( رؤية نفسية / اجتماعية )
ليس هناك أدنى شك في أن المجتمعات القديمة والحديثة عرفت التحرش الجنسي والاغتصاب بأشكال ودرجات مختلفة .
فبتحليل الأخبار والتاريخ قديما مثلا يخلف لنا شواهد لا تدع مجالا للشك في أن أعمال الاغتصاب كانت منتشرة بدرجة كبيرة مع اختلاف الظروف التي تحدث فيها مقارنة بعصرنا الراهن .
فقد كانت من التقاليد الشائعة في المجتمعات القديمة اغتصاب الجيوش المنتصرة نساء المهزومين بل أن مثل هذا السلوك ظل سائدا في الحروب المعاصرة فقد حدث هذا في الحربين العالميتين الأولى والثانية بل وفي حرب فيتنام والعراق وغيرها .
وعلى الرغم من ذلك فإن مثل هذه الأوضاع لم تمنع ولم تخفض معدلات الاغتصاب والتحرش الجنسي ومثال ذلك المجتمعات الغربية وفي مقدمتها المجتمع الأمريكي حيث تسود الحرية الجنسية.فلا عقاب على الزنا أو الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية سواء بين الذكور أو الإناث .
كما أن للبغاء سوق رائجة ومع ذلك تزداد معدلات الاغتصاب وكل أنواع التحرش الجنسي بشكل كبير . مما يدل على أن الحرية الجنسية وإباحة العلاقات الجنسية المحرمة أو بدون ضوابط ليست هي الحل للمشكلة .
وقد أشارت الكثير من الدراسات والبحوث النفسية في هذا الصدد إلى أن العوامل المؤدية إلى انتشار هذه الفاحشة في المجتمعات هو التفكك الأسري سواء أكان سببا أو نتيجة . فقد تبين مثلا في أوربا أنه كلما ازدادت معدلات الطلاق حققت الجرائم الجنسية أكبر زيادة .
وإلى جانب ذلك هناك عوامل نفسية بالإضافة إلى تلك الاجتماعية منها، ضعف الإيمان وما يترتب عليه من عدم الثقة وسوء تقدير قيمة المرأة على وجه التحديد واحترام الإنسان لآدميته والفهم الخاطئ لمفهوم الحرية خاصة المطلقة منها . وما يترتب على ذلك من فقدان أو عدم فهم الغرض من الحياة أو الشك في ذلك مما زاد في حالات العصاب والذهان والاضطرابات النفسية .
كذلك فإن لحركة تحرير المرأة المزعومة دورا في زيادة الجرائم الجنسية وهذا ما أثبتته الدراسات الحديثة حتى الغربية منها .
ومن العوامل النفسية التي تفسر سلوك الاغتصاب والتحرش الجنسي
أن معظم هذه الجرائم تقع لضحايا يكن في سن قبل البلوغ أو صغيرة (أطفالا غير بالغين ) وتكون أيضا في غالب الأحيان بغير رضاهم على هذا النوع من السلوك فيقع ذلك بالقوة وهناك من قد يغري الآخرين بارتكاب ذلك مع بعض الفتيات ،
مثل نزوعهن نحو التظاهر بأنهن أكبر سنا وتقليد نجمات السينما والغناء خاصة في السينما الغربية والراقصات أيضا والتبرج ومجاراة الموضة أو الصرعات الخليعة والاختلاط الفاسد بين الشباب . وفي بعض الجرائم نجد أن الضحية كانت هي التي أوقعت الجاني في شراكها .
وقد تبين في بعض الدراسات أن بعضا من المتهمين بالاغتصاب والتحرش الجنسي مصابين باضطرابات نفسية أو عقلية أو من صغار السن أو ضعاف العقول أو الذين يعانون من الحرمان الجنسي والعاطفي الشديد .
وقد ثبت من الدراسات أن كثيرا من حالات الاغتصاب التي تقع غير معلنة خاصة في المجتمعات العربية ولا يتم التبليغ عنها وذلك خوفا من العار أو من التشهير وعدم القدرة على إثبات الحالة أو التعرف على الجاني أو من عواقب ذلك كله.
كما أن الكثير من الفتيات والنساء يرغبن في أن يجنبن أنفسهن الحرج الناتج عن ذلك ومن نظرة الناس التي تنطوي على الإهانة والاحتقار إلى شخصهن . وهي في كثير من الأحيان تلقي اللوم على الضحية وكأن لها الدور الأكبر في حدوث ذلك ومثال ذلك حادثة فتاة ميدان العتبة الشهيرة في مدينة القاهرة .وقد يؤدي ذلك بالفتيات إلى شعورهن بأنهن اللاتي أجرمن وليس من قام باغتصابهن .
ناهيك عن سوء المعاملة التي يلقينها من رجال الشرطة وأجهزة العدالة . بل أن البعض يتلذذ بالنظر إليهن نظرات مريبة زد على ذلك الارتياب في سلوكهن وكثرة الأسئلة المحرجة إلى غير ذلك . ويعتبر بعض القضاة وأصحاب الرأي أن الضحية هي السبب في وقوع هذه الجريمة .!!! وقد تكون الضحية متزوجة وتقدر زوجها ولا ترغب في المزيد من سوء العواقب لها وله .
وهناك سلوك سائد لدى البعض في المجتمعات الفقيرة أو المنحطة أخلاقيا بالسماح بهذا السلوك . أو أنه بكل بساطة يحدث نوع من التجاهل أو الاعتراف أو القبول النسبي بهذا السلوك . بالإضافة إلى ضيق الأماكن وعدم الحرية والإطلاع الشديد على خصوصيات العلاقات بين الرجال والنساء مما يساعد على انتشار الفاحشة وشيوعها والتشجيع عليها في أحيان كثيرة !!! .
ويبدو أن هناك دورا لأفلام الفيديو العربية والأفلام الجنسية الأجنبية في استثارة الشباب وتشجيع مثل هذه الممارسات ومثل هذا السلوك . وقد تحفز عليه وتدعو إليه من خلال بعض مقدماته مثل المخدرات والسكر والعربدة وغير ذلك . ومن خلال سيادة منطق اللذة والمتعة بأي ثمن وكأنها هي الهدف من الحياة .
كما أثبتت أن للاغتصاب والتحرش الجنسي آثارا نفسية سلبية واجتماعية على المغتصبة ويترك آثارا جسدية سيئة عليها وقد تمتد إلى إنجاب السفاح واختلاط الأنساب وإلى مشكلات أسرية واجتماعية متعددة .
ومن الواجب التفكير في العلاج النفسي والاجتماعي المتكامل لهذه الظاهرة دون التركيز على الجانب القانوني والشرعي منها فقط .