نكبة من نكبات الزمان!!

تطلع صاحبنا للفرصة التي يمكنه من خلالها أن يحدث تطويرا مذهلا لمؤسسته، فوجدها في رئيس متفاعل جديد في منصبه، يمتلك حس التغيير والإنجاز، فوافقت عزيمة صاحبنا سرعة اتخاذ القرار عند صاحبه، فكانت الانطلاقة.

الإمكانات أصبحت متوفرة، والتشجيع من المرجع الإداري صار عمليا وليست قوليا فقط، والاحتياج المجتمعي قائم، بل شديد وكبير جدا، وبيئة العمل يمكن تطويرها وتمكينها بحيث تكون قادرة على احتضان المشروعات الجديدة، تلفت من حوله ليجد من يؤازره، فإذا بعينيه اللامعتين تعثران على عشرات كانوا هم أيضا في حاجة إلى إتاحة الفرصة لهم؛ ليعملوا في بيئة عمل جاذبة، تقدر النابهين، ولا تصنفهم غير تصنيف واحد؛ إما أن يكون قادرا على أداء العمل راغبا فيه، أو أنه جاء فقط لبريق المال الذي ينتظر أن يصرف له في نهاية المشروع، ولذلك فهو لا يقدم إلا بقدر ما يرى أنه في حجم المدفوع له، فلا احتساب، ولا وطنية، ولا حتى إنسانية. وعلى هذا الأساس وجد الفريق الأول هو القادر على النجاح الذي يترقبه، كما وجد الفريق فيه القائد الإداري الذي تنمو بين يديه المواهب، وتكبر القدرات، وتبلغ المساعي أهدافها بتوفيق الله تعالى وفضله.

رصيد المدير في القطاع الحكومي وغيره من القطاعات الأخرى، هم الموظفون الذين معه، واستثمار ملكاتهم، وتوظيف قدراتهم، لن يحدث إلا إذا استطاع المدير/القائد أن يمتلك قلوبهم، أن يحبوه، أن يقتنعوا بأهليته للإدارة، فهو مرة يسألهم عن صحتهم، ومرة يسعى في قضاء حاجاتهم الخاصة، ومرات يخطط معهم، ويوزع المهام عليهم، ويتابعهم برفق وحزم.

سيتحول العمل إلى عشق لدى فريق العمل هذا إذا رأوا مديرهم في المقدمة، لا يكتفي بالحديث عن رغبته في التجديد فقط، بل بالقفز ـ فعلا ـ بالعمل إلى آفاق إبداعية من خلال المشروعات الجديدة التي يلح على وزارته لتنفيذها، نعم ستزيد هذه المشروعات من أعماله، ومتابعاته، ولكنها في الوقت نفسه ستزيد من حجم عطائه ونفعه لمجتمعه ووطنه، ذلك هو المدير الذي يحب عمله؛ حتى يصبح جزءا من كيانه، ورافدا من أكبير روافد سعادته، وسعادة من حوله، ونماء وطنه كله.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم