الأثنين 29 أبريل 2024 / 20-شوال-1445

إلى كل عقيم



الولد نعمة جليلة من أعظم النعم التي يمن الله بها على الإنسان , وهو زينة الحياة الدنيا , قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الكهف ) ، وله مصالح وفوائد كثيرة في الدارين لا يحصيها إلا الله من الصلة والبر والدعاء للوالدين والإحسان إليهما , واتصال النسب وإحياء الذكر والقيام بشؤونهما أحياء, وأمواتا وغير ذلك من المنافع العظيمة .

وقد يمنع الله الولد عن بعض الناس ويجعله عقيماً قال تعالى (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) الشورى ).

وهذا من الابتلاء الذي يمتحن رب العالمين عباده بها ، فالابتلاء سنة من سنن الله في الأرض، يميز بواسطته بين العبد الشاكر الحامد له ، الراضي بقضائه وقدره، المؤمن بحكمة الله وتصرفه في خلقه لأنه يعلم بأنه في الأول والآخر عبد لمولاه يفعل فيه ما يشاء، ولا يستثني الله من سننه الكونية أحدا، فمن المؤمنين من يصبر ويحتسب الأجر عند ربه، ومنهم من يضيق صدره , قال سبحانه : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ) سورة العنكبوت.

وقد يلحق العقيم هم وحزن من جراء فقد الولد وهذا أمر طبيعي من الفطرة لا يؤاخذ عليه المرء شرعاً , ولا يلام على ذلك فان صبر واحتسب الأجر على الله وأحسن الظن بربه جوزي أجرا عظيما وان جزع وتسخط وأساء الظن بربه فاته خير عظيم وباء بالإثم الكبير .

وسعي العقيم في تحصيل الولد وبذل الأسباب لا ينافي التوكل على الله ولا ينقص الإيمان , والإنسان مفطور على حب الولد , ويشترط في ذلك أن تكون الأسباب نافعة سواء كانت أسباب عادية مباحة مجرب نفعها كالتداوي بالعقاقير الطبية , أو أسباب شرعية دل الشرع عليها كالرقية ونحوها ، ولا يجوز بحال تعاطي الأسباب المحرمة من السحر والدجل والأوهام وغير ذلك مما تذهب دين العبد وتفسد عقله وتضيع ماله .

والدعاء من أعظم الأسباب في حصول الولد , قال الله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة ) و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وهناك أمور على من ابتلي بالعقم التفكر بها وتأملها:

– أن يوقن أن ما من أمر قضاه الله وقدره إلا لحكمة بالغة ، فإذا تفكر في فقد ولده انه أمر قدر عليه لحكمة ولو خفيت عليه حصل له التسليم التام والرضا بذلك وهذه حالة إيمانية عظيمة من استشعرها هان عليه الأمر .

– أن ذلك من البلاء الذي يبتلى فيه المؤمن في الحياة الدنيا ليرى الله صدقه من كذبه وإيمانه من نفاقه وتسليمه من تسخطه ، وكل يبتلى بنوع من البلاء وقد ابتلى بأغلى شيء فليصبر .

– ما يترتب على الصبر من عظم الجزاء ودخول الجنة فالجزاء من جنس العمل فكلما عظم البلاء عظم الجزاء.

– أنه ربما صرف الله عنه الولد لطفا به ودفع عنه أعظم الشرين لعلم الله السابق أنه لو رزق ولدا لكان فتنه له في دينه وشغلا عن طاعته , وعذابا له وهما كما قص الله سبحانه عن غلام الخضر حينما قتله قال تعالى ” وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) (الكهف ) .

– أن هذا الأمر لم يخصه الله به بل كتبه على طائفة كثيرة ممن قبله أو بعده يشاركونه في فقد الولد وأن الله كما فاوت بين الناس في الرزق فجعل منهم الغنى والفقير فاوت أيضا بينهم في هذا الباب فجعل منهم عقيما ومنهم ولودا والتفكر في هذا يهون الأمر عليه ويسليه .

وليتذكر كل عقيم أن أكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء , وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس بلاء ؟ قال ” أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة” أخرجه الإمام أحمد وغيره.

أسأل الله أن يفرج عن كل مهموم ، ويرزق كل عقيم ، وأن لا يحرمه الأجر ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .

———————————

عدنان سلمان الدريويش
المستشار الأسري بجمعية التنمية الأسرية بالأحساء

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم