عنها . . جئت أبحث !!
د. فيصل سعود الحليبي
جئته شيخًا كبيرًا قد ألقى الله عليه حلل المهابة ، وزيّنه بالعلم ، وأحاطه الناس بمحبة وإجلال .
لا أدري كيف ارتميت بين يديه ! زاد قلبي في الخفقان ، بدأت أنفاسي تتسابق ..
لم يتفاجأ .. لم يتردد أن يسألني :
ما شأنك ؟
فقلت له : جئتك باحثًا عن السعادة .
فقال : وما صنعت لها ؟
فقلت : تعلمت العلم ، وارتقيت به أعلى المناصب والدرجات ، وخضت غمار التجارة ، ففُتح عليّ بالأموال ، فجمعتها ، وأنفقتها فيما أستلذ وأشتهي ، وتنقلت في البلدان ؛ فرأيت الحضارات العظيمة ، والصور الجميلة ، والمناظر الخلابة …
فقاطعني بقوله : ثم ماذا بعد .. !؟
فقلت : تزوجت أجمل النساء ، ورزقت بالأولاد ، وسكنت أبهى القصور ، وزينتها بالحدائق ، وأقمت عليها الخدم ، لا أعرف المرض ولا المرض يعرفني ..
فقال لي : وما حالك اليوم ؟
فقلت له : أستمتع بهذا كله .
فقال : وماذا تريد بعد هذا ؟
فقلت : أريد السعادة ؟
فذرفت عيناه ، ثم قرأ قوله سبحانه : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } .
فقلت : هذه التي أريد ..!
ثم استرسل ينشج في بكائه فقرأ قوله تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } .
فصرخت قائلاً : منها فررت .. منها فررت …