فأحسوا بمسؤولية عظيمة أمام الله تعالى تجاه هذا الدين العظيم ، ليس في أنفسهم فحسب ، بل في كل قطر من أقطار الأرض ، فراحوا يفتحون البلدان ، ويجوبون الفيافي ، ويقطعون الوديان ، ليبلغوا دين الله تعالى ، حتى حكمت الخلافة أرض الله عز وجل ، فأصبح المسلمون مناراً يهتدى به ، ونبراساً يستضاء بنوره ، أمتهم قائدة ، وبالحق ظاهرة .
ودارت رحى السنين ، لتطحن في شبابنا هويتهم الإسلامية ، فضعفت الهمم ، وانهزمت أمام تيارات الغرب والشرق ، حتى لهى شبابنا بأتفه الأمور ، وأهون الأشياء ، فتناسوا تاريخهم ، وانشغلوا عن ماضيهم ،فأضاعوا حاضرهم ومستقبلهم ، فانساقت منهم طائفة خلف وهم السعادة ، يبحثون عنها فلم يجدوا إلا سرابها .
وما فتئ الزمان يدور حتى *** مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي *** وقد عاشوا أئمته سنينا
وقال صلى الله عليه وسلم : (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاع ،ٍ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ ؟ فَقَالَ : وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ )) رواه البخاري.
فتأمل _ يا رعاك الله _ كيف أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى وهم أهل الكتاب ، ومضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم .
وليت أن الأمر استقر على طريقة واحدة فحسب ، بل ما بين فترة وأخرى نرى أشكالاً جديدة ،
ولو تأملت فيها لوجدت أن غايتها تأنيث الرجال ، وقتل حياء النساء .
وليحذر المسلمون من أن يعتقدوا أن التشبه قضية سطحية لا عمق لها ، بل إن لها أبعادًا خطيرة ، وخطيرة جداً ، وهذه الأبعاد أدركها سلفنا فأبوا أن يقلدوا الكفرة في كل صغير وكبير ، فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : (( أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهديًا ، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا )) .
لنتساءل : لماذا نصوم يوماً قبل عاشوراء أو يوماً بعده ؟ صحّ عن ابن عباس رضي الله عنه
لنتأمل : لماذا رسول الأمة صلى الله عليه وسلم يأمر بإعفاء اللحى وحف الشوارب ؟
ليعلم الذائبون من شبابنا في تفاهات التشبه بالكفرة والملحدين أن التقليد في الأزياء والعادات لن يرضي من يقلدون ويتمثلون ، حتى يتبعوهم في ملتهم ، وهذا مصداق قول الله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ
إن سببًا خفيًا وراء هذه التقليعات الغريبة على ديار الإسلام لم يكن سريانه في النفوس في وقت قصير أو بطرق قليلة ، بل أخذ وقتًا من أعداء الدين وجهدًا ليسا باليسيرين ؛ ألا هو الهزيمة النفسية ، وسحق الثقة في تعاليم الدين ونصرته ، وغرس فكرة اقتران الرجعية بالإسلام ،وأن الحضارة صناعة الغرب فحسب !!
غير أنه من لب القول هنا في هذا المقام أن أنوه بالجهود الخيرة التي تبذلها المؤسسات التعليمية في بلادنا الحبيبة التي تجبر الطلاب على نبذ التقليد الأعمى لغير المسلمين ، يتمثل ذلك في منعهم من ارتداء أنواع من الملابس التي تحمل شعارات هدامة ، أو صور تافهة ، وإلزام الفتيات بزي موحد شعاره الحشمة والأدب ،
وإنزال العقوبات الرادعة بكل من يخل بتعاليم الدين وهدي خير المرسلين ، فالحمد لله على نعمة الإسلام وعلى تطبيقه ، اللهم دلنا إلى تعاليم دينك ، وحبب إلينا سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، إنك سميع مجيب.