السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

السياحة التربوية .



تعد السياحة اليوم موردًا أساسيًا لكثير من دول العالم، ومعلمًا من معالم الحضارة الحديثة، وعنوانًا على تقدم الدولة، ومعيارًا من معايير رفاهية الإنسان المعاصر وجزءًا من ثقافته، بل أصبحت السياحة من أهم المؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، إذ بلغت عائداتها مئات المليارات من الدولارات، وعدد السائحين مئات الملايين من البشر.

والسياحة في اللغة مصدر من ساح يسيح سيحًا وسيحانًا: إذا جرى على وجه الأرض، ويقال: ساح في الأرض يسيح سياحة وسيوحًا وسيحانًا: أي ذهب، والسياحة الذهاب في الأرض للعبادة والتأمل في آثار قدرة الله عز وجل، قال ابن حجر: وحقيقة السياحة: ألا يقصد موضعًا بعينه يستقر فيه. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «وفسرت السياحة بالصيام، وفسرت بالسفر في طلب العلم، وفسرت بالجهاد، وفسرت بدوام الطاعة». وقال الشيخ بن سعدي: «والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات، كالحج والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك».

وتعرف السياحة بأنها نشاط يقوم به فرد أو أفراد يحدث عنه انتقالهم من مكان إلى آخر أو من بلد إلى آخر، بغرض أداء مهمة معينة أو زيارة مكان أو عدة أماكن معينة لأغراض مختلفة، ينتج عنها الاطلاع على حضارات وثقافات أخرى، وتكوين معلومات ومشاهدات جديدة، والالتقاء بشعوب وجنسيات متعددة، ويؤثر هذا النشاط تأثيرًا مباشرًا في الدخل القومي للدول السياحية، ويوجد فرص عمل عديدة وصناعات واستثمارات متعددة لخدمة النشاط السكاني، ويرتقي بمستوى أداء الشعوب وثقافتهم وينشر تاريخهم وحضاراتهم وانتقال عاداتهم وتقاليدهم.

وتتعدد أنواع السياحة اليوم ومن بينها: السياحة الثقافية، والعلاجية، وسياحة الاصطياف، والسياحة الشتوية، والرياضية، والاجتماعية، والترفيهية، وهناك السياحة الخارجية والسياحة الداخلية.

وفي ظل النمو السياحي المتزايد والتطور التربوي الحديث بدأت الهيئات والمنظمات السياحية تهتم بنوع جديد من أنواع السياحة، يكون الباعث الأساسي عليها الارتقاء بالمستوى التربوي والتعليمي للسائح، من خلال الالتقاء بالنخب التربوية والقيادات التعليمية في الدول، وزيارة المواقع والأماكن والمعالم التربوية والتعليمية الأثرية والحديثة، والتعرف على المظاهر والسلوكيات التربوية المتميزة لدى شعوب الدول الأخرى، وحضور بعض الفعاليات التربوية، مثل: المعارض العلمية، والمهرجانات التربوية، ويسمى هذا النوع من السياحة بالسياحة التربوية.

وتهدف السياحة التربوية إلى مجموعة من الأهداف السامية، تتمثل في اكتساب أو إكساب السائح معرفة علمية أصيلة واسعة، وتنمية مهارات تربوية فاعلة، وبناء اتجاهات نحو القيم المثلى من قنوات مختلفة، مثل: زيارة المكتبات العامة، وحضور المحاضرات والندوات الثقافية العامة، والأمسيات الشعرية، والمسابقات الثقافية المفيدة والمتنوعة، والمشاركة في الدورات التدريبية العلمية والثقافية في شتى مجالات المعرفة، وزيارة معارض الكتب وحضور ما يتخللها من ملتقيات ثقافية.

ويعد مشروع التربية السياحية (ابتسم) مشروعًا جديدًا ومبادرة رائدة لتحقيق هذا المفهوم التربوي الجديد، من خلال بناء شراكة حقيقية بين قطاعي وزارة التربية والتعليم والهيئة العليا للسياحة في المملكة العربية السعودية، تهدف إلى إعداد جيل يحمل مفاهيم وممارسات إيجابية نحو السياحة، عبر تعميق مفهوم السياحة القيمة في المجتمع التعليمي. وقد انبثقت فكرة المشروع من الرغبة الصادقة في تعميق مفهوم الثقافة السياحية لدى المجتمع. من خلال التركيز على المجتمع التعليمي وتحقيق التوعية الشاملة نحو فهم مقومات التفاعل بين أطراف السياحة، وذلك من خلال أنشطة وقواعد تحكم سلوك كل الأطراف.

وتتمثل جوانب الشراكة بين الوزارة والهيئة في جانب إجراء الدراسات والبحوث، بهدف بناء أطر علمية نظرية حول التربية السياحية، وجانب التعليم، بهدف تعزيز مفهوم التربية السياحية في التعليم العام، وجانب التدريب والتأهيل، بهدف بناء خبرة حول السياحة التربوية لدى المعلمين والمدربين ومنسوبي القطاع السياحي. ويمكن إجمال أهداف السياحة التربوية في الآتي:

– تعزيز الانتماء والولاء الوطني لدى الأفراد من خلال استشعار أهمية المكتسبات الوطنية، والاعتزاز بالمقومات السياحية ومظاهر الحضارة والأماكن التاريخية في الدولة والمحافظة عليها.

– تعميق مفاهيم التربية السياحية لدى أفراد المجتمع، بما يمكنهم من تطبيق وممارسة السلوكيات السياحية الإيجابية لهم وللآخرين.

– غرس ثقافة العمل السياحي لدى النشء بما يسهم في توطين ثقافة العمل في قطاع السياحة لديه.
– تشجيع مبدأ احترام وفهم وقبول الآخر.
– تنمية وتعزيز ثقافة مشتركة للوصول إلى مفاهيم إيجابية بين السائح والمستضيف.
– تنمية حب الاكتشاف والتعلم وتطوير الذات من خلال التفاعل الإيجابي مع الآخرين.
– تدعيم الرسالة الاتصالية لمفاهيم السياحة في المجتمع من خلال تقديم نماذج حية من أطراف السياحة الرئيسة (السائح، المستقبل، المكان، والبرنامج السياحي).
– تفعيل مشاركة الأسرة من خلال نقل المفاهيم السياحية إليها عبر الطلاب باستثمار الوسائل التدريبية والتوعوية المناسبة.
– تحقيق درجة عالية من التفاعل الإيجابي من جانب الطلاب وأسرهم مع مفاهيم الثقافة السياحية وترسيخ مقوماتها لتصبح جزءًا من الثقافة الاجتماعية المتداولة.

وتعد الأردن من أوائل الدول العربية التي صاغت استراتيجية ناجحة لاستثمار السياحة التربوية لتفعيل السياحة، وقد تم الإعلان عن هذه الاستراتيجية من قبل ملك الأردن خلال أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في البحر الميت في شهر أيار من عام 2004م، مما أعطى مؤشرًا قويًا وثقة عالية بالمنتج السياحي الأردني. فالترويج للسياحة التعليمية في الأردن يعني الترويج للتطور الحاصل في ميدان التعليم العالي والبحث العلمي، ومدى جدية وفاعلية وكفاءة الكادر التعليمي المثابر، ومواكبة المناهج الأكاديمية لتكنولوجيا المعلومات والتقدم في مختلف الاختصاصات العلمية والإنسانية.

أخيرًا، بلادنا المملكة العربية السعودية أرض الحرمين وقبلة المسلمين ومنطلق الرسالة المحمدية وملتقى الحضارات والحوارات، جديرة بتحقيق تطور تربوي في مجال السياحة التربوية، تحقق من خلالها رسالتها النبيلة في نشر قيمها الإسلامية ومبادئها العربية وأهدافها التربوية.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم