السبت 27 يوليو 2024 / 21-محرم-1446

المعرض والشباب



 

د . خالد بن سعود الحليبي

يستمر معرض الكتاب في حولياته، ذات الزخم الإعلامي، وفعالياته ذات التوجه النخبوي، وكأنما أعدت لبضع مئات من المثقفين بل أحيانا لبضع عشرات منهم، بينما تزدحم أروقة المعرض بألوف المشترين، وليس بألوف القراء!!
ادعاء ليس سهلا، وأتمنى بأن يكون غير صحيح..

ولكن حضوري الدوري للمعرض، وفي الوقت نفسه لقاءاتي التثقيفية مع الطلبة والطالبات يُشهدني

بأن (الشباب، والشابات) ـ وهم الغالبية العظمى من المتعلمين ـ في شبه غياب عن الكتاب،
فما سألت تجمعا تعليميا في شتى المراحل الدراسية عن نصيب القراءة في حياتهم إلا وجدت ما يسوؤني،
ويرتد غصة في حلقي..

إن الشباب معرضون تماما عن معانقة الكتاب، ومقبلون تماما على معانقة لوحات المفاتيح في حواسيبهم وجوالاتهم، والثقافة تشكو غربة نكداء، يدعيها أقوام ليتخذوها سلما لما يريدون، ويهجرها من هم مستقبل الوطن وأمله الحالم.

إن معرض الكتاب يطرق جرْس الإنذار دون رنين، إنه يقول بلسان الحال: أنا هنا لمن؟

إنني لا أقلل من حجم هذه التظاهرة الثقافية، وقيمتها الكبرى، وأجد من الضروري استدامتها وتطويرها،

ولكنني ـ هنا ـ أندب حظ الوطن في الفئة الغالية علينا جميعا؛ الشباب!!

ومدى استفادتهم من هذه الفرصة الكبرى في الحصول على الكتب القيمة؛ التي اعتاد أصحابها أن يجعلوها موطن ولادة تجاربهم الجديدة، أو مكان عرض نتاجهم الإبداعي الأثير، حتى أصبح المعرض ـ بلا ريب ـ شاحذا لهمم الكتاب الكبار بأن يعدوا لكل موسم كتابا على الأقل، يكون قادرا على لفت الأنظار، وتسويقه بطرق حديثة وحضارية؛ كتوقيعه من المؤلف، أو وضع ملخص عنه في وسائل إعلامية متطورة.

ولكن همي هو هذا الجيل!! كيف يمكن الأخذ بيده إلى القراءة؟

كيف يمكن جذب يديه إلى خير صديق في الزمان كما يقول الكندي،
كيف يمكن تحويل القراءة لديه إلى عادة، أو إلى إدمان؟

إن الثقافة تشكو اليوم من كتابات هشة لا تماسك فيها، ولا ثروة لغوية، ولا صورة مبهرة، وهي التي تملأ كثيرا من الزوايا والخبايا، والسبب ـ بلا تردد ـ الثقافة الهشة التي بنيت عليها، فإن الإناء بما فيه ينضح، وقد سئل ابن المقفع عن سحر بيانه فأجاب: خطب العرب.. حفظناها؛ فغارت ثم فاضت!!

فما الذي قرأه هؤلاء؟
ليس مهما أن أجيب عن هذا السؤال؛ لأنه تقويم لجيل لا يزال يعطي مما عنده، وفيهم أعلام الفكر والأدب، ولكن المهم هو: متى ينطلق مشروع وطني كبير بحجم الوطن للشباب والشابات فقط، يبذل فيه أضعاف ما يبذل في معرض الكتاب؛ يعدّ لغد أكثر عطاء وجودة؟!

ألا ترى أننا في حاجة إلى بناء شخصيات قادرة على أن تكون منارات في طريق الثقافة والعلم والإبداع؟ كيف يكون ذلك في ظل هذا الهدر الخطير من الوقت أمام مواقع ليس فيها إلا (سواليف) أو خروج عن دوائر الأدب، والآن أصبحت بؤرا لتعشيش أصحاب الأفكار الفردية، التي تكبر وتتضخم بفعل الفراغ والتشويش الإعلامي، حتى إنك لتجد لكل فكرة ـ مهما كانت رديئة أو ضعيفة ـ من يتجمهر حولها، ويسجل إعجابه بها.. بالألوف!!
أحقا .. الجماهير لا عقل لها.. كما قال شكسبير؟!

هل يمكن أن ينطبق هذا التعبير على واقعنا العربي في زمن التدفق المعلوماتي؟

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم