الجمعة 17 مايو 2024 / 09-ذو القعدة-1445

الشكاوى الكيدية.. خناجر في صدر الوطن



 

من أسوء ادعاءات (المواطنة الصالحة) الطعن في مواطن صالح وراء ظهره، لتحقيق مآرب شخصية، وتصفية حسابات خاصة، ومحاولة الظهور بأن ذلك العمل التعيس عمل جليل يبدو كبقرة بني إسرائيل، صفراء تسر الناظرين!!

ما أشدَّ خسارة الوطن إذا تفشت هذه الشكاوى الكيدية، التي استدبرت كل معاني النبل والشجاعة والعدل، وأقبلت بكل وقاحة الغيبة والنميمة والبهتان، بل والجرأة على إيهام من يستحقون التقدير والاحترام؛ بأباطيل ليس لها من الواقع حقيقة.

حين دخلت ـ أول مرة ـ مع وفود مهرجان الجنادرية للسلام على خادم الحرمين الشريفين قبل سنوات، لفتت نظري لوحة خضراء معلقة بحيث يراها من هم في صدر المجلس، أو من يخرجون منه، مكتوب عليها: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، وحين التفتُّ إلى الجهة الأخرى، وجدت نسخة أخرى منها تماما، وليس ثمة لوحة ثالثة في المجلس العامر بالملك والهيبة والخير.

وهو شأن ولاة أمورنا في التثبت والتبين، وتأديب من قد يتجرأ من بعض مرضى القلوب على أن يتصور بأنه يمكن أن ينال الحظوة عندهم والقربى إذا تحدث في عرض فلان، ونال من سمعة فلان، ونقل الأكاذيب عنهم بناء على وكالة: «سمعتهم قالوا!!»، وقد ورد: «بئس مطية الرجل زعموا».

وهو ما أقره مجلس الوزراء في اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية: «إذا ثبت لناظر القضية أن دعوى المدعي كيدية، حكم برد الدعوى، وله الحكم بتعزير المدعي بما يردعه».

ولا عجب من ذلك، فإن الشكوى الكيدية تكرس الظلم، وتؤطره رسميا، وتجعل الدعوى الباطلة وكأنها حقيقة قائمة، فيخفى الحق ويعلو الباطل؛ حتى يظن الكائد بأنه انتصر، وأنه استطاع أن يدلس على الحاكم أو القاضي، ويوهمه، حتى حكم له على صاحبه، وهذا رسولناـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» [صحيح].

والشكاوى الكيدية تشغل المسؤولين بالبحث والتقصي، وتشغل المحاكم والقضاة بالجلسات، وتهدر موارد الوطن وأوقات قياداته، وتتسبب في حرمانه من نتاج المخلصين، وتوقع من يقع في هذه الجريمة الكيدية في إثم عظيم أمام الله تعالى، ففي الحديث الصحيح: «اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».

ومن أسوأ ما قد تُصاب به بيئة العمل التي يفترض أنها تمثل وحدة واحدة، الصراعات الإدارية التي تُجيَّشُ فيها الفروق العلمية والاجتماعية، والطموحات الشخصية؛ لتكون حطبا للصراعات والخلافات، وقد يتطور الأمر فتنشأ الفتن والمؤامرات التي تربك منظومة العمل، حتى تعصف بها رياح التوتر، ويشعر الموظفون بانعدام الأمن الوظيفي، وخاصة إذا شعر المحترف للشكاوى الكيدية بأنه مصدق عند مسؤوليه بسبب كيده ومكره، مما يجعله يتمادى في تهديد الآخرين، والنيل من كرامتهم، وكل ذلك يترك أثرا سلبيا سيئا على الإنتاجية والأداء.

ومما رأيته من شأن الذين اعتادوا الاعتداء على أعراض الناس، اجتراؤهم على أن يكون لهم في كل مجلس حديثٌ ثعلبي، يُظهرون فيه النصح والإشفاق على العباد والبلاد، بينما يطوون في قلوبهم سكاكينَ تحتِربُ من الحقد والحسد والبغضاء المتراكمة عبر السنين، وغالبها إخفاقات منبهرة من نجاحات محسوديهم الفضلاء، وظنون صنعتها أيديهم المتلوثة بأعراض الأبرياء، ثم صدقتها عقولهم المعطلة من كل إنتاج ذي بال، ثم تعبدت بنشرها، بل والتضحية المذهلة من أجل إرغام الآخرين على تصديقها.

وكعادة المجرمين المحترفين النيروبيين، فإنهم يتفرجون بتشهي على الحريق الذي يضرمونه، ويحسون بالنصر الأجوف، والواقع الذي تخفيه ألسنتهم وتنطق به لغة أجسادهم، إنه لا شيء يحترق بعد ذلك مثل أجوافهم النتنة. {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

وعادة الله تعالى الكريم العدل، أن يظهر الحق ويزهق الباطل، وإن استمرأ هؤلاء حبك أحابيلهم {اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [سورة فاطر: 43].

ومضة:

قالت أعرابية لرجل تخاصمه: «خَفِ اللهَ، واعلم أن من ورائك حَكَمًا لا يحتاج المدَّعِي عنده إلى بينة».

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم