السبت 27 يوليو 2024 / 21-محرم-1446

الأمان النفسي لأبنائنا بالمدارس



 

المقدمة :

يعد الأمان مطلبا أساسياً ضروريا وجوهريا للإنسان , ليستطيع أن يعيش حياة كريمة مستقرة ومطمئنة . فبغياب الامان لا تحلو حياة الإنسان ولا يهنأ بها , والأمان نوعان جسدي ونفسي , ولهما نفس الاهمية :

–  فالأمان الجسدي : هو شعور الإنسان بعدم الخوف أو القلق من التعدي عليه أو إيذائه جسديا , بالضرب والتعذيب … إلخ .

 – والأمان النفسي : له عدة تعريفات , ومن وجهة نظري , هو الاحساس الداخلي للإنسان بالراحة أثناء تواجده مع الآخرين في المكان , بحيث يستطيع التعبير عن آرائه وأفكاره بمنتهى الحرية , دون خوف أو قلق من رفض أو سخرية أو نفور الآخرين منه . وسنركز بحثنا هذا على الأمان النفسي للطالب .

أهمية الأمان النفسي للطالب : إن توفير الأمان النفسي للطالب , يجعل منه إنسانا مقداما  , قادرا على إدارة شؤون حياته ومشاركة الآخرين في بناء مجتمعه . ويُعدّ الأمان النفسي مُهماُ للطالب للأسباب التالية :

–  يجعل منه انسانا مبدعا وخلاقا وواثقا بنفسه , قادرا على التأقلم حيثما كان .

يزيل مشاعر الخوف والقلق من الآخرين , وبالتالي يقلل من تعلق الطالب بأسرته واعتماده عليها .

يجعل منه إنسانا عصامياً , قادراً على تحمُّل المسؤولية مُبكرا .

تقدير الذات ؛ وبأنه شخص له مكانته واحترامه عند الآخرين .

يعزز يقينه بان الكمال لله وحده , فيتولد لديه شعوره بالرضى عن نفسه وعن الآخرين , ويدفعه ذلك إلى تقبل زلات وهفوات الآخرين .

يجعله يقتنع باختلاف ظروف كل إنسان عن الآخرين , من حيث البيئة وظروف الاسرة المادية والثقافية والاجتماعية , وبهذه القناعة يصبح ديناميكيا بتعامله مع الناس , من خلال امتلاكه عدة طرق للتعامل مع الاخرين , كل شخص حسب ظروفه .

 – يجعل منه انسانا طيباً دمث الأخلاق , فيتقرب منه الاخرين , ويستطيع أن يكسب المزيد من الاصدقاء .

العوامل المؤثرة على الطالب : يوجد العديد من العوامل التي تؤثر على نفسية  الطالب أهمها : الأسرة , والشارع , والمدرسة , وللمدرسة أهمية خاصة لأن الطالب يقضي بها وقتاً طويلاً مع أقرانه .

إن حاجة الطالب للأمان , تبدأ منذ بداية مرحلة التمهيدي , إذ أنه يكون متعلقا بأمه تعلقا شديدا , وهذا التعلق بالأم يبدأ بالزوال عند شعور الطفل بالأمان في فصله , سواء مع أقرانه أو مع المعلمة , وخاصة المرشدة . لذلك يتوجب على المرشدة التواصل المستمر والبناء مع كل الطلاب , ومعرفة أحوال كل طالب على حِده .

فالمرشدة هي حلقة الوصل بين الطالب والأسرة والمدرسة , والإرشاد المدرسي مسؤولية كبيرة , لان المطلوب منه أمورا كثيرة وكبيرة , أهمها :

 إولاً – دور الارشاد المدرسي في مرحلة التمهيدي والابتدائي :

معرفة أحوال كل طالب , النفسية والجسدية والعائلية , ووضع الحلول المناسبة للحالات الخاصة مثل ( طلاق الوالدين , أو وفاة أحد الوالدين , وجود أمراض مزمنة كالسكر , أو وجود إعاقة ما , .. إلخ )  .

–  حل أي مشكلة تقع بين الطالب والمدرسة , أو بين الطلاب أنفسهم , وتقديم المساعدة والحلول الممكنة لأي مشكلة تحصل بين الطالب وأسرته .

احتواء الطلاب وتوجيههم توجيها سليما , وزرع الألفة والمحبة بينهم .

التقرب من الطلاب بالتجول بينهم أثناء الفسحة , لاستكشاف الحالات غير الظاهرة كانزواء أحد الطلاب بعيداً عن زملائه , أو اكتشاف حالات التنمر , للوقوف على حقيقة الأمور والمساعدة في حلها .

يجب أن تتحلى المرشدة , بالأخلاق الفاضلة والسمعة الحسنة , وأن تتمتع بأسلوب لطيف بالتعامل مع الآخرين وبخاصة مع الطلاب , حتى لا ينفرون منها وتتمكن من التواصل معهم بأريحية .

ضرورة تحلي المرشدة بخفة الدم وحس الفكاهة وكتمان أسرار الآخرين , لتستطيع كسب قلوب الطلاب وتقربهم منها , حينها يشعرون بالأمان تجاهها , فيبوحون لها بأسرارهم ومشكلاتهم وما يجول بخاطرهم , دون خوف أو حرج .

–  الاستقصاء الدائم والمستمر عن الطلاب , من خلال مراقبتهم بالفسحة أو بسؤال معلمة الفصل أو بعض الطلاب , أو بالتواصل مع الأسرة , وكذلك بمراجعة مستوى الطلاب الدراسي , لمعرفة أسباب تراجع مستوى أي طالب ومعالجتها .

–  يجب أن تتمتع المرشدة بالروح الرياضية وبسعة الصدر , حتى تتمكن من التواصل مع مختلف الأعمار , وأن تسمع منهم كل شيء دون تضجر , وأن تعامل كل طالب كأنه ابنا لها .

حتى تتمكن المرشدة من القيام بدورها على أكمل وجه , يجب أن تكون مثقفة وواسعة الاطلاع , وملمة بكثير من العلوم وخاصة علوم النفس والاجتماع .

ثانياً – دور الارشاد في المرحلة المتوسطة , ويطلق عليها عادة( مرحلة بداية المراهقة ) :

المرحلة المتوسطة هي مرحلة انتقالية مهمة ومختلفة تماماً عن الابتدائية , إذ ينتقل الطالب فيها إلى مكان جديد وربما بعيدا عن منزله , ويقابل زملاء جدد . إنها مرحلة متغيرة كليا , فيجد بالمدرسة طلابا اكبر منه سنا ومعلمين او معلمات كُثُر , وكل مادة لها معلمها الخاص بها , وقد تكون بعض المعلمات عصبية المزاج وترفع صوتها كثيرا , كما ان الاذاعة المدرسية – مع كل اسف – يكثُر فيها التهديد والوعيد , هنا قد يساور الخوف والقلق بعض الطلاب , لأنهم لم يعتادوا على مثل هذه البيئة , لذلك يكون دور المرشدة بهذه المرحلة شاقا وصعبا , خاصة ان هذه الرحلة يغلب على طلابها العناد وتقليد الاخرين بهدف لفت الانظار , لذلك يتوجب على المرشدة ما يلي :

مراعاة تصرفات بعض الطلاب المزعجة , ومعالجتها على انفراد وبسرية .

قيام المرشدة بإلقاء كلمة صباحية يومية بالإذاعة المدرسية , تبشر بالخير وتبعث الامل والطمأنينة في نفوس الطلاب .

الطلب من مديرة المدرسة والمعلمات , الابتعاد قدر الامكان عن التوبيخ والتأنيب , وأن يقتصر ذلك على  بعض الحالات المستوجبة للعقوبة .

تحفيز الطلاب من خلال شكر المتفوقين وتقديم الشهادات للمتميزين أثناء الاجتماع الصباحي .

البعد عن العقوبة الجماعية , وحصر العقوبة بحدودها الضيقة وبمن يستحقها , حتى يشعر الطالب بان المدرسة داراً للتعليم وليس مكاناً للعقوبة .

ان القضاء على ظاهرة غياب الطلاب المتكررة واستيائهم من المدرسة وقلقهم من الدوام , يتطلب البعد عن ممارسة الاحباط النفسي للطلاب , وإشاعة جو من المرح ليشعر الطلاب بان المدرسة هي بيتهم الثاني , حينها يشعرون بالأمان النفسي وبالسعادة .

 ثالثاً – دور الارشاد في المرحلة الثانوية , ويطلق عليها عادة( مرحلة المراهقة ) :

المرحلة الثانوية هي مرحلة حساسة ودقيقة , وتحتاج الى تخفيف اللوم كثيرا , والى اكبر قدر من التحفيز , لأنها مرحلة جني الثمار , وهي المرحلة الفاصلة في حياة أي طالب , لأنها تحدد مستقبله كله , لأجل ذلك  تتزايد  وتتعاظم واجبات المرشدة في هذه المرحلة لدقتها وخطورتها , وأهم واجبات المرشدة في هذه المرحلة :

المتابعة الدقيقة لحالة كل طالب , والجدية بملاحظة مشكلة أي طالب , و الاسراع وعدم التراخي بحلها .

الوقوف بجانب الطالبة الخجولة , أو اليتيمة , او من تعاني من أي مشكلة , وبذل كل الجهود الممكنة لتجاوز تلك المشكلة .

رفع معنويات الطالبات المحبطات ,بتحفيزها وتعزيز النواحي الايجابية بشخصيتها , ودمجها مع فريق عمل من زميلاتها يخصص لأجلها .

أن تكون كأم لجميع الطالبات , تواسي المرهقة , وتداوي المريضة , وتشجع المجتهدة , وتحفزهن بان القادم من الأيام أجمل بإذن الله , إن اجتهدنا وبذلنا جهدنا من أجله . فالمستقبل المشرق والسعيد يحتاج الى التضحيات بالمذاكرة ومدارسة المواد  .

التواصل مع الأهل فيما يخص ابنتهم , فالطالبة الموهوبة تحتاج إلى تشجيع ودعم الأهل , وإن كانت كسولة وغير مهتمة للبحث مع أهلها عن أسباب إهمالها لمعالجتها وتحفيزها لمزيد من الجد والاجتهاد .

التحفيز ثم التحفيز ثم التحفيز بالإذاعة المدرسية والاجتماع الصباحي , للموهوبات والمجتهدات والمتميزات , لدفعهن لمزيد من العطاء , وتشجيع غيرهن على الجد والاجتهاد للحاق بركبهن

وأخيراً . . .  

نعلم أن مسؤوليات  المرشدة كبيرة وعظيمة , وأنها تتحمل فوق طاقتها , وأن عملها الدؤوب داخل المدرسة وخارجها يأخذ من وقتها ووقت أسرتها  الكثير , فإني أدعو الله لها ببركة العمر وبركة الأسرة , وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم , ونأمل ببذل المزيد من الجهود من أجل رفعة الوطن والأمة , ولها كل التقدير والشكر .

________________

سلوى الجهني

مستشارة اسرية

 

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم