الأحد 05 مايو 2024 / 26-شوال-1445

ألعاب الفيديو .. حياة بديلة



لا يخلو بيت من جهاز لألعاب الفيديو، فالإحصاءات العالمية تتحدث عن اثنين من كل ثلاثة يمارسون اللعب من خلال الشاشة.
أجل، الشاشة التي تبني خطابها التواصلي على قيم الترفيه والتسلية والعرض واللعب.
وهذا هو المعنى الذي تأسست عليه ألعاب الفيديو التي بدأت في الظهور إبان السبعينيات من القرن الماضي بألعاب خفيفة وبسيطة المظهر إلى أن بدأت تلك الألعاب تأخذ شكلها الترفيهي المتطور.
ومنذ أن فرضت تلك الموجة منطقها التجاري مع ظهور لوحة المفاتيح مطلع الثمانينيات اشتعلت المنافسة بين نينتندو وسيجا.

 

حيث شهدت التسعينيات حمى المنافسة بين الشركات المصنّعة للألعاب، إلى أن بدأت تلك الشاشات التسلوية منافسة شاشات التلفزيون، بعد أن استهدفت شريحة تتجاوز الأطفال إلى البالغين، حتى صارت البلاي ستيشن من الذكريات مقارنة بما يتم تداوله من ألعاب باهرة تقنياً ومعرفياً.
ويبدو أن العوالم الافتراضية التي تحكم اللحظة المعاشة قد سمحت لألعاب الفيديو بالتنامي المطرد، بما تمنحه للفرد من حياة افتراضية متخيلة.
فمن خلال تلك الشاشات المغرية يمكن للمستخدم عقد صداقات، وشراء أفخم القصور، واقتناء أفخر الملابس، بل حتى بناء علاقات جنسية افتراضية.
وكل تلك المتوالية من الافتراضات تتم في مدارات الوهم، حيث يعيش المغرم باللعبة الإلكترونية إغفاءة حالمة خارج الحياة الواقعية.
ثمة حياة بديلة أوجدتها هذه الألعاب، فقد تم تصميم فنادق فخمة ذات علامة معروفة، وكذلك محلات تجارية فارهة تنتمي لسلسلة الماركات الشهيرة، حتى على المستوى السياسي ظهرت ألعاب موازية، لدرجة أن السويد افتتحت أول سفارة افتراضية.
كما جرت انتخابات برلمانية فرنسية، افتراضية بطبيعة الحال، مقابل الانتخابات الواقعية.
كما بلدية فرانكفورت مقبرة للشخصيات الافتراضية، وتضم ما يقارب الأربعمائة من الأبطال الميتين لتلك الألعاب بشواهد قبور ومرثيات، وهذا هو منطق الحداثة الفائقة، التي تستخدم التكنولوجيا لتعويم الأنسان على خط الزمن.
يمكن اليوم، وبمنطق تلك الحداثة المتمادية في تخليق الأوهام أن يتبارى اثنان: أحدهما في اليابان والآخر في السعودية، أن يلعبا الشطرنج مثلاً.
كما يمكن أن ينضم إليهما لاعب ثالث من الإكوادور ليشتركوا في لعبة جماعية وهكذا، بل يمكن لمجموعة من الأشخاص أن يبحثوا عن كنز مفقود من خلال التراسل بالمسجات عبر الموبايل، ومن مختلف البلدان على وجه الكرة الأرضية، وكل ذلك ضمن لعبة الوهم الكبرى.
ومنذ أن بدأ تيار استثمار العلامات التجارية في ألعاب الفيديو تنامت كصناعة وتجارة، من خلال اللعب على استيهامات الفرد واستغلال حماسه.
كما يبدو ذلك واضحاً في ألعاب مباريات كرة القدم مثلاً، التي تهب المستخدم فرصة لعب دور مدير الفريق وموجه اللاعبين وسمسارهم.
كما تمنحه إمكانية تمثيل الفريق الذي يحبه، وسماع صوت المعلق الرياضي الذي يستهويه، حيث يمكنه الفوز بعدد الأهداف التي يرغبها على الشاشة وليس في ساحة الملعب.
الإنسان الذي كان يحلم بتغيير العالم تنازل عن حلمه وصار يفكر في تغيير نفسه، أو على الأقل الإبقاء على مستواه المعيشي المعقول، ولأن هذا المطمح الاعتيادي لم يعد ممكناً، صار الإنسان يفكر في اللعب فقط بحثاً عن حياة بديلة، افتراضية، يمارس فيها بطولاته ويحقق فيها أحلامه.
ففي هذه الألعاب يفرض المستخدم سيطرته وقراراته ورؤيته التي لا ينازعه فيها أحد، بالإضافة الى أن اللعب يتم في منطقة آمنة، إذ لا مساءلة اجتماعية ولا توبيخ نفسي ولا عقاب سياسي.
أما سر جاذبية تلك الألعاب فيعود إلى الأثر الجمالي الكامن في البُعد الانفعالي، حيث تعطي للمستخدم إمكانية عيش الدور بالكامل.
فالألعاب المعتمدة على أفلام هوليودية مثلاً تسمح للاعب بأداء دور المغامر، ليتجاوز مرحلة الفرجة إلى حافة الفعل والمشاركة في بناء الحدث الدرامي، اعتماداً على قدراته الذاتية في إتقان الخدع المرقمنة، ومدى انفعاله الاستيهامي في الحياة الثانية التي يخلقها فضاء الانترنت.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم