الأثنين 29 أبريل 2024 / 20-شوال-1445

أبناؤنا : من الاتكالية إلى الاعتماد على الذات.



أبناؤنا : من الاتكالية إلى الاعتماد على الذات.
 

https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcQYSm0LAdd59d-HzwmGlQQ6VqWzdHmlxzxL_UiT_Jmg18zQJXEh

أ. شروق محمد .
كثيراً ما نسمع شكاوى الآباء الأمهات الذين يجدون صعوبة في دفع أبنائهم للقيام بعمل الواجبات المدرسية أو الاستذكار بمفردهم دون مساعدة ، خاصة في السنوات الأولى من المدرسة..
ولا شك أن هذه الصعوبة تكون امتداداً لسلوك دائم قد اعتاد عليه الطفل من الاعتماد على الوالدين أو أحدهما في قضاء حوائجه من طعام وشراب وملبس ، فيكون أداء الواجبات المدرسية مهمة إضافية يلقيها الطفل على كاهل والديه كما اعتاد أن يلقي بمعظم مهامه ومسؤولياته على كاهلهما..
بعض الآباء يستسهل أن يساعد ابنه بشكل كبير في أداء واجباته ، بل إن البعض قد يخطئ فيقوم هو بأداء هذه الواجبات حيث يقوم الطفل بدور المتفرج فقط ، وهذا لا شك أمر له عواقبه الوخيمة ومنها:
– غرس سلوك الاتكالية لدى الطفل مما يعزز لديه ضعف الثقة بالنفس ، والشعور بالعجز عن القيام بأي مهمة يكلف بها.
– عجز الطفل عن التحصيل الدراسي في المستقبل مما قد يدفعه لارتكاب أخطاء أكبر مثل الاعتماد على أصدقائه أو الغش في الامتحان أو اللجوء للدروس الخاصة ليحصل دروسه..
– اعتياده على الكذب وأن ينسب لنفسه مجهود الغير ، مما قد يتطور في المستقبل لمحاولة سرقة جهد الآخرين لتحقيق نجاحات شخصية..
ولكن الطفل خاصة في أعوامه الدراسية الأولى يكون في حاجة للمساعدة للقيام بواجباته المدرسية ، لذا فلا مفر من أن يحاول الآباء مساعدة الطفل حتى يتمكن من إنجاز تلك المهام وحده ،
وهنا نتقدم للوالدين ببعض النصائح لمساعدة الطفل للاعتماد على نفسه في أداء واجباته ومهامه المدرسية:
– بداية يجب أن تعلم أن هناك فروقاً فردية بين الأطفال في القدرة على أداء الواجبات المدرسية بل والتحصيل بشكل عام ، فبينما يتمكن الأطفال الأكبر سناً من الجلوس لفترات طويلة لأداء الواجبات المدرسية ،
يعجز الأطفال الأصغر عن الانتباه لفترات طويلة مما يعني ضرورة تقسيم جلسات عمل الواجب لفترات قصيرة يتخللها بعض الاستراحة أو الترفيه وهو ما يساعد على تحصيلٍ أعلى..
– لابد من وضع قواعد معينة تتفق فيها مع ابنك ولا تتنازل عنها حتى لا يتهاون طفلك في تنفيذها ومنها:
• أن الواجب مهمة الطفل وحده ، وأنه لن يقوم أحد بالقيام بهذه المهمة بالنيابة عنه.
• أن هناك توقيت محدد للقيام بعمل الواجب لا يجب التأخر عنه..
• أن فترات الترفيه أو الاستراحة لها مدة محددة لا تتجاوزها حتى يتم الانتهاء من الواجب في وقتٍ مناسب..
– لا تحاسب الطفل بقدراتك وطاقتك أنت فللطفل قدرته وطاقته الاستيعابية التي تختلف من مرحلة لأخرى..
– هيئ لطفلك المكان والزمان المناسبين لأداء الواجب متجنباً عوامل التشتت الخارجية كالضوضاء ومثيرات الانتباه أو عوامل التشتت الداخلية كالجوع أو العطش..
– يحتاج الطفل في سنوات الدراسة الأولى لجرعة أكبر من الإشراف والمساعدة حتى يتمكن من إتقان القراءة والكتابة فاعمل على منحه ما يحتاج ، مع مراعاة التقليل التدريجي لهذه الجرعة حتى يعتاد القيام بواجباته وحده مما يستوجب المكافأة..
– ساعد الطفل في ترتيب مواده الدراسية واجعله يبدأ بالأكثر صعوبة والتي تحتاج قدر أكبر من التركيز ليبدأ بها وهو صافي الذهن قبل أن يشعر بالملل أو التعب..
– استخدم أسلوب المكافأة على الإنجاز بدلاً من العقاب على الفشل فعبارات التشجيع والاستحسان -حتى لو كان حجم الانجاز بسيط- لها مفعول السحر في دفع الطفل لمزيد من التحصيل الجيد..
يمر الإنسان بثلاث مراحل في حياته حتى يصل إلى الاستقلال بشخصيته ، تبدأ المرحلة الأولى بولادته وانفصاله عن أمه ، وتبدأ الثانية بفطامه ، وأخيراً المرحلة الثالثة التي تبدأ بمرحلة البلوغ ، وقد اقترح العالم النفساني الفرنسي (موريس دبس) تسمية هذه المرحلة “بالفطام النفسي”.
حيث تبدأ لدى الناشئ الرغبة والميل للاستقلال بشخصيته ، واتخاذ قرارات حياته بمفرده ، والظهور بمظهر الشخص الناضج المستغني عن عالم الكبار..
وهذا المطلب طبيعي وغريزي ومشروع ، إلا أنه قد يؤدي لنتائج سلبية إذا لم يتم تهيئة الشاب أو الفتاة لمرحلة الفطام النفسي..
فإذا كان الطفل قد تعوَّد منذ صغره على الاتكالية وعدم القدرة على تحمل المسؤولية في كافة شئونه ، وكان عاجزاً عن إبداء الرأي أو اتخاذ قرار فسوف تصطدم ميوله في مرحلة البلوغ بعجزه وعدم قدرته ،
فينشأ داخله صراعٌ إما ينتهي بالتمرد والخروج عن سلطة الأبوين والبحث خارج المنزل عمن يساعده في تسيير شئون حياته كجماعة الرفاق والأقران والذين يعظم تأثيرهم في تلك المرحلة ، أو قد يؤدي لانطوائه وانعزاله وضعف شخصيته واستمراره في حالة الاتكالية والاعتماد على الآخرين..
ولذا فإن تهيئة الطفل منذ الصغر ، وإعداده لمرحلة الفطام النفسي هي أهم وسيلة لتفادي هذا الصراع ، كما أنه سيساعده على الاستقلال بحياته دون أن يفهم ذلك الاستقلال بصورة خاطئة ، إنما سيقترن الاستقلال لديه بمفهوم آخر هو المسؤولية والالتزام ومحاسبة النفس..
العبور إلى الاستقلال الآمن:
تطرقنا في المقالات السابقة لوسائل مساعدة الطفل للاعتماد على ذاته في قضاء حوائجه كالمأكل والمشرب ، وآداء الواجبات المدرسية ، والاستقلال في النوم وهذه كلها خطوات لمساعدة الطفل على تحمل مسؤولية شئونه منذ الصغر..
وهنا نتطرق لبعض الخطوات لمساعدة الطفل على فهم معنى المسؤولية ومحاسبة النفس في حياته عامة ، وذلك من خلال عدة خطوات:
الخطوة الأولى: تحدث مع ابنك عن معنى المسؤولية والالتزام الذاتي:
لابد من استغلال أي فرصة للحديث عن معنى الحرية والاستقلال واقترانه بمفهوم المسؤولية والالتزام.. فعلامة نضج الإنسان وكبره إذا كانت تشمل منحه مزيد من الحرية في الخروج والدخول وتنظيم الوقت واختيار الأصدقاء بل واختيار مجالات الدراسة فإن هذا يقترن بقدرته على ضبط سلوكه ومحاسبة نفسه وتحريه الصواب قدر المستطاع في قراراته وأفعاله وسلوكياته..كلما كان جاداً ومسؤولاً وملتزماً كلما زادت مساحة الحرية الاستقلالية التي تمنح له..
كما يمكن التوقف معه لتحليل بعض المواقف أو القرارات التي قمت باتخاذها من واقع تحمل المسؤولية والالتزام بالوعد ومحاسبة النفس..كالوفاء بوعد لصديق كان يمكن تأجيله أو التنصل منه..أو دفع الفواتير والمستحقات في وقتها دون الانتظار حتى آخر الوقت ، أو الالتزام بمواعيد العمل والتزاماته دون التهرب منها..
الخطوة الثانية: اغرس فيه قيمة محاسبة النفس والخوف من الله عز وجل:
فلابد من تعويد الطفل مراجعة أفعاله والمواقف المختلفة خلال يومه ليقيم نفسه ، وهل كانت تصرفاته على نحو جيد ومقبول ، وكيف يمكن تحسين آدائه غداً..كما أن شعوره بوجود الله عز جل ومراقبته له سينمي لديه الضمير الداخلي الذي سيمنعه عن ارتكاب أي خطأ أو يلومه عند أي زلة ..مع تعزيز رغبته في تحسين سلوكه وليس مجرد الندم على ما فاته..
وإليكم هذه القصة عن كيفية تربية الأطفال على مراقبة الله عز جل في السر والعلن “قال سهل بن عبدالله التستري : كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما : ألا تذكر الله الذي خلقك ، فقلت : كيف أذكره ؟ فقال : قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك ، الله معي ، الله ناظري ، الله شاهدي ، فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته ، فقال : قل في كل ليلة سبع مرات ، فقلت ذلك ثم أعلمته ، فقال : قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة ، فقلته، فوقع في قلبي حلاوته ،
فلما كان بعد سنة ، قال لي خالي : احفظ ما علمتك ، ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة ، فلم أزل على ذلك سنين ، فوجدت لذلك حلاوة في سري ، ثم قال لي خالي يوما : يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده ، أيعصيه ؟ إياك والمعصية ، فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المكتب ، فقلت إني لأخشى أن يتفرق علي همي ، ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم ثم أرجع ، فمضيت إلى الكُتّاب ، فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين ، وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة .
الخطوة الثالثة: أن يشارك في تحمل المسؤولية:
فلا يجب أن يبقى مفهوم المسؤولية معنوياً مجرداً ، لكن يجب أن يقترن بمجموعة من الأفعال التي يلتزم بها ويحاسب عليها كالمشاركة في الأعمال المنزلية-خاصة بالنسبة للفتيات- أو ترتيب حجرته وكتبه وألعابه ..أو مساعدة أخوته الأصغر في بعض شئونهم..أو شراء بعض لوازم الأسرة من الخارج.
هنا لابد أن يشعر بالتقدير والاستحسان لأفعاله وأنها جزءٌُ من بناء شخصيته وليست استغلالاً من قبل الكبار لطاقته أو إهداراً لوقته مع توضيح ما تمنحه هذه الأعمال له من مهارات جديدة يحتاجها في حياته.
الخطوة الرابعة : احترامه وتقديره :
فكلما أبدى الطفل إقبالاً على فهم مسؤولياته والالتزام بها..كلما مٌنح قدراً أكبر من التقدير والاحترام ، كما يجب تدريبه للمشاركة في إبداء الرأي فيما يخص شئون العائلة حتى يعتاد اتخاذ القرار ، بل ومناقشة رأيه مهما كان بسيطاً أو ساذجاً لتوضيح وجهة النظر الأخرى ،
وللأسف فإن الكثير من الأسر يعاملون الطفل ككمٍ مهمل لا يجب أن يتدخل أو يشارك في جلسات الكبار ، وهنا يجب أن نفرق بين ما يمكن للطفل سماعه وإبداء الرأي فيه ، وبين ما لا يجب الحديث عنه أمامه أو إشراكه فيه..
ولنا في رسول الله صلى الله عليه قدوة حسنة في احترام الصغير حتى ولو في مجلس الكبار ، روى البخاري ومسلم :”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله رسول الله في يده” والغلام هو الفضل بن العباس رضي الله عنهما
فها هو النبي يستأذن الطفل في أن يسقي الكبار أولاً وهو حق لهم ، لكنه صلى الله عليه سلم لم ينس حق الطفل الصغير في الشرب وبدءً من يمين الشارب ، فكان جواب الطفل المذهل الذي يدل على حسن منطقه وفهمه لما يقال في هذا الموقف العظيم..
الخطوة الخامسة: لا تقبل اعتذاره :
فقد يبدأ الطفل في خلق الأعذار للتنصل من مسؤولياته ومحاولة دفع الآخرين للقيام بها ، إلا أن التساهل في هذا الأمر سيخلق طفلاً اتكالياً غير مبالياً متهرباً من مسؤولياته في المستقبل..ويمكن إبطال أعذاره بتأجيل العمل المطلوب ليومٍ آخر أو وقت لاحق يكون فيه أكثر استعداداً.
الخطوة السادسة:معاقبته على الاستمرار في السلوك السيئ:
إن واصل ابنك السلوك السيئ فهذا هو الوقت المناسب لتحديد العقاب ؛ ليتعلم الطفل تحمل المسؤولية وعاقبة التنصل منها..وأفضل وسيلة للعقاب اختيار عقاب يناسب الخطأ الذي وقع فيه ، والذي يشعره ببعض الضيق.
مثال: لم يقم بترتيب ألعابه بعد الانتهاء من اللعب فإنه سيحرم من اللعب بها أو إخراجها من مكانها في اليوم التالي..
لم ينهِ واجباته في الموعد المحدد وتلكأ في أداء مهامه ، فإنه يحرم من شراء الحلوى في اليوم التالي..
وفي المقابل لابد من تشجيعه على تصرفاته المسؤولة ليقبل على الالتزام فعلى سبيل المثال: لقد كان اعترافك بكسر نافذة الجيران تصرفاً شجاعاً شكرًا لك على هذا الصدق، لقد لاحظت أنك أنهيت واجبك المدرسي قبل مشاهدة التلفاز لقد كان تصرفًا مسئولًا.
________________
المصدر : موقع فريق النجاح .
تصميم وتطوير شركة  فن المسلم