السبت 11 مايو 2024 / 03-ذو القعدة-1445

السرقة مشكلة تربوية



السرقة، سلوك يعبر عن حاجة نفسية ، ويمكن التعرف إلى هذا السلوك فى ضوء دراسة شخصية الطفل وطرق تكوينها ، فربما كانت السرقة وسيلة لاثبات الذات ، وربما كانت تعبيرا عن ميل للتملك والاستمتاع بالقوة ، وقد تكون صورة من صور الاضطراب النفسى.
فى السنوات الأولى من حياة الطفل ، حتى سن الخامسة ، قد يحصل الطفل على أشياء لا تخصه ، أي أشياء يملكها غيره ، لكنه حين يفعل ذلك ، يفعله بشكل عفوى ، وعادة ما يكون سبب ذلك ، أن نضج الطفل العقلى والاجتماعى اللذين يجعلانه يميز بين الملكية العامة والملكية الخاصة لم يتحققا بعد. وسلوك الطفل فى هذه الحالة قد لا يزعجنا كوالدين ومربين .
ولكن السرقة كسلوك مرضى لا يظهر على الأطفال إلا بعد سن الخامسة ، وعادة ما يسبب قلقاً شديداً للآباء والمعلمين الذين يتعاملون مع الطفل.

دوافع السرقة عند الأطفال :
هناك دوافع كثيرة ومختلفة ، وعندما نعالج أية حالة من حالات السرقة يجب أن نتعرف إلى الهدف الذى من أجله استولى الطفل على ما لا يخصه.
ويمكن أن نلخص دوافع السرقة فيما يأتى :
–    قد يكون الدافع إلى السرقة جهل الطفل لمعنى الملكية الخاصة ، وغياب مفهوم احترام ملكية الآخرين ، أي أن نموه لم يمكنه بعد من التمييز بين ما يملكه وما لا يملكه ، كما أنه قد لا يفهم أن أخذ أشياء غيره أمر سيحاسب عليه، ومثل هذا الطفل لا يمكننا أن نعده سارقاً ، ويكفى لكى نعوده على سلوك الأمانة، أن ننمى فكرته عن الملكية ، وذلك بأن نجعل له أدوات خاصة يتناول بها الطعام مثلاً ، أو مقعداً خاصاً ، وطبقاً خاصاً ، وأقلاماً خاصة …. الخ.

–    وقد يكون الدافع إلى السرقة حرمان الطفل من أشياء ليس مقدوره الحصول عليها ، فيشعر بحاجة ملحة أو رغبة فى الاستيلاء عليها… فيدفعه هذا إلى سرقة النقود لشراء هذه الأشياء.
–    وربما يكون الدافع للسرقة ، الرغبة فى حصول الطفل على مركز مرموق بين أقرانه ، فقد يسرق طفل للتفاخر بما لديه أو ليقصده زملاؤه فيعطيهم مما سرق ، ومثل هذا الطفل يعانى عادة من شعور شديد بالنقص. وقد يكون سبب السرقة لدى بعض الأطفال هو تقليد اقرانهم فى البيئة التى يعيشون معا فيها.
–    وقد يسرق بعض الأطفال لشغل وقت الفراغ ، فيسرق الطفل نقوداً من المنزل للذهاب إلى الأماكن العامة ومصاحبة أقران السوء من زملائه. ويحدث ذلك عادة للأطفال الذين يعيشون فى جو أسرى مضطرب لا يتصف بالأمن والطمأنينة ومن ثم تنعدم فى هذا الجو الأسرى الرقابة من أحد الوالدين أوكليهما.
–    ويمكن أن يلجأ الطفل إلى السرقة فى الأسر التى تعودت فيها الأم على الاحتفاظ بكل شئ مغلق وبعيد عن متناول الأطفال ، وهذه السرقات تعبر عن رغبة الطفل فى الاستطلاع والمعرفة والوصول إلى ما تحتويه الأماكن المغلقة لإشباع فضوله ، فإذا عوقب على هذه الأفعال فقد يستمر فى سرقة بعض الأشياء للانتقام من الأم وقسوتها ، وهنا نقول أن الدافع إلى السرقة الانتقام.
–    وقد يكون الدافع إلى السرقة إشباع ميل أو عاطفة أو هواية ، كميل الطفل إلى ركوب الدراجات،أو شراء ما يلزمه لممارسة هواية خاصة.
–    وقد يتولد الدافع إلى السرقة نتيجة نشأة الطفل فى أسرة متصدعة أو منطقة موبوءة ، عودته على السرقة والاعتداء على ممتلكات الآخرين، وتشعره السرقة عادة بنوع من القوة ونشوة الانتصار وتقدير الذات، لأن بامكانه الافلات من العقوبة.
–    وقد يكون وراء السرقة أيضا الضعف العقلى أو انخفاض الذكاء ، كأن يقع الطفل تحت سيطرة أولاد أذكياء من أقرانه يوجهونه إلى السرقة ويشجعونه عليها ويزينون له سهولة الفعل وغياب العقاب ، – وقد يسرق الطفل لأنه مريض بمرض نفسى أو عقلى.
من ذلك يتبين لنا أن أهم الدوافع التى تدفع الأطفال إلى السرقة ترجع إلى أسباب مختلفة أهمها الأسباب الانتقامية ، الاقتنائية ، الاندفاعية ، العلاقاتية، الاكتئابية ، التعويضية ، أو الأسباب المرضية.
بعض ردود أفعال الآباء الخاطئة :

كثيراً ما تصدر عن الآباء عندما يكتشفون أن ابنهم قد سرق شيئاً ما ردود أفعال متباينة خاطئة يمكن تلخيصها فيما يأتي :
–    حالة من الذعر تنتابهم عندما يفاجأون بمثل هذا العمل ، ثم تجسيمهم للأمر ، وتصورهم أن ما وقع هو كارثة كبرى.
–    كثرة العقوبات : صحيح أن مبدأ العقاب ليس سيئاً فى ذاته ، فالطفل يتقبل فكرة أنه يستحق عقوبة تتناسب مع الخطأ الذى ارتكبه ، ولكن يجب ألا نبالغ فى عقابه إلى حد أن نبطش به ، والا فإننا ربما ايقظنا فى الطفل تلك النوازع الداخلية التى حفزته إلى السرقة.
–    قد تلجأ بعد الأمهات (أو المدرسات) إلى العقوبة التى تنال من كرامة الطفل ، كأن تجبر الطفل على الاعتراف بجرمه ثم عقابه أمام أفراد الأسرة وهم مجتمعون أو أمام التلاميذ فى الفصل .. الخ.
–    قد يغفر الآباء للأبناء أخطاءهم. بل أكثر من ذلك قد يمتدحون الطريقة التى سرق بها الأبناء ويصفونها “بالمهارة” والذكاء.

الوقايـة والعــلاج :
أولاً : على الوالدين أن يجتنبنا الاندفاع إلى اشعار الطفل بسوء ظنهما فيه وتخوفهما منه ، وعدم ثقتهما فى تصرفاته ، كأن يقفلا جميع الإدراج مثلا بالمفتاح. أو أن يسرفا – فى الوقت نفسه – فى الثقة بالطفل ، كأن يتركا مبالغ كبيرة من النقود ملقاة هنا وهناك فى متناول يده فإن هذا اغراء له بالسرقة.
فإذا وقعت السرقة فيجب إلا يخفيا على الطفل علمهما بها ، ولكن لا على أنها “سرقة” بل على أنها “خطأ” وقع لا أكثر ، فلا يغلطا له القول ، أو يذكراه من حين لآخر بما صنع ، بل عليهما أن يجعلاه يشعر بأنه مازال يحتفظ بثقتهما به.
ثانياً: على الوالدين أن يواجها الموقف على حقيقته ، وذلك بأن يتحدثا إلى الطفل بصراحة ، فكلما كنا صريحين معه ، ازداد فهما لما نقول ، وكلما احس بذلك استراح ، واطمأن للكبير الذى يناقشه.
ثالثاً : على الوالدين افهام الطفل حقوقه وواجباته ، وأن هناك أشياء من حقه الحصول عليها وأشياء ليست من حقه ، ويجب إلا تمتد يده إليها ، بالإضافة إلى إرشاده إلى الطريق الذى يجب أن يسلكه فى المستقبل. وينصح علماء الصحة النفسية أن نروى للطفل القصص الشائقة عن السرقة واللصوص، وما يلقونه من عقاب ، وسوء معاملة ونهاية سيئة ، بينما يكون جزاء الأمانة الشعور بالسعادة وتلقى المكافأة ورضا المجتمع وتقديره.
رابعاً : على المربين أن يدرسوا كل حالة على حدة ، وبمعزل عن غيرها من الحالات. فهناك أولاد يسرقون لأنهم ضحية قدوة سيئة ، قد تكون فى عائلاتهم ذاتها.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم