الثلاثاء 30 أبريل 2024 / 21-شوال-1445

السنة الهجرية وابن تيمية



 

 

كأني البارحة أمسكت بالقلم لأكتب لكم عن السنة الماضية، وها هي السنة الهجرية الجديدة (1445) قد بدأت معلنة عن انطلاق رحلتها، فما أسرع ما تنقضي الأيام، وما أسرع ما تمضي السنون، والذي يبقى منها إما الذكرى أو الأثر.

لقد أصبحنا نشعر بالسنة كأنها شهر من أعمارنا! وصارت الحياة تجري أسرع مما عهدناها؟! والبعض يزعم أن ذلك يسمى (نسبية الزمن). وربما كلما تقدم العمر بالإنسان صار يشعر بالوقت يركض ركضا على عجل. وأعتقد أن كل ما ذكرت هو مجتمع مع بعضه البعض ليؤثر في إحساسنا بالوقت. أضف إلى ذلك، أنه جاء في الحديث النبوي ما يؤكد على هذا المفهوم حيث قال عليه الصلاة والسلام: «لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يتقارَبَ الزَّمانُ فتكونَ السَّنةُ كالشَّهرِ، ويكونَ الشَّهرُ كالجُمعةِ، وتكونَ الجُمعةُ كاليومِ، ويكونَ اليومُ كالسَّاعةِ، وتكونَ السَّاعةُ كاحتراقِ السَّعَفةِ أو الخُوصةِ».

ولكن في المقابل مع هذه السرعة التي تجري بها الأيام سنجد أن الذي حقق بعضا من مراده أو أهدافه من السنة التي خلت هو أكثر ارتياحا من غيره لأنه يعتقد أن ما فات لم يذهب سدى ولا هدرا، بل كان فيه بعض من الإنجازات، وهذا يخفف عن النفس اللوم أو الحسرة (إن وجدت!) على ما قد مضى من انقضاء الأعمار والأوقات.

والحقيقة أنه مهما تمتعنا بأوقاتنا، فإن النفع المتعدي، والأثر الذي نترك، وفعل الخير الذي نقوم به هو الذي سيبقى لنا، وما سوى ذلك هدر وضياع. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، قالَ: تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها، أوْ تَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قالَ: والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». فما بالك حين تطلع علينا الشمس لسنة كاملة قادمة (354 يوما تقريبا)؟ بدون بصمة أو أثر أو صدقة ظاهرة أو خفية!

وهذا الموضوع يقودنا إلى سؤال مُلح ومتكرر ألا وهو هل لابد أن نضع أهدافا لهذه السنة الجديدة ولكل سنة؟ أم أن المسألة نافلة وترف لا داعي له؟ والجواب، أنه (بلا أدنى شك) لابد من كتابة الأهداف، بغض النظر عما إذا كنت سوف تنجزها أم لا؟ إن مجرد كتابتها هو حافز ودافع بحد ذاته حتى لو فقدنا العزيمة أو ضعفت الهمة في بداية الطريق أو حتى في منتصفه. ففكرة كتابة الأهداف ضرورية جدا حتى لو كانت حبرا على ورق؟! ولعلكم سمعتم الكثير عن التخطيط وكتابة الأهداف، ولست ها هنا أحاول أن أثبت لكم شيئا من ذلك! ولكن كتابتها هو خير ألف مرة من عدم تدوينها. ولا يُصدنك الخوف من عدم التطبيق أو التكاسل عن التنفيذ، فالمطلوب في هذه المرحلة هو اتخاذ الخطوة الأولى نحو الألف ميل.

الأمر الآخر، لا يغرنك قول البعض: من لم تكن له بداية محرقة، لم تكن له نهاية مشرقة! فابن تيمية مثلا يخالف ذلك القول المشهور حيث رُوي عنه أنه قال: الاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية. إذن المهم أنك تعرف ما تريد، وفي أي طريق أنت تسير، وأما بقية الحكاية، فهي مجرد تفاصيل تستطيع أن ترسمها بالطريقة التي تناسب قدراتك وإمكانياتك.

وقبل الختام، لعلي أنوّه إلى أني أميل شخصيا إلى كتابة الأهداف السنوية والشخصية مع بداية السنة الهجرية لا الميلادية لما تمثل فكرة (الهجرة) لبداية جديدة، وعصر حديث، وفجر قادم. وهي أيضا أكثر ارتباطا بجذور الدين، واللغة والأرض.

———————————————————–

بقلم أ. عبدالله الغنام

المصدر : صحيفة اليوم ( السعودية )

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم