السبت 27 يوليو 2024 / 21-محرم-1446

الفتور العاطفي بين الزوجين..دعوة للفتنة !



http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSumqYk1OBaNaNY_8MirZ3qcGM0X5POE2cM3hZLf7xbU8GhTKG3
أ. عبد الرحمن هاشم.

الرسائل التي تنشرها الصحف كل يوم ويشكو كاتبوها من ظاهرة الفتور العاطفي بين الزوجين تستدعي حلولاً غير تقليدية تستطيع احتواء التصدع ومنع الانهيار.

ذلك أن المجتمع يتكون من بيوت وأسر فإذا تهدمت البيوت تهدم المجتمع وإذا تهدم المجتمع فأنذر بخراب العمران والبشر.

من واقع هذه الرسائل، نكتشف شح الأزواج عاطفياً وضجر الزوجات من البعاد والجفوة وشدة تلهفهن لسماع كلمات الود والمحبة والألفة من أزواجهن الذين ربما كانواأكثر سخاء وإنفاقاً لتلك الكلمات مع أخريات.

وتكون النتيجة انصراف الزوجات إلى المسلسلات الرومانسية ـ التركية منها على وجه الخصوص ـ يعشن في أجوائها فيزددن هما على هم وغما فوق غم!

ما سبق جعلنا نتحرى الرؤى السديدة والتجارب الناجحة في إقامة البيوت ليس على الحب فقط ولكن

ـ وهو الأهم ـ على السكن والمودة والرحمة.

 

الدكتور على عبد الحليم محمود من علماء الأزهر وصاحب المؤلفات التربوية العديدة يؤكد أن الشريعة الإسلامية لا تتحيز للرجل ولا تعطيه حقوقاً لا تعطيها للمرأة خاصة فيما يتعلق بالحقوق الزوجية، لكن هناك تساوياً وعدلاً في الحقوق والواجبات بين الزوجين.

لكننا للأسف نجهل ما لنا وما علينا، ولم نتلق في مدارسنا أو من وسائل إعلامنا الثقافة اللازمة لبناء أسرة سعيدة متفاهمة.

ويقول : الأمر في غاية البساطة، نحن نتزوج لنسعد لا لنشقى، وبالتالي على كل من الزوج والزوجة أن يقدم أفضل ما لديه وألا يبخل بشيء على الآخر، وأن يتعاونا معا لمواجهة ظروف الحياة الصعبة لا أن يقف أحدهما لمواجهة الآخر ويتخذه عدواً!

ينبغي أن يكون الهدف من الإنجاب تربية ذرية صالحة لها القدرة على إعمار الأرض وإصلاحها، لكننا حولنا هذا الهدف إلى عملية ( اختبار ) نختبر فيها قدرتنا على الإنجاب ، لأنه طالما تزوجنا يجب أن ننجب، وليس طفلا أو طفلين فقط ولكن أربعة وخمسة وستة أطفال دون أن نسأل أنفسنا لماذا ننجب، وما الهدف من وراء ذلك، ولا ندرك خطورة المسئولية في تربية الأولاد على الأخلاق والقيم الحميدة، وتعليمهم العلم النافع لهم ولغيرهم.

 

ويضيف د. علي عبد الحليم : كثير منا لا يدرك خطورة أن يقول لابنه مثلا : ” رد على عمك وقل له أبي غير موجود ” أو : ” حذار يا حبيبتي تقولي لوالدك إننا قد خرجنا في المساء ” ثم نطلب منهم بعد ذلك ألا يكذبوا علينا.

الأطفال شديدو الذكاء والملاحظة، وهم ليسوا في حاجة إلى توجيه التعليمات ولكنهم بحاجة إلى القدوة الحسنة، فهم يراقبون كل تصرفاتنا دون أن ندري ويسجلون كل خطأ أو صواب حتى وهم يلهون ويلعبون حولنا ونحن نعتقد أنهم لا يلتفتون إلينا ، يشعرون إن كنا متحابين أم يكره كلانا الآخر حتى وإن لم نتشاجر أمامهم ،

ولهذا نجدهم نسخة منا عندما يكبرون، ولو ترك الخيار للطفل لاختار بكل تأكيد أن يعيش مع أحد الأبوين ويتواصل بشكل دائم مع الآخر على أن يرى والده يبغض والدته أو والدته تخون والده أو والده يقتات من الحرام من أجله أو والدته تتقبل الإهانة حرصاً عليه، وقتها سيكره نفسه ويرى أنه مصدر تعاسة لأهله، ولن يصبح إنسانا سوياً بأي حال من الأحوال.


وتشبه الأستاذة حنان فتحي عضو اتحاد كتاب مصر الزوج الذي يهمل زوجته زمناً ما؛ بشخص ترك حذاءً وتحذى سواه. فإذا عاد إلى الأول أتعبه وأحس أنه ناشف، لا يلين لقدمه، أو أن رأسه المستدق أضيق مما ينبغي، أو أن جانبيه قد تقبضا، أو أنه يزم زماً محكماً

والحل يكمن في المواظبة والصبر حتى يلين الحذاء ويعود مريحاً كما كان.. وإذا أراد الزوج صاحب النزوات أن يعود إلى عشه وأن يسر زوجته ويبرها، فإن الصبر وحده لا يكفي، ولا مفر من مجهود يبذله لتعود فتسكن إليه وتثق بأنه عاد إليها، كله لا بجانب من نفسه.

وتنصح الزوجين فتقول : تذكرا الأوقات الممتعة بينكما فإن الذكرى أمتع من النعيم نفسه ..

إذ في ساعة الفوز به ومعايشته يكون الإنسان مستغرقاً فيه فلا يستطيع أن يحيط بصوره ومعانيه وإنما يتيسر ذلك بعد انقضائه وعند استدعائه للذاكرة ولو بعد أمد طال أم قصر.
مثال ذلك أنك تظمأ فتشرب.

ولا شك أنك تجد لذة وأنت ترتشف الماء على ظمأ؛ لكن ألذ من ذلك أن تتذكر ما كان من ظمئك وما كان من حلاوة الماء في لسانك وحلقك، وطيب انحداره بارداً إلى جوفك الحار، وحسن ما شعرت به من الارتواء بعد الحر والعطش.

ولا سبيل إلى إدراك هذا كله وجمع صوره وإحضارها إلى الذهن ، وتمثلها ، إلا بعد حصول الشراب والارتواء، حين يجد العقل فسحة فيكر راجعاً إلى ما كان مما عانى ومما أفاد، أما قبل ذلك وعند الشرب فهو مشغول بحر العطش؛ والحاجة إلى إطفائه، وبمعالجة تناول الماء ورفعه إلي فيه.

وهكذا في كل أمر آخر، فإن متعة تفوز بها في خمس دقائق قصيرات لا تشعر في أثنائها بكل ما تشعر به فيما بعد حين تتذكر ما كنت فيه. والذكرى هي التي تغريك بالمعاودة.

 

وتسرد الدكتورة سوزان محمد فاروق ( زوجة طبيبة وأم لخمسة أولاد ) وصفة تجربتها مع السعادة تقدمها هدية للزوجات اللاتي تكثر شكواهن من الفتور العاطفي للزوج بمرور السنين، فتقول : تعلمت من أبي رحمه الله مبدأين مهمين في الحياة أحدهما العطاء بلا انتظار للمقابل سوى من الله عز وجل ، والثاني التماس الأعذار للآخرين.

فإذا نظرنا إلى ذلك الزوج الذي ننتظر منه كلمة حانية أو نظرة حب فهل فكرنا في ذلك العمل الذي يعمله ليلا ونهارا فينهك جسديا وعصبيا ونفسيا وهو لا يشتكي.

ولو نظرنا بعين الاعتبار إلى هذا المجهود الذهني والجسدي مهما اختلفت طبيعة عمل كل زوج والتمسنا له العذر في ألا يجد في ذهنه فراغا ليقول كلمة حب أو يربت على كتف زوجته وفكرنا قليلا في أنه هو الذي يحتاج إلى ذلك بل هو في مسيس الحاجة لذلك، ثم فكرنا مرة أخرى في أنه يقدم التطبيق العملي لهذا المعنى عملا لا قولا.

أليس هذا المجهود لك ولأولادك ولتوفير حياة مستقرة ومستقبل مرض للجميع؟ ألم تفكري كم يستهلك ذلك من قدراته؟

أليس ذلك حباً عملياً لك .. حينما يكف بصره وسمعه وقلبه وعقله عن النساء اللاتي يعملن معه ومنهن من هي أجمل منك وأرق منك وأنت لا تعلمين ماذا يقلن أو يفعلن، أليس هذا أكبر دليل عملي على حبه لك.. حينما يقدم خدمات لأهلك أو يتركك تذهبين لمساعدة أي منهم ولا يعترض على ذلك ويتغاضى عن بعض تقصيرك في البيت أليس هذا حباً منه؟

 

ويوجه رضا نبيه الباحث في العلوم الاجتماعية حديثه إلى النسوة اللاتي يشتكين من جفوة أزواجهن وافتقادهن لكلمات الود والمحبة فيقول : مع تأييدي لمطالبكن المشروعة فإنني أكثر تعاطفا مع هؤلاء الزوجات اللاتي يتلقين كل يوم وابلا من السباب والتقريع من أزواجهن بل ربما وصل الأمر إلى الضرب بكل درجاته والأذى بكل أنواعه..

وكأني بهذا النوع الأخير وهن يغبطن كل امرأة يكف زوجها شرها عنه ولا يوجه لها سبابا ولا قذفا، ولا يذهب خيالها أبدا في أن يتجاوز ذلك إلى أن يبادرها بكلمات العشق والهيام! ولسان حالهن يقول : كم أنتن في نعمة لا يعرف قدرها سوى تلك المرأة التي تعاني من زوجها الأمرين ولا تنتظر منه سوى أن يكف بأسه عنها!

ويضيف : حاشا لله أن أكون مستخفاً بحقوق الزوجات في أن ينلن نصيبهن من الود والرحمة من أزواجهن فهذا حق شرعي أخبرنا به سبحانه وتعالى في قوله ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة “، فالزوجة التي تطالب بهذا الحق لهي سيدة كريمة طاهرة تبحث عن الحلال ولا تريد للنفس الأمارة بالسوء أن توسوس لها بأن تحاول إشباع هذا الجانب بطرق لا يرضى عنها الله!

وأود أن تكون الصورة واضحة واللوحة مكتملة وذلك بتوجيه نداء إلى كل زوجة نكدية أن تكف عن هذا السلوك،

وأن تجعل من البيت واحة للسكينة والهدوء لزوجها حتى لا يفر منها ومن البيت ومن الأولاد إلى المقاهي والأصدقاء ثم تشتكي بعد ذلك من هروب وجفاء ، وقد قرأت مثلا طريفا يقول ( اللي مراته مفرفشة يرجع البيت من العشا )،

فالمسئولية مشتركة بين الزوج والزوجة في توفير وتهيئة مناخ المحبة والمودة، والعلاقة يجب أن تقوم على التكامل والتواصل والتراحم وليس على التخوين والجفاء والتناطح وكأنهما خصمان يحاول كل منهما كسر أنف الآخر وإشعاره بأنه الأهم والأولى بالرعاية وتحقيق رغباته حتى ولو كانت على حساب الطرف الآخر !

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم