الخميس 25 أبريل 2024 / 16-شوال-1445

كيف ننظر لأنفسنا من خلال أنماط التعلق الوجداني!



أ.مجدي نجم الدين
* مرشد أسري
 
 يعد التعلق Attachment حاجة أساسية لا يمكن إغفالها أو إهمال إشباعها فالأفراد يولدون ولديهم حاجات للحب والأمان والانتماء وتكوين علاقات اجتماعية متبادلة مع الآخرين. ورابطة التعلق بالوالدين لا تتوقف عند مرحلة الطفولة، وإنما تستمر طوال مراحل حياة الفرد، وتظل تؤثر في السلوك بأشكال لا يمكن حصرها، وبذلك يشكل التعلق رابطة وجدانية قوية ثابتة لفترة طويلة نسبيا، يكون فيها الآخر كفرد مهم وفريد في التعامل المتبادل، وهناك رغبة في الحفاظ على القرب منه.
التعلق عند الفرد من أهم عوامل تشكل طبيعة الأمن النفسي لدى الفرد في المراحل الأولى من العمر التنشئة الاجتماعية والأسرية بالدرجة الأولى، يضاف إلى ذلك الخبرات السابقة، والإحباطات التي تواجه الفرد خلال فترات نموه الأولى وفي أثناء ارتقائه النفسي والاجتماعي، حيث تقوم خبرات الطفولة من جانبها بدور مهم في نمو وتطور الشعور بالأمن.
    ويعرف بولبي (Bowlby, 1988    ) التعلق بأنه مفهوم يشير إلى نظام حيوي سلوكي موجود داخل العقل هدفه التنسيق بين البحث عن الأمان عن طريق التقرب من مقدم الرعاية الأساسي في حياته والرغبة في استكشاف العالم بما فيه من مخاطر.
    التعلق يمثل التوازن بين رغبة الطفل في اللعب واكتشاف العالم المحيط والحاجة إلى الشعور بالأمان والاطمئنان، فهو لا يستطيع أن يفعل هذين الأمرين ما لم يكن متأكداً من وجود قاعدة آمنة يرجع إليها عند شعوره بالخوف أو عندما يكون مهدداً أو محتاجاً إلى حماية. لهذا يتعلق الطفل بالشخص الذي يمنحه هذا الأمان.
    وقد أجريت حول التعلق بحوث عديدة شملت متغيرات متنوعة، فبحوث التعلق لم تعد محصورة في مرحلة عمرية معينة، وإنما امتدت لتشمل كافة المراحل العمرية وفي مختلف المواقف، ولا تقتصر على العلاقة بين الوالدين والطفل وإنما على دائرة أوسع بنطاق اجتماعي أكبر. وتطورت اهتمامات بحوث التعلق التقليدية من مرحلة الرضاعة ووظائف مقدمي الرعاية خاصة الأم، إلى مرحلة المراهقة، وهي المرحلة التي تستحوذ على اهتمام الكثير من الناس وحتى المراهقين أنفسهم ليفهموا ذواتهم، أو الآباء والمعلمين ليعرفوا كيفية التعامل معهم.
     كما أجريت بعض الدراسات، للكشف عن العلاقة بين التعلق الوجداني وتنظيم وإدارة الانفعال Emotional Regulation خلال مرحلة المراهقة والرشد، ولكن بشكل غير مباشر. أكدت نتائج هذه الدراسات أن ذوي نمط التعلق الوجداني الآمن يميلون إلى استخدام استراتيجيات ايجابية لتنظيم انفعالاتهم، في حين يميل ذوو التعلق الوجداني غير الآمن إلى استخدام استراتيجيات تنظيم انفعالي سلبي.   
ولقد صنف هازان، وشيفر (Hazan & Shaver, 1987)أنماط التعلق الوجداني في الرشد إلى ثلاثة أنماط، التعلق الآمن Secure، وفي هذا النمط يسهل على الأفراد الدخول في علاقات حميمة مع الآخرين والثقة بهم والاعتماد عليهم، فهم لا يقلقون من هجر الآخرين لهم، أما التعلق التجنبي Avoidant فيتميز الأفراد فيه بعدم الشعور بالارتياح في العلاقات القريبة، ويصعب، عليهم الثقة، أو الاعتماد على الآخرين، وأخيرا التعلق المتناقض وجدانيا Anxious- Ambivalent ويشعر أصحاب هذا النمط بأن الآخرين يرفضون الاقتراب منهم، كما يشعرون بالقلق لأن شركاءهم لا يهتمون بهم، وذلك على الرغم من أن لديهم الرغبة في أن يكونوا قريبين منهم. 
    واخيراً طور بارثولوميو (Bartholomew, 1990) نموذج نظري حديث مكون من أربعة أنظمة لتعلق الراشدين.
1-    التعلق الآمن (Secure attachment)
نظرة ايجابية للذات وللآخرين، فهم يظهرون احترام الذات مقترنة بتوقعات تتعلق بأن الآخرين يستحقون الثقة، ويمكن الاقتراب منهم وهم مستجيبون. ويتميز أصحاب هذا النمط بتقدير ذات عالي، وتفوق في إقامة علاقات رومانسية، ويمتلكون مهارات اجتماعية، ولديهم رضا عن العلاقات مع الأفراد والثقة بهم، ومستويات عالية من الاعتمادية المتبادلة وعدم الخوف من الرفض ولديهم فاعلية ذات مرتفعة.
2-    التعلق الرافض (Dismissing attachment)
نظرة ايجابية للذات وسلبية للآخرين، ويتميز هذا النمط بمستويات منخفضة من الاكتئاب والقلق الاجتماعي، ولديهم مستوى عالي من تقدير الذات، والشعور بجدارة الذات مقترنة بتقييمات منخفضة للآخرين وعدم ثقة بهم.
3-    التعلق المشغول (Preoccupied attachment)
نظرة سلبية للذات وايجابية للآخرين، ويظهرون عدم الجدارة الذاتية مقترنة بتقييم ايجابي للآخرين.
4-    التعلق المرتعب (Fearful attachment)
نظرة سلبية للذات وايجابية للآخرين، ويظهرون شعوراً بعدم الجدارة الذاتية مقترنة بتوقعات تشير إلى أن الآخرين غير مستحقي الثقة، فهؤلاء الأشخاص لا يثقون بمشاعرهم أو معارفهم الداخلية ولا بنوايا الآخرين.
وأخيراً فهناك تأثيراً مباشراً للطريقة التي يرتبط بها الفرد مع الآخرين، والتي تتسم بالثقة والأمان من خلال التعلق الآمن في قدرته على مواجهة المواقف الحياتية تجعله يسعى ليتعايش ويتكيف مع حاجات الآخرين ويشبع حاجته النفسية والاجتماعية بتوازن ويحرص على تغيير أساليب تعامله في سبيل تحقيق سعادته فتزيد دافعيته للنجاح وتنمو صحته النفسية.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم