السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

الدفــاع عن الأوطــان فِطْرَةٌ وإيمــان



مقدمــة: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله منّ على الطائعين بمحبته ومعيته، ومنح العاصين ستره بكمال رحمته، وقصم ظهور الظالمين بقوة جبروته وعظمته، الحمد لله ولا يحمد على مكروه سواه. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له: لا شريك له في ملكه، لا شريك معه في قدرته وإرادته، سبحانه سبحانه؛ هو عزّ كل ذليل، وهو قوة كل ضعيف، وهو غوث كل ملهوف، وهو ناصر كل مظلوم. قال في كتابه وهو أصدق القائلين: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].

وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا وشفيعنا وقائدنا وسائدنا ورائدنا محمدا عبدالله ورسوله، هو .. مَن هُو؟!! صفي القلب، نقي الفؤاد، طيب المنشأ، كريم العِشْرَة، أسلم الناس صدرًا، وأزكاهم نفسًا، وأعطرهم -إن شممت منه ريحا كان- مِسْكًا، وأحسنهم بحكمة ربه سلوكًا وخُلُقًا، قال عنه ربه في أصدق بيان وأحكم تنزيل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].. أمـا بعـد: فحيّاكم الله تعالى أيها الأخوة المسلمون الأحباب: طبتم وطاب ممشاكم، وتبوّأتم من الجنّة منزلاً ومقعدًا، فها نحن اليوم نلتقي مع موضوع في غاية الأهمية، ويأتيكم تحت عنوان:

الدفــاع عن الأوطــان فِطْرَةٌ وإيمــان

 

فإنّه لمّا قلّت محبة الأوطان في قلوب بعض الناس؛ لأسباب متعددة، كان لا بدّ أن نوضح الحقيقة الكبرى في حب الوطن وقضية الدفاع عنه، والذّود عن حياضِه، فتعالوْا بنا لنقف مع هذا الموضوع حول العناصر التالية:

أولاً: فطرية حبّ الأوطان

ثانيًا: الإسلام والوطنية

ثالثًا: مصرنا في القرآن وعبر التاريخ

رابعًا: صور من الدفاع عن الوطن………… فلنتعلّم من رسول الله!!

***

 

أولاً: فطرية حُبّ الأوْطَــان:

إنّ الوطن للإنسان بيته وحياته، وبمراجعة حياة البشر وغير البشر يلاحَظ أنّ حُبّ الأوطان فطرة مركوزة في المخلوقات؛ فالحيوانات تحنّ أوكارها، والطيور تئنّ إذا غادرت عُشّها، كذلك الإنسان الذي كرّمه ربُّه يحنّ بحكم الفطرة إلى بلده ووطنه الذي وُلِد فيه ونشأ على أرضه.

 

ودعونا نستذكر هذا الموقف الرائع للنبي الحبيب صلى الله عليه وسلّم يوم أجبره قومه –حربًا على دعوته- على ترك الوطن الذي تربّى فيه وعاش على أرضه، ماذا صنع؟

لقد تصرّف بطبيعة الفطرة البشريّة فوقف يتأسّف على خروجه من بلده؛ فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْحَزْوَرَةِ، يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» قال الإمام الحاكم في المستدرك: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».

فكلامه صلى الله عليه ليس بطبيعة النبوّة والرّسالة؛ ولكن بطبيعة البشريّ الذي عاش في أرضه وأحبّهَا وعشق ترابَهَا وحزن لفراقها حزنًا كبيرًا..

 

وانظر أخي المسلم إلى هذا التعبير القرآني الرائع، يقول تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5]، ماذا تعني هنا كراهة فريق من المؤمنين الخروج من البيت والدار والوطن والأرض؟ لا تعني إلا أن الفطرة تأبي الهجرة من أرضها ووطنها إلا لظروف قاسية!!

فحبّ الوطن فطرة في النفس، والإنسان يتعلق بالأرض التي عاش عليها، وأَلِف أهلها؛ لأنها تحمل ذكرياته، كما قال الشاعر:

 

وحبّب أوطان الرجال إليهم *** مآرب قضاها الشباب هنالك

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم *** عهود الصبا فحنوا لذلك.

 

 

ثانيًا: الإسلام والوطنيّة:

إنّ وجود الوطن في حدّ ذاته نعمة من نعم الله على عباده، كما أنّ العقوبة بالنفي والطرد والتهجير من الوطن عقوبة ونقمة شديدة على الإنسان أيًّا كان!!

إنّ الدين الإسلاميّ لا يستنكر ولا يرفض حب الوطن، وأن يعيش الإنسان محبًّا لبلده؛ بل وجدناه يشجع أيّما تشجيع على حبّ الأوطان ويخلّد ذكر المحبين لأوطانهم؛ فهذا بلال لم يُعرف في تاريخ الإسلام إلا بنسبته إلى وطنه: بلال الحبشي، وصهيب الروميّ، وسلمان الفارسيّ، والطفيل الدوسيّ، فقد ظلّ كل هؤلاء بنسبتهم إلى أوطانه، ظل بلال حبشيًّا، وصهيب روميًّا، وسلمان فارسيًّا، والطفيل دوسيًّا، لكنهم ما نَسَوْا انتماءهم الأساس والأعظم إلى رسالة الإسلام، وما يتعارض هذا مع ذاك، وما طُلِب منهم لإثبات وطنيتهم للبلد الجديد أن يتنازلوا عن جنسيتهم الأصليّة!!

 

وقد جعل الإسلام حب الأوطان من الإيمان، وإن لم يصح القول: (بأن حب الوطن من الإيمان) إلا أنّ معناه صحيح جدًّا؛ ويؤكّده تطبيق النبي وأصحابه الكرام يوم أُخْرِجُوا من مكة، وهاجروا –قسوةً من أهل مكة، وبحثًا عن أرض جديدة للدعوة- إلى المدينة..

ولقد كان أشد البلاء على النبي وأصحابه الاضطهاد في مكة وترك الوطن الذي عاشوا فيه!!

 

وقد روى البخاري في صحيحه مما يدلل على مشروعية الشوق للوطن والحنين إليه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قدم من سفر فرأى دُرجات المدينة -وطنه الذي ناصره وأيّده- أوضع ناقته، أي أسرع بها. قال ابن حجر في فتح الباري: [فيه دلالة على مشروعية حب الوطن، والحنين إليه].

 

وإذا كان الإسلام يشجع على حب الوطن؛ فإنّه يوجب الدفاع عن الأوطان، ولذا شُرِع الجهـاد في سبيل الله تعالى؛ دفاعًا عن الدين والأهل والوطن والأرض والعِرْض، وجُعِلَ من مات أو قُتِل في سبيل نُصْرة الحق ونُصرة إسلامه ووطنه شهيدًا في سبيل الله تعالى؛ ففي الحديث، كما عند أحمد في المسند والحديث صحيح «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد». ولذا فإنّ من جملة الإيمان الدفاع عن الوطن واسترداد الحقوق فيه وله، ففي الحديث أيضًا كما روى أحمد والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون مَظْلَمته فهو شهيد» والحديث صحيح.

 

 

ومسألة حب الوطن فيها تفصيل: “فإن قصد به الحنين الفطريّ إليه باعتباره شهد ذكريات الطفولة والشباب فهو مباح ما لم يدفع إلى معصية أو يقعد عن واجب، وإن قصد به العمل على تحريره من أيدي مغتصبيه إن كان محتلا من الكفار فهو واجب، وإن قصد به بر أبناء وطنه باعتبارهم جيرانه وأقاربه فهو مشروع، وأما إن قصد به جعل الوطن محورًا للولاء والبراء والعصبية الجاهلية بحيث يكون ذلك سببًا في قطيعة الإنسانية، وبحيث يوالي أهل وطنه ولو كانوا كفارًا أو فساقًا ويعادي الغرباء عن وطنه ولو كانوا مؤمنين صالحين فهي عصبية جاهلية منتنة محرمة”.

 

 

ثالثًا: مِصْرُنا في القرآن وعبر التاريخ:

وتبقى مصر في قلب الأوطان التي ينبغي أن تُحَبّ؛ فإذا كانت مكة والمدينة من البلاد التي يجب على المسلم أن يحبّها ويشتاق إليها، فإنّ مصرنا بلد الله في أرضه جعلها لنا كمصريين نعيش على أرضها، ويؤمّن أهلها؛ لما لها من فضل كبير في القرآن الكريم، وفي السنة، وعبر التاريخ البشري القديم والحديث.

فمصر موطن صحابة كُثُر رآهم الناس وعاصروهم في بلادنا.

وهي أرض للأنبياء والصحابة والصالحين سكنوها.

كما أنها بلد العلم والعلماء؛ ففيها الليث والشافعي وغيرهما.

وهي بلد قهرت الغزاة والطامعين والطغاة، فأين الهكسوس، والفراعنة والطغاة السابقين؟!!

وهي بلدٌ نصرت المقدسات والأراضي المغتصبة، فهل تستذكرون صلاح الدين، وسيف الدين قطز؟

كما أنّ مصر هي بلد الأمن والأمان؛ بقول ربنا في شأنها: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]. ومصر ليست ترابًا وَطِينًا فحسب؛ بل هي حِمى العقيدة والدّين وتحقيق كرامة الإنسانية…

 

 

إنها مصر:

مصر الوارد ذكرها في القرآن الكريم صراحة وتعريضًا مرات عديدة؛ فلم يُذكر اسمها فقط؛ بل ذكر أشخاص منها، وأماكن، وأشياء، وخلافه.. كما عُبر عنها في القرآن بلفظ (الأرض)؛ وما ذلك إلا لعلوّ شأنها ورِفْعة مكانتها…

مصر التي قضى الله فيها على فرعون الطاغية الظالم بالغرق والهلاك..

مصر التي سجنت يوسف عليه السلام، لكنه خرج ليحميها ويدافع عنها ويحقق لها الرخاء والاستقرار..

مصر التي حمت موسى وعيسى وآوت الصالحين والمصلحين دهرًا من الزّمان…

مصر بوابة الانتصار لبيت المقدس وتحرير الأقصى كما حدث في زمن صلاح الدين الأيوبي…

 

 

وحبّ مصر الوطن:

ليس كلمات تقال، ولا شعارات تُرفع فحسب؛ بل هي تطبيق وسلوك وعمل، يقول أهل الأدب: “إذا أردت أن تعرف الرجل: فانظر كيف تحننه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه”؛ فالوطنية عقيدة فكرية يجب غرسها في نفوس أبنائنا وبناتنا، وليست مجرد مادة تُدَرّس أو احتفالات ومهرجانات تُصنع!!

فكيف يكون حبّ الوطن؟

وكيف تُبْنى الأوطان؟

وما هي بعض صور الدفاع عن مصر وأوطان المسلمين؟!!

 

 

رابعًا: صور من الدفاع عن الوطن

لقد تعدّدت صور الدفاع عن الأوطان في رحاب القرآن والسنة والسيرة، لكني أخصّ اليوم حديثًا خاصًّا عن منهجية النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه في الدفاع عن الأوطان وحمايتها؛ فإنّ خير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم..

تعالوْا لنستذكر ماذا صنع رسول الله يوم وصل إلى الوطن الجديد وأراد حمايته والدفاع عنه؟

لقد وصل يوم وصل والعيون ترقبه، والآذان تسمع كلماته، لكن الناس تسمع بأعينها لا بآذانها فحسب؛ فوجدوه عليه الصلاة والسلام قائدًا حكيمًا، فبنى المسجد أوّل الأمر، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم عقد المعاهدة المشتهرة في السير (بمعاهدة المدينة) ووثّق الدستور الأول الحامي للحقوق والمقِرّ للواجبات والمؤسّس للدولة الآمنة التي يحميها جميع أبنائها، القائمة على الحب والود والتعاون المشترك…

 

تلك إجراءات اتخذها رسول الله ليؤسس ويبنيَ وطنًا آمنًا، لا يقلقه العنف، ولا التوترات، فمسجد، ومؤاخاة، ودستور يحمي الحقوق ويعظّم من كرامة الإنسان أسس ومرتكزات لبناء وطن عظيم!!

ونستفيد من صنيع النبي، من صور الدفاع عن الوطن وبنائه ما يأتي:

 

أولا: الاستثمار الحقيقي في الوطن يكون ببناء الإنسان أولاً، عقيدة وثقافة وفكرًا وأخلاقًا واقتصادًا؛ فالإنسان هو أول ركن رئيس في أي خطة للبناء في البلدان والأوطان وكما يقولون: (بناء الإنسان مقدّم على بناء العمران)؛ فهو أساس التقدّم، وهو عمود الرقيّ، وهو ركن التحضّر، والله كرّمه، فكيف نهينه ونمتهن كرامته لمجرّد الاختلاف في الرأي أو الفكر أو حتى العقيدة والدين، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].. كما حرّم الإسلام الاعتداء على دين الإنسان، وماله، ونفسه، وعِرْضِه، وبدنِه، وأرضِه، وعقلِه، وحريتِه…

 

ثانيًا: توحيد الصفّ المجتمعي لا تقسيمه وتشتيته والتصالح لا التنازع: فإنّ المجتمع الذي يتمزّق فيه عُرى الأخوة والوحدة يكون عُرْضَةً للعنف والشتات والتدخل الخارجيّ؛ فلا بدّ من وحدة الصفّ بين أبناء المجتمع الواحد كما فعل النبي في أوّل مقدمِه إلى المدينة؛ آخى بين المسلم والمسلم أخوة إنسانية ووطنية وإسلامية، كما آخى بين المسلم وغير المسلم أخوة إنسانية ووطنيّة، فاستطاع أن يحفظ الوطن في أوّل عهد تأسيسه، يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول –كما ثبت في صحيح مسلم من حديث النعمان-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».. فكونوا جميعًا إذا اعترى خطبٌ ولا تتفرّقوا آحادًا؛ تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرًا وإذا تفرّقت تكسّرت أفرادًا..

 

ثالثًا: حماية الوطن من الأفكار المغشوشة والشائعات المغرِضَة والأخلاق الفاسدة: فما يقوم به البعض من تسويق الشبهات عن الإسلام وعن الوطن، والذين يتعرّضون للثوابت الدينية بحجة التطوير والتجديد، يجب أن يتم حماية المجتمع من سمومهم وإلا فنحن بهذا الشكل تعمل على تخريج أجيال مشوّهة مهزوزة في قيمها وثوابتها، «فالنفوس المهزوزة والأيدي المرتعشة لا تقوى على البناء» كما قال الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى. فليس من مصلحة المجتمع انتشار الفواحش والأخلاق الفاسدة والميوعة القاتلة للشباب والبنات، فكيف تُبنى المجتمعات بأيدي ونفوس مريضة أخلاقيًّا، هي لا تثبت أمام الشهوات، فكيف تثبت أمام الأعداء وأمام مخططاتهم؟!! فلا بد من معاقبة المفسدين، والمجرمين، ولا بد من محاسبة الذين يبثون الفواحش والآثام في المجتمع.

 

رابعًا: الدفاع المباشِر ضد العدوّ الغادِر: الذي يريد أن يتمدّد فوق أرضنا وأوطاننا بجيوشه وأسلحته؛ فالصهاينة الذين يعملون الآن وبجدّ على محاولة هدْم المسجد الأقصى، ويُكْثِرون من بناء مستوطناتهم الحقيرة في أرض فلسطين يهدّد أمننا بالتأكيد، وينبغي أن يتوحّد أبناء المجتمع المصري وأبناء الشعوب العربية جميعًا ضد هذا العدوّ الذي من مصلحته بالتأكيد تمزّ ق الأمم والشعوب العربية والإسلامية خاصّة.. ولذا فإنّ من قُتِل ومن مات دفاعًا بالسلاح عن أرضه ضد الأعداء الغادرين فهو شهيد في سبيل الله تعالى، فحمل السلاح لا يكون إلا في وجه عدوّ مخادِعٍ يريد تدمير الأوطان، وهذا ما يجب أن يفهمه الناس ويُجْمِع عليه الجميع، ولا ينبغي فتح أبواب بلادنا لمثل هؤلاء الأعداء، ولعلّنا نذكر ما فعله النبي صلى الله عليه وسلّم مع يهود بني قريظة يوم غدروا بالإنسانية قبل غدرهم بالدين، ففعل بهم ما فعلوا!!..

 

خامسًا: الحِرص على المصالح العامة الكلية، لا المصالح الخاصّة الجزئيّة: إنّ من أهم طرق ووسائل الدفاع عن الوطن وبنائه بناءً صحيحًا أن يعمل جميع أبناء المجتمع من أجل رفعة المصالح المشتركة العامة، ولا يتم تغليب مصالح حزبية أو قبلية ضيقة، لا تُسْمِن ولا تغني!! ومن الحرص على المصالح العامّة: حسن الإدارة والإرادة؛ وذلك بتوظيف الكفاءات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ» ذكره الإمام الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».

 

سادسًا: نشر الأمن والأمان وبث الأمل بين نفوس أبناء المجتمع: وهذا دور جميع أبناء المجتمع!! من المستفيد من الرعب الذي يملأ قلوب المصريين جميعًا؟ من المستفيد من ترويع الآمنين في بيوتهم، ومصادرة أموالهم، والاعتداء على حرياتهم؟ إن كل هذا يصب في خانة أعداء الأمّة!! فلا بدّ من نشر الأمن وبث الأمل، وتثقيف الناس جميعًا بأن من وراء الشدة يأتي الفرَج القريب، وأنّ مع العُسْر يأتي اليُسْر، وصدق الله إذ يقول: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، ويقول عزّ وجلّ لنبيه موسى وهو في مصر: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87] فأمره ربُّه ببث الأمان بجعل بيوت المصريين قبلة لمن أراد الأمان، وأمره كذلك ببث البشرى والأمل.. ومن بث الأمل إزالة الضرر عن الناس في المجتمع، فالمسلم الحقيقي -كما ثبت- هو من سلِم الناس من لسانه وأذاه!!

 

 

أقول هذا الكلام؛ لأنّ الأُمم لا تبنى باليأس، ولا تتقدم بالتشاؤم، ولا تنافس غيرها ببث الخوف والرعب بين المنسوبين أو الزائرين للمجتمع..

وهذا قليلٌ من كثير لمن أراد الدفاع عن الأوطان وحمايتها، فحمايتها من الداخل مقدمة لحمايتها من الخارج، ولنصلح ما بأنفسنا ليصلِح الله لنا حالنا، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]..

تقبّل الله منا ومنكم وشكر الله لكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ… فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين…

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم