الجمعة 10 مايو 2024 / 02-ذو القعدة-1445

أفيون الكلمة



    كثيرًا ما أجد نفسي منصتًا لحديث الأخوات في الهاتف الاستشاري، ولأبالغ أحيانًا في الإنصات –ليس لأني أُحسن ذلك- وإنما لغلبة نشيجهنَّ على كلماتهنَّ، ولأن سطوة آلامهنَّ تقطع نغمات أصواتهنَّ حتى أني لم أتصور أن كلمات يسيرة تضيء في نفوسهنَّ ضوء لطالما خفت، أو حديثًا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم ينعش في قلوبهنَّ الأمل، أو آية من كتاب الله- تعالى – تسمح لنسمات الطمأنينة تتسلل إلى أفئدتهنَّ، فكم أشعر بعد تلك الكلمات أن نشيجهنَّ بدا لي وكأنه يختنق، وأصواتهنَّ المتقطعة صارت تقترب.
يا إلهي، أيعقل أن كلمة تُحدثُ تغيير كيميائيًا في المخ وكأني أناولهنَّ أفيونًا مهدِئًا، ثم أتساءل أليس من أحدث فيهنَّ الألم هي كلمة ومن بعث فيهنَّ الأمل هي كذلك كلمة، فلا غَروَ في ذلك فالدراسات الحديثة تؤكد دور الكلمة في التأثير على كيمياء المخ إيجابًا أو سلبًا حتى أنها قد تعادل عقارًا طبيًا في تأثيرها، وصدق الخالق حينما قال: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾
وفي دراسات أخرى تؤكد أن الكلمة الحسنة تزيد من مهدئات المخ مما يساهم في تخفيف المعاناة.
يا الله، كم نغفل عن توجيه الخالق- سبحانهُ وتعالى – حينما حثنا على أن ننتقي أحسن ما نملك من العبارات الطيبة وذلك في قوله تعالى:﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ وقوله تعالى:﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ وفي قراءة أخرى ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا ﴾ بفتح الحاء والسين، والقول الحسن كما يقول أهل العلم: (( يشمل الحسن في هيئته، وفي معناه )).

كم يعاني ذلك الإنسان الذي يعجز أن يبادر شريك حياته أو من وقع في خصومة مع غيره بكلمة طيبة تمحو ماضيًا وتسعد زوجًا أو أخًا، يتكبل أحدهم سنوات طويلة من الخصام أو الفراق وكان بإمكانه أن يكبل تلك السنوات البائسة بكلمة طيبة تطوي ما مضى، فدرب نفسك على الحسن من القول فهو خير لك من صدقة يتبعها أذى كما قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾
كن أنتَ أنت من يحسن القول، فإن الكلمة الطيبة من القريب أوقع أثرًا من الغريب فتأمل.

كتبه / أ. عبدالله بن إبراهيم الخميِّس

مستشار أسري – موقع المستشار الأليكتروني

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم