السبت 27 يوليو 2024 / 21-محرم-1446

تَكْلِفَة “نَظَرِيَّة المُقَارَنَة”



 

نظرية المقارنة الاجتماعية” كما تُعرف بعلم النفس؛ تقول هذه النظرية بأننا نحدد قيمتنا الشخصية من خلال أوساطنا الاجتماعية الواقعية؛ -ومؤخراً أوساطنا الافتراضية- ويأتي ذلك على شكلين من المقارنات المستمرة: مقارنات “منحدرة”؛ بحيث يُقارن فيها الفرد نفسه بطرف أقل منه. وأخرى “تصاعدية”؛ على عكس شقيقتها؛ ويقارن فيها الفرد نفسه بآخرين أعلى منه -بشكلٍ من الأشكال-.

فالأولى؛ ومقارنةً بمن هم أسوأ منه حالاً؛ قد يستمد الفرد قيمته منها، ليظهر أمام ذاته شخصاً جديراً؛ وليس بهذا السوء. أما الثانية، فقد يرى بها نفسه دون المستوى؛ نتيجة للطرف المثالي في المقارنة. وقد تجري المقارنات على عدة أصعدة ظاهرة، وباطنة نذكر منها: النجاح، أو الجاذبية، أو العلم، أو الذكاء، أو الثراء…

ويرى اختصاصيون من “جامعة جنوب إلينوي” أن المقارنة الاجتماعية عامل رئيس، وفاعل في نشاط العملية الاستهلاكية في المجتمع. ومتى ما كان الفرد مأخوذاً بهالة الشعارات التجارية، والمصممين العالميين، و”الانطباع الأول” الذي سيتركه لدى الناس بناءاً على مظهره الخارجي، سيصبح أكثر عرضة للإنفاق على سِلْع ومنتجات، تكاد تنطق من سعرها الباهظ!

والأمر لدى هذه الشريحة لا يقتصر على انطباع الآخرين فحسب؛ فنظرتهم لأنفسهم، ومظهرهم، لا تقل أهمية عن نظرة الآخرين لهم. فتجدهم سبَّاقين لامتلاك أجدد السلع في أوساطهم الإجتماعية مهما كلفهم الأمر؛ وينتج ذلك عن حاجتهم الشخصية بأن يظهروا أشخاصاً ناجحين ربما أو ذوي قيمة، فهي مسألة إشباع؛ أكثر من كونها شيئًا آخر.

وتلعب سمعة العلامة التجارية دورًا هامًا لدى المتسوقين أثناء تبضعهم؛ فقد أسهمت الشخصيات المشهورة من (لاعبي كرة القدم، ونجوم سينما، وأطباء أحياناً)، بتعزيز وتغذية الولاء للعلامة التجارية عند المستهلك، دون أي يعي ذلك. فتجد أكثر رواد “البوتيكات” العالمية هم أكثر الناس مُبَاهاة، وتفاخرا، وعليه فإن الميول للعلامات التجارية، ومستوى الانتماء لها، ومعدل استهلاكها يتفاوت بتفاوت اهتماماتنا، ومستوى الوعي لدينا، وبالتالي آلية تقييمنا لشخصنا، وللآخرين.

وقد قسَّم الباحثون مقاصد الناس من حيث اهتمامهم بالمظاهر إلى ما يلي:

العمل على المظهر الخارجي كونه هدفا بحد ذاته. والعمل على المظهر الخارجي كونه مقياسًا للنجاح أو الجدارة. فالعاملون بمجال الرياضة، أو عرض الأزياء على سبيل المثال يتحتم عليهم أن يظهروا بمظهر خارجي “جذاب” نسبة لمقاييس مجالهم؛ وهم بذلك ينتمون للقسم الأول. وينتمي رواد “البوتيكات” العالمية للقسم الثاني؛ فهم يبتاعون القِطَع الباهظة كمقياس لنجاحهم، أو جدارتهم.

ويرى الباحثون من جديد أن نظرية “المقارنة الاجتماعية” تشكل نقطة مفصلية لدى الفرد المُستهلك، وتصوراته، وانطباعاته عن ذاته من حيث: النجاح، والاعتزاز بالنفس، والأهلية، مقارنةً بالآخرين؛ فيميل الناس ذوي “الوعي الذاتي الخاص” أو “الانشغال بالذات الحاد” إلى مراقبة ذاتهم باستمرار، وتفحصها، والتعمق بها؛ كما لو أنها مركز الكون. ما يدفعهم للقلق المفرط حول صورتهم الاجتماعية، وإنجازاتهم. وحسبما يرجح الباحثون أن السبب بذلك ينطوي على “الأنا المركزية”.

ففي الدراسة التي أجراها “ووركمان و لي” أكّد الطلاب المشاركون بأنهم يفضلون التبضع من علامات تجارية معروفة، حتى لو تطلبهم ذلك دفع المزيد من الأموال. وكأنهم يدعمون بطريقة أو بأخرى المسوقين لاستغلالهم باسم العلامة التجارية، وكونهم ما زالوا شبابا قد نظن بأنهم في ذروة سلوكياتهم الأنوية، ولكن غالباً ما ينتصف العمر بهذا النوع من الناس وهم لا يزالوان مهووسين بالصرف على المباهاة، والتفاخر.

ويدفعهم ربطهم الدائم بين مظهر الفرد الخارجي، وقيمته الذاتية، للتركيز أكثر على الشعارات التجارية ظناً منهم أنها ستجعلهم أجمل، وأكثر استحقاقاً. وغالباً ما يتهرب هؤلاء من حقيقة أنهم مهووسون بذلك. فتجد السيدة منهم تُفَضِّل أحمر شفاه بأضعاف سعر ذاك الذي توفره بعض الصيدليات بسعر مناسب، حتى ولو تطابق لوناهما، لأن ما يهمها حقاً هو الشعار التجاري، وعراقة العلامة.

الغريب بحق أننا نُهدر أموالاً على أمور نستخدمها أو نرتديها، من أغطية نوم أو لباس داخلي قد لا يتمكن من رؤيتها الآخرون، فضلاً عن كونها لا تشكل لديهم أهمية سواء كانت أغطية السرير من “آخر فرصة” أو “ڤيرساتشي هوم” بمن فيهم شريك حياتك.

وبناءاً على دراسة “ووركمان و لي” نستطيع تعريف التفاخر بوصفه شكلًا من أشكال النرجسية المقيتة، والتي يسعى فيها الأفراد لإيجاد سبل تشعرهم بأهميتهم، وجاذبيتهم، ونجاحهم؛ كوسيلة للتعويض عن مشاعر داخلية بالضعف، والدونية تجعلهم يعتقدون بأن حفنة سلع قد تخلصهم من هذه المشاعر.

بالنهاية، وقبل القيام بأي خطوة استهلاكية يجب أن تسأل نفسك هل أنت في محاولة لمجاراة أحدهم؟ هل تعتقد بأنك بحاجة لأن تكون أفضل من الآخرين، أو بحاجة لأن تثبت ذلك؟ أم تظن أنك أجمل من الآخرين، فبالتالي هذا ثمن ما تستحقه؟ أم أن الأمر ينحصر على جودة المنتج فحسب؟

على أية حال؛ حصرك لدوافعك سيمكنك من تحسين إدارتك المالية، وصورتك الاجتماعية على حد سواء.

 

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم