السبت 18 مايو 2024 / 10-ذو القعدة-1445

أطفالنا والحافز القيمي



عمر السبع

إن تعليم أبناءنا السلوك القيمي والإحساس القيمي وغيرها من أدوات غرس القيم في نفوسهم يعد شيئًا رائعًا، ولكن أبناءنا في حاجة دائمة إلى حافز يشعل رغبتهم في اكتساب القيم والفضائل؛ فما هو الحافز القيمي؟ وكيف يوثر على توجيه السلوك؟ وما هي أنواعه؟

الحافز القيمي:

قد يُغرس في الطفل التفكير القيمي والإحساس القيمي والسلوك القيمي، لكن يظل الأمر يفتقد إلى عنصر مهم يجعل الطفل يلتزم بهذه القيم طوال حياته وفي شتى المواقف، لاسيما إن أدركنا أن الالتزام بالقيم في بعض الأحيان قد يعني الاصطدام مع بعض رغبات النفس وأهوائها.

لذا؛ أحد أهم ركائز بناء القيم هي الحافز القيمي، أي كيف نغرس في أطفالنا الحافز للالتزام بالقيم، رغم تغير المواقف والظروف والأحوال، وهذا العنصر من الأهمية بمكان.

فالحقيقة أن مجتمعاتنا تمتلئ بالثقافات التي تجعل الكثير من الناس يتغيرون تحت ضغط الواقع، ويستجيب كرهًا للسلوكيات الغير قيمية المتبادلة بين أفراد المجتمع، فتضطره الظروف اضطرارًا للتخلي عن القيم التي تعلَّمها، مقابل أن يتأقلم مع ثقافته وبيئته، وهذا الأمر يحتاج منا ـ نحن المربين ـ كثير اهتمام واعتناء، إذا أردنا أن نخرج لمجتمعنا أفرادًا يتمسكون بالقيم ويعرفون كيف يدافعون عنها.

ما هو الحافز:

الحافز هو شيء يدفع الإنسان ويزوده بالطاقة المناسبة لإنجاز الأعمال وفعل السلوكيات، والأطفال إن تعلموا فعل شيء؛ فإن حجر الزاوية الذي يجعلهم يستمرون في فعله ويداومون عليه هو الحافز.

كيف يؤثر الحافز على توجيه السلوك:

يؤثر الحافز بصورة مباشرة على توجيه السلوك من خلال مجموعة من الوظائف التي يقوم بها؛ وهي:

1.  يعمل الحافز على دفع السلوك تجاه أهداف محددة.

2.  يزيد من طاقة الإنسان ومجهوده لتحصيل هذه الأهداف.

3.  يزيد من القدرة على إنشاء والاستمرار في فعل الأنشطة.

4.  يساعد على سرعة التعامل مع المعلومات؛ فالأطفال المحفزون أكثر قدرة على الانتباه والمحاكاة والتركيز، وكلها أدوات تساعد الإنسان على المضي قدمًا في تحقيق أهدافه.

5.  يؤدي إلى زيادة كفاءة الأداء.

أنواع التحفيز:

والتحفيز نوعان، ثانيهما هو الأهم وهو ما سنفرد الحديث فيه بإذن الله:

1.  التحفيز الخارجي: وفيه يتم التحفيز بدوافع خارجية غير متعلقة بسلوكياتهم؛ مثل: المال، المديح، ألعاب، تنزه … إلخ.

2.  التحفيز الداخلي: وفيه يتم التحفيز بدوافع داخلية، ومتعلقة بسلوكيات الأطفال التي يحفزون لفعلها، مثل اعتقادهم أن تلك السلوكيات تقرِّبهم من أهدافهم، أو أنها تتوافق مع القيم أو أنها تكسبهم السعادة … إلخ.

فإذا أردنا غرس القيم في الأطفال وتحويل سلوكياتهم القيمية إلى سجية وملكة، تستمر معهم طوال أعمارهم ومواقفهم؛ فإن هذا لا ينفع معه التحفيز الخارجي، بل لابد أن تكون الطريقة التي يُربَّون بها تعتمد على إثارة الحوافز الداخلية.

وصحيح أن السلوكيات القيمية قد تكون ناتجة عن حافز أو مكافأة خارجية، ولكن مثل هذه السلوكيات لا تعيش طويلًا، ولا تُعد من هوية الإنسان، ولا تجده ثابتًا عليها طوال حياته، بل هي معرضة للاهتزاز طالما تغيرت هذه الحوافز.

أما إن كنا نتكلم عن إخراج شخصية قيمية للمجتمع، يصبح من سلوكياتها الثابتة ومن هويتها الأساسية التصرف وفق القيم العليا؛ فإن ذلك يتطلب أن تكون منظومة التحفيز التي تُغرس في الطفل قائمة على التحفيز الداخلي لا الخارجي.

فوائد الحوافز الداخلية:

1.  تضمن الاستمرارية في تقديم السلوك القيمي في جميع المواقف والحالات؛ لأنها تعتمد على الداخل، أما الحوافز الخارجية فربما تفتقد في بعض المواقف؛ وبالتالي تتعرض السلوكيات القيمية للاهتزاز.

2.  قادرة على التغلب على الصعوبات التي تواجه السلوكيات القيمية؛ مثل: الثقافة السائدة وكذلك رغبات النفس.

3.  لا يمكن لصاحب الحوافز الخارجية أن يتصرف بالقيم مقابل لا شيء، أما صاحب الحوافز الداخلية فتصرفاته وسلوكياته القيمية نابعة من ذاته؛ ولذلك هو أقدر على الثبات على هذه السلوكيات القيمية والدفاع عنها، وتحمل أمانتها دونما انتظار لأي مقابل.

4.  أصحاب الحوافز الداخلية هم القادرون على حمل أمانة أمة ورسالة مجتمع؛ لأنهم يرون النهضة المنشودة لمجتمعهم هي غاية كبرى يستحق أن يبذل لها الكثير، دون انتظار لثناء الناس، بل على العكس؛ قد تتعرض الدعوات الإصلاحية والحركات المجتمعية لمحاولات تثبيطية، قد تدفع بالبعض للكفِّ عن محاولات الإصلاح والتوجه إلى التأقلم مع احتياجات المجتمع، لكن أصحاب الحوافز الداخلية هم الأقدر على تحمل هذه المثبطات في سبيل غاية نبيلة وشريفة.

5.  أصحاب الحوافز الداخلية هم الأقدر على الاحتفاظ بمستويات مرتفعة من الأداء في حياتهم، بينما أصحاب الحوافز الخارجية تتعرض مستويات أدائهم لكثير من التغير؛ تبعًا لتغير الحوافز التي تدفعهم للعمل.

ولذلك؛ فإن التربية القيمية لأطفالنا تحتم علينا أن نغرس فيهم التحفيز الداخلي، ولغرسه أدوات وتقنيات سنتناولها لاحقًا، لكن ينبغي قبل البدء بها التعرف على الشروط المطلوبة لغرس التحفيز الداخلي، فإذا لم تُلبَّ هذه الشروط، فإن الآليات التي سنبنيها ستكون بلا جدوى، وهي ثلاثة شروط رئيسية.

شروط غرس التحفيز الداخلي:

1.  الكفاءة الذاتية self – efficacy:

وهي شعور الإنسان بقدرته على النجاح في المهام التي يقوم بها.

2.  حرية تقرير المصير:

وهي شعور الإنسان بأنه يتحكم في مصيره بإذن الله، وأنه يستطيع الاختيار بين خيارات متعددة للتوجه نحو هدف ما.

3.  سد الاحتياجات الأساسية للإنسان:

فهذه الشروط لابد من توافرها قبل أن نغرس في الطفل التحفيز الداخلي؛ لأن التحفيز الداخلي يقوم على استقلالية الإنسان عن المؤثرات الخارجية، ولذا؛ فإن أهمية الشروط المذكورة تنبع من قدرتها على تربية الطفل على هذه الاستقلالية، والتي على إثرها نستطيع غرس التحفيز الداخلي اللازم للتربية القيمية.

ولنتناول هذه الشروط بشيء من التفصيل:

أولًا: كيف نغرس الكفاءة الذاتية:

•    القيام بالتغذية الاسترجاعية لأداء الأطفال في المهام التي كُلِّفوا بها:

فالتعذية الاسترجاعية تقوم على تقييم الأداء؛ وبالتالي تدفع إلى تحسينه، وهذا للشقِّين الإيجابي والسلبي، فحتى التغذية الاسترجاعية السلبية تعطي فرصة للأطفال للتحسين من أدائهم.

ولنعطِ على ذلك بعض الأمثلة يقوم بها المربون:

يقول المربي للطفل: (لقد رأيت أنك تخطئ كثيرًا في حق زملائك، إذا كنت غضبان؛ هيا نفكر سويًّا كيف يمكننا تغيير ذلك).

يقول المربي للطفل: (لقد ثبت وجود بعض سوء التفاهم بينك وبين والدتك، على الرغم من أنك تحاول إرضاءها، هيا نفكر سويًّا لكي نقوم بحل سوء التفاهم هذا).

•    التدريب على خوض المهام الصعبة:

لأن التحدي هو موقف يكون فيه النجاح ليس سهلًا، وإنما يحتاج إلى مزيد مجهود؛ مما يشجع الإنسان على استخراج كل طاقاته للوصول إلى النجاح، ولذا؛ فإن تدريب الأطفال على خوض هذه التحديات يرفع مستوى كفاءتهم الذاتية بصورة كبيرة، وبالتالي يسهم في بناء التحفيز الذاتي الذي نريد، وإذا تكوَّن هذا التحفيز الذاتي؛ فإنه يدعم بشدة الكفاءة الذاتية تجاه الأعمال المستقبلية، خاصة الصعب منها؛ مما يدفع الطفل بصورة كبيرة تجاه تحقيق أهدافه.

كيف ندرب الأطفال على إنجاز المهام الصعبة:

1. إضفاء جو من الحرية لخوض المخاطر وفعل الأخطاء، وعدم معاقبتهم عليها فور ارتكابها.

2.  تقديم حوافز قيمة لإنجاز المهمات الصعبة.

3.  تخيير الأطفال بين إنجاز مهمة سهلة وإنجاز مهمة صعبة، مع مكافأة تقدم عند إنجاز المهام الصعبة.

•    الحث على مقارنة الأداء بالأهداف الموضوعة بديلًا عن المقارنة بالآخرين:

فلابد أن يحرص المربون على تعريف نجاحات الأطفال في صور مادية واضحة، أما تعريف النجاح في صورة مقارنتهم مع زملائهم؛ فإن ذلك سيدفع بالبعض للفشل، لأن البعض سيتخذ من هذه الصورة وسيلة للتحفيز، خاصة ممن يملك القدرة على التحدي والمواجهة، أما الآخرون والذين يفتقدون للاعتقاد بالجدارة فإنهم سيحبطون جراء هذا النوع من التنافس.

ولاشك أن هذا هو أحد سلبيات أساليب التقييم التي تعتمد فقط على نسبة نجاح كل طفل للآخر، والتي لاشك تدفع ببعض الأطفال إلى الشعور بالدونية، أما أساليب التقييم التي تعتمد على قياس نسبة نجاح كل طفل لأهدافه؛ فإنها تسهم إلى حدٍّ كبير في بناء الكفاءة الذاتية للأطفال.

•    الحرص على حدوث الأخطاء في سياق من النجاح:

فلابد أن يحرص المربون على ألَّا يفشل الأولاد على الإطلاق، بل على العكس لابد أن يدربوا على أن الحياة تمتلئ بالفشل، وفي أحيان كثيرة يكون الفشل له فائدة مهمة في تحسين الأداء وتعديل المسار، والشخص الذي لا يفشل معناه أنه لا يواجه بتحديات كبيرة؛ وبالتالي لا يمكن أن يصل إلى مكانة مرموقة إذا لم يتعود خوض التحديات.

ولذا؛ فإن على المربين مهمة أن يجعلوا أخطاء الأطفال تحدث في سياق من النجاحات، فينوعون بين المهام الصعبة والمهام السهلة، ثم يقومون بتقييم أداء الأطفال بنظرة متساوية لأوجه القصور وأوجه النجاح.

•    تعليم الأطفال كيفية تنسيب الأحداث:

وجد العلماء أن من الأمور المهمة المؤثرة على مدى الدافعية التي يبديها الأطفال تجاه السلوكيات؛ هي تنسيب الأحداث أو “ماذا يسبب ماذا”، وهي آلية في التفكير تضع أسباب الأحداث، وهي لاشك شديدة التأثير على أداء الإنسان، خاصة إذا كان ذلك متعلقًا بالنجاح والفشل.

فما يعتقده الأطفال أنه سبب للنجاح لاشك سيشكل طريقة نظرتهم وتقييمهم لأفعالهم، وما يعتقده الأطفال أنه أساس للفشل؛ فإنه سيؤثر على إدراكهم للفشل الذي قد يعترض طريقهم.

وعلى المربين أن يحرصوا على تعليم الأطفال كيف ينسبون الأحداث، وكيف يصفون عوامل الفشل والنجاح، ولا يتركوا ذلك للأطفال؛ حتى لا يعرضوهم لمخاطر هذا التنسيب، والذي يمكن أن يعطِّل طاقات ويعرقل جهود ويضيع إمكانات لمجرد اعتقادات سلبية حول معايير محددة للنجاح وأخرى للفشل؛ ولذا على المربين أن ينتبهوا إلى الرسائل التي يوصلونها إلى الأطفال، المعنية بأسباب الفشل والنجاح.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم