الخميس 14 نوفمبر 2024 / 12-جمادى الأولى-1446

الصديق الحقيقي لايمكن أن يخونك أو يطعنك من الخلف



الصديق الحقيقي لايمكن أن يخونك أو يطعنك من الخلف

صداقة العمر..القلب لاينسى روحه!

الخبر، تحقيق – عبير البراهيم

أجمل حالة من الممكن أن يعيشها المرء في الحياة حينما يجد في منتصف الطريق إنسان يشبهه، يحمل ذات القيم، وذات الأخلاقيات، ويؤمن بما يؤمن به، يجد لديه كل الاهتمامات، كل المعاني الحلوة التي يحب أن يعيشها، ليكتشف بأن هذا الإنسان الذي ألتقاه قريبا منه، قريبا منه جدا حد الالتصاق، ثم يكتشف بأنه يحمل وجهه، ويمتلك ذات الأصابع التي تمتد لمعاني الحياة، وله ذات التفكير في رسم الخطوط العريضة في الكون، وليكتشف بأنه يقاسمه ذات الروح في التصرف في المواقف العامة والخاصة..يجد ذلك الإنسان محمل به، ولديه قدرة بأن يكون أخاه التي لم تلدهما ذات الأم، أنه القلب الذي تلجأ إليه حينما تقفل أبواب القلوب، وهو العقل الذي يضع جميع خبراته الحياتية بين يديك ليرشدك إلى الاختيار الصحيح، إنه الإنسان الذي تلتقيه في الحياة ولايمكن أن يخون، ولايمكن أن يطعنك من الخلف، ولايمكن أن يفضل نفسه عليك، بل أنه أكثر خوفا عليك من نفسك،


التوافق مهم في استمرار الصداقة

شعور متبادل

يراك كما يرى نفسه في أفضل حالاتها، إن ذلك الكائن التي يقاسمك في كل شيء حتى أحلامك…ربما حلم بها عوضا عنك، وخطط لها لتسعد، إنه الإنسان الذي تجده في كل المواقف إنسان واحد لايتغير، وفي أكثر الظروف الصعبة واقفا بصلابة بالقرب منك، وهو الإنسان الذي حينما يتخلى عنك الجميع يبقى بجوارك يشد من ضعفك، ويحمي ظهرك لأنه يقف خلفك، إنه ذلك الإنسان الذي يعطي ولا ينتظر منك المقابل، ولا يأخذ منك إلا حزنك وهمومك، إنه القلب الوفي في أكثر الأوقات التي ينتفي بها الوفاء، وهو الصلب في أكثر الأوقات مرونة وارتخاء إنه الإنسان الذي يعرف ماستقوله دون أن تنطق بكلمة واحدة، لديه القدرة على قراءة مالاتستطيع أن تقرأه أنت في ذاتك، إنه ذلك الصادق معك حتى حينما يجرحك صدقه، إنه الخائف عليك من كل شيء حتى من ضعفه البشري، إنه الذي لايسيء فهمك، ولا يظن فيك ظن السوء، ولا يسمح لأي فرد أن يذكرك بسوء، إنه الإنسان الذي تمنحك الحياة إياه بدون تكلفة القرابة أو روابط الدم…قلب تجده برفقة قلبك يلتزم معك بجميع الوعود…ويفي لك بكل مالم يعدك به…إنه القلب الذي لاينسى …ولايهملك…ولا يتجاهلك…ولايمكن أن يضيعك أبدا….ذلك الإنسان…هو الصديق…فهل التقيت بذلك النوع من الأصدقاء في الحياة؟ ولماذا نخسر ذلك النوع من الأصدقاء في الحياة؟ لماذا نجدهم ليغيروا من معالم الدنيا من حولنا ثم قد يختفون أو يتغيرون أو يفرون دون أن نعرف أسباب ذلك الفرار؟ لماذا من الممكن أن تتلوث صداقاتنا؟ فنخسرها!

القرابة قد تفسد الصداقة

تعود “نسرين مصطفى” بذاكرتها إلى تلك الأيام الجميلة التي كانت تجمعها بصديقة عمرها الوحيدة، والتي تعلمت معها في فصل دراسي واحد منذ المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية، وقد كان قربها من تلك الصديقة أعمق من قربها من شقيقاتها أنفسهن، كانت تخرج معها في جميع المناسبات، وتحضر المحاضرات معها، ويقضين الفائض من الوقت في الجامعة سويا…وحتى حينما تعود كل واحدة منهن إلى المنزل يبقى بينهما تواصل عبر الهاتف، وربما تزاورتا في المساء، حتى تسبب ذلك الرباط الشديد بينهما إلى ارتباط بين اسرتيهما على الرغم من أنه لايوجد هناك قرابة بينهما أبدا، وقد استمرت تلك الصداقة أكثر من 15 سنة، حتى قررت صديقتها أن توثق تلك الصداقة باختيارها كزوجة لشقيقها فتزوجت بشقيق صديقتها، وقد كان الجميع يحسدهما على فرط تلك العلاقة الحميمة والصداقة الكبيرة التي تجمع بينهما، إلا أن اختلافا كبيرا حدث بينها وبين زوجها الذي هو شقيق صديقتها وتدخلت الأسرة لتهز أعمدة تلك الصداقة، حتى انتهت تلك الصداقة بطلاقها من شقيق صديقتها، مشيرة إلى أن الصداقة لكي تستمر بشكلها الحقيقي لابد أن لاتتقاطع مع القرابة أبدا لأنها سوف تفسدها، وعلى الرغم من أن العلاقة الإنسانية الجيدة مازالت تربطها بتلك الصديقة إلا أنها تصفها بأنها خرجت عن إطار الصداقة وأصبحت مجرد معرفة، متألمة “نسرين” لحال صداقتها التي وصلت لمرحلة تمر فيها الكثير من المناسبات دون أن تجد تلك الصديقة التي لم تكن تفارقها للحظة، متمنية أن يعود الزمن للخلف حتى تستعيد تلك الصداقة التي تؤكد بأنها لن تعيش مثلها أبدا.

الصداقة تفسدها الوشاية

ويتفق معها “عبد العزيز إبراهيم” الذي كانت تربطه علاقة صداقة كبيرة مع زميله الذي كان يدرس معه في الجامعة، فقد توطدت العلاقة بينهما بشكل كبير، وأصبحت آمالهما واحدة، حتى بدأ كل منهما يرسم حياته بناء على تلك الصداقة، ومرت السنوات وبقيت تلك الصداقة متينة وقوية، حتى اتفقا أن يتزوجا في ذات اليوم وقد تحقق ذلك، ثم اختارا بناء بيت العمر في ذات الأرض التي امتلكاها وقاما ببناء منازلهم بالقرب من بعض، وبقيت الحياة تعطيهم من فضائل تلك الصداقة بسخاء، حتى وفجأة أصبح صديقه يبتعد عنه دون مقدمات وأخذ يتهرب منه دون أن تتضح له الأسباب في ذلك، لكنه لاحظ بأنه أصبح قريبا من جارهما الذي لم يكن يثق به ، حتى بدأت تلك الصداقة تدخلها الظنون، والأخطاء، والشك من قبل ذلك الصديق الذي أخذ يتعامل معه بتجاهل شديد.

التضحية والمحبة

وأوضح بأنه من الصعب أن تجد بأن صديقك الذي عاش معك أهم المراحل في حياتك “يتغير” دون أن يكون هناك أسباب قوية تهز من تلك الصداقة، فمن عجائب العلاقات بأنها تبدأ على أسس متينة وتنتهي على أسباب لاقيمة لها، مؤكدا بأن الصديق الحقيقي لابد أن يصدق صديقه في كل مايسمعه عنه وما يقال له عن صديقه، كما أن الصداقة تتطلب من الإنسان الكثير من التضحية والمحبة التي لايمكن أن تغيرها الظروف، مبينا بأنه وعلى الرغم من التوتر الشديد والضعف الذي أصبح يشوب علاقة صداقة عمره تلك إلا أنه مازال يترك الباب مواربا لعودة ذلك الصديق، ومازال يرجو بأن لايتأخر كثيرا، خاصة بعد أن أسمى ابنه الوحيد على اسم ذلك الصديق، الذي وصل إلى مرحلة حينما يراه لايبادله التحية، مؤكدا على أنّ الصداقة حينما تنهار فإنها تأخذ منك كل الأشياء الجميلة، حتى الصحة فقد أصيب بمرض السكري نتيجة الضغوط التي عاشها بسبب تفكك تلك الصداقة.


التسامح يطيل الصداقة

وترى “هالة العنزي” بأن الصداقة لايمكن أن تقف عند العقبات التي تختلقها الظروف فالصديق الحقيقي هو الذي لايصدق إلا صديقه الذي يعرفه أكثر من نفسه، وهو الوفي حتى حينما يجدك غير وفي، مشيرة إلى صديقتها الوحيدة التي عاشت معها جميع مراحل حياتها حتى أنهما أنجبا الأبناء سويا وهما بصدد أن يدخلا بعلاقة مصاهرة بين ابنتها وابن صديقتها، مؤكدة بأن الحياة لايمكن أن يعيشها المرء دون وجود صداقة حقيقية، مبينة السر في استمرار صداقتها لأكثر من عشرين سنة دون أن تهتز ، بأنها تعرضت للكثير من المواقف الصعبة مع صديقتها تلك كادت أن تخسر صداقتها بها ولكنها وضعت “التسامح” واحتواء الأخطاء شعارا لها في تلك الصداقة، وذلك هو سبب استمرار تلك الصداقة.

تقارب الأرواح

وأكد “أ.د.سلطان بن موسى العويضة” -أستاذ علم النفس واستشاري العلاج النفسي بجامعة الملك سعود- على أننا نستطيع حماية صداقاتنا بالتريث في معرفة على من نطلق لفظة “صديق”، موضحا بأنه من الحماقة نعت صفة الصداقة على علاقة عابرة تربطنا بإنسان بسبب ظروف سفر أو زمالة دراسة أو رابطة قربى، مبينا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وضح مايحدث للقلوب حين تتعارف الأرواح لتتآلف وحين تختلف فتتنافر حين قال (الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وماتناكر منها اختلف) وقد حدد الفاروق رضي الله عنه معرفة الرجال بمحكات منها التعامل بالمال والسفر وربما تفضي هذه التعاملات إلى صداقة، مشيراً إلى أن النفسانيين يتحدثون عن التجاذب الشخصي والذي يستند على الارتياح الشكلي والأهم وجود قواسم مشتركة من قيم وميول واتجاهات حياتية تتضمن الالتزام الديني والتوجهات السياسية والفكرية والأدبية والفنية والرياضية والتجارية والأكاديمية، موضحا بأن التيقن من اختيار “الصديق” على أسس سليمة يفضي بالضرورة إلى وضع كل الضمانات لرعاية عرى الصداقة الحقة من أي تصدع، وحين تتعرى صداقة فعلى الصديقين الإجابة على السؤال التالي: هل فعلا كنا أصدقاء؟

 

  المصدر: جريدة الرياض : العدد15882

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم