الجمعة 03 مايو 2024 / 24-شوال-1445

الاهتمام لقبول العمل وحسن الخاتمة



 

فِي مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ أَعْمَالٌ صَالِحَاتٌ، تَعْظُمُ بِهَا الْبَرَكَاتُ، وَتَكْثُرُ فِيهَا الْحَسَنَاتُ، وتكفر بها السيئات, وَيَتَسَابَقُ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى الدخول في ميدانها، والتنافس في مضمارها, وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ الطاعات والقربات, هُوَ الْقَبُولُ عند المولى جل جلاله، فَإِذَا قُبِلَ الْعَمَلُ منك يا عبدالله وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا نَفَعَك أيما نفع، وَإِذَا رُدَّ الْعَمَلُ على صاحبه لَمْ يَنْفَعْه وَلَوْ كَانَ العمل كَثِيرًا, نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يتقبل منا طاعاتنا وعباداتنا, وألا يردنا خائبين ولا عن باب جوده مطرودين.


قَبِلَ ربنا تبارك وتَعَالَى عَمَلَ بِغَيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ, سَقَتْ يوماً كَلْبًا بِمُوْقِهَا فَغَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، بَيْنَمَا سُحِبَ ثَلَاثَةٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ-والعياذ بالله- رَغْمَ أَنَّ أَحَدَهُمْ قُتِلَ فِي الْجِهَادِ، وَالثَّانِي أَمْضَى حَيَاتَهُ فِي الْعِلْمِ، وَالثَّالِثَ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي كُلِّ وُجُوهِ الْبِرِّ؛ ذَلِكَ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ عند الله لِفَقْدِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا. فيا حسرتاه, وياخجلتاه, لو ردت علينا أعمالنا بسبب تفريطنا أو معاصينا.


مَنْ أمعن النظر فِي الْقُرْآنِ العظيم وَجَدَ أَنَّ قَبُولَ الأعمال من العبد قَدْ حُصِرَ فِي التَّقْوَى, قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. أي « من يَتَّقِي الْأَشْيَاءَ، فَلَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ».


وقال بعض العارفين: «تَنَزَّهُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَلَالِ, مَخَافَةَ أَنْ يَقَعُوا فِي الْحَرَامِ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّقِينَ».

 


مَنْ عَمِلَ الْحَسَنَةَ فإنه يَحْتَاجُ معها إِلَى الخَوْفِ من أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:


أَوَّلُهَا: خَوْفُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.


وَالثَّانِي: خَوْفُ الرِّيَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.


وَالثَّالِثُ: خَوْفُ التَّسْلِيمِ وَالْحِفْظِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾, فَاشْتَرَطَ الْمَجِيءَ بِهَا إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ.


وَالرَّابِعُ: خَوْفُ الْخِذْلَانِ فِي الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُوَفَّقُ لَهَا أَمْ لَا؟؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾».

 


أينا ذلك العبد الذي اهتم بقبول أعماله وأقواله, فحافظ على تقوى ربه,( ونهى النفس عن الهوى), فله في هذه الدنيا واد, وللناس واد آخر. إنه يسير في وادي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.


لَقَدْ حَمَلَ الصَّالِحُونَ هَمَّ الْقَبُولِ أَكْثَرَ مِنْ هَمِّ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْ كَسْبِهِمْ, وَلَكِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ قَبُولَ الْعَمَلِ؛ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إِلَيْهِمْ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْسَانِ الْعَمَلِ، مِنَ الْإِخْلَاصِ فِيهِ، وَصَلَاحِ الْقَلْبِ فِي أَدَائِهِ، وَاجْتِنَابِ أَسْبَابِ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْقَبُولِ.


يا الله…بك نستغيث, وأنت المستعان, وعليك التكلان.


قال ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عن السلفِ الصالح: «أَدْرَكَتْهُمْ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِذَا بَلَغُوهُ وَقْعَ عَلَيْهِمُ الْهَمُّ أَيُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ أَمْ لَا».

 


يا من حججتم واعتمرتم, يامن صمتم يوم عرفة وضحيتم, يا من أطعتم ربكم واجتهدتم, كونوا كالسلف الصالح, يجتهدون في الطاعة ثم يخافون ألا يتقبل منهم.


إِنَّ آيَةَ تَعْلِيقِ قَبُولِ الْعَمَلِ بِتَحْقِيقِ التَّقْوَى قَدْ عَظُمَ بِهَا هَمُّ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كُونُوا لِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ هَمًّا مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ، أَلَمْ تَسْمَعُوا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ ».


فَعَلَيْنَا -عِبَادَ اللَّهِ- بَعْدَ كُلِّ مَوْسِمٍ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ, أَنْ يَقَعَ عَلَيْنَا هَمُّ قَبُولِ أَعْمَالِنَا، مُجْتَهِدِينَ فِي إِكْمَالِ الْعَمَلِ وَإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، مُلِحِّينَ عَلَى رَبِّنَا سُبْحَانَهُ بِالْقَبُولِ، مُسْتَغْفِرِينَ مِنْ تَقْصِيرِنَا فِيمَا عَمِلْنَا.


وعلينا أن نتنبه من غفلتنا, وأن نستيقظ من رقدتنا, فقد شغلتنا دنيانا كثيراً, وألهانا التكاثر عن الاستعداد للقاء ربنا.


ما أعظم أيضاً أن يجتهد العبد في تَرْبِيَةِ نفْسِه عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ .


فالدَّيْمُومَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَنْهَجٌ نَبَوِيٌّ سَارَ عَلَيْهِ الحبيبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِهِ.


عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها« كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً…» متفق عليه.


وَعَنْها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» متفق عليه.

 


وَالْعَبْدُ واللهِ لَا يَدْرِي مَتَى يَبْغَتُهُ الْمَوْتُ، ويوضع في قبره ويحثى عليه فيه التراب, فالمداومة على الطاعة سببٌ لحسن الخاتمة: وهي أمنيَّة الجميع، والأعمال بالخواتيم، ومَن شبَّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، لكن متى وأين وكيف تكون هذه الخاتمة؟ هذا هو الجانب المخيف في هذه الحياة؛ فما أجملك عبدالله أن تكون مستعداً للقاء الله: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾.


فالنهاية آتية لا محالة، والعاقل الموفق من يستغل حياته مِن أجل تحسينها وتأمينها؛ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾.


تزوَّدْ للذي لا بدَّ مِنهُ فإن الموتَ ميقاتُ العبادِ


وتُبْ مما جنَيتَ وأنتَ حيٌّ وكُن مُتَنبِّهًا قبلَ الرُّقادِ


ستَندمُ إن رحَلتَ بغيرِ زادٍ وتَشقى إذ يُناديك المنادِي


أتَرضى أن تَكون رفيقَ قومٍ لهم زادٌ وأنت بغيرِ زادِ؟

 


اللهم أيقظنا من الغفلات, ونجنا من الدركات, واجعل مآلنا إلى أعالي الجنات يارب الأرض والسموات.. 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم