الثلاثاء 16 أبريل 2024 / 07-شوال-1445

الجسد البارد



أ. أحمد إبراهيم أحمد الدريويش

خلق الله تعالى الإنسان وجعل منه الذكر والأنثى ، وجعل في كلٍ منهما حاجة يطلبها الآخر منه ويطلبها من الآخر، فخلق الله تعالى حواء من آدم ليأنس بها وتأنس به ، ويتكاملان ببعضهما ويجدان الاستقرار والسكينة ، ثم التناسل والتكاثر الذي لا يأتي إلا بوجود علاقة بين الذكر والأنثى ، وهذه استجابة لفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها .

وحين كرم الله تعالى الإنسان وميزه عن سائر مخلوقاته ، جعل قانوناً ونظاماً لهذه العلاقة ، من خلال ميثاق غليظ اسماه (الزواج) له من الشأن والقدسية مالا في غيره من بقية العلاقات .

والنفس الإنسانية ومايكتنزها من مشاعر عظيمة ، تنمو وتشب حتى تجد طريقها إلى (نفس الشريك) التي تجد فيها سكناً ومستودعاً لها، فتسري تلك المشاعر معلنةً مد جسر وثيق يربط الحبيب بمحبوبه وتتربع عليه السكينة ، وتنشأ من السكينة المودة والرحمة ثم الارتقاء بالحب إلى أعلى منازله ودرجاته، فيتحقق بذلك الاستقرار النفسي والعاطفي لكلا الزوحين ، فتنسجم رجولة الزوج بأنوثة الزوجة ، ويتكاملان ببعضهما، ويستشعر كل منهما من الآخر خصائصه التي أوجدها الله تعالى فيه وميزه بها عن شريك حياته ، ومتى ماتحقق الاستقرار والهدوء النفسي والعاطفي ، عمل الرجل وأتقن ، ورعتِ المرأة وأبدعت ، وانعكس ذلك كله على صلاح الأسرة واستقامتها ليتعدى فضلها الزوجين ليصل الأبناء .

غرفة النوم المحراب المقدس

غرفة النوم هي المحراب المقدس لبيت الزوحية ، الذي تتحقق فيه معاني الحميمية المشتركة بين الزوجين ،في جوٍ مفعم بالخصوصية التي قد لا توجد في غيرها من غرف البيت وأركانه وزواياه الأخرى ، فحين يدلف الزوجين إلى مخدعهما في غرفة النوم ينتظر كل منهما من الآخر أن يجد في شريكه السكن الدافئ الهادئ ، الذي تستقر فيه نفسه وتسكن ، فتقترب الأجساد وتمتزج المشاعر (وهو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فالجسد وحده لا يكفي دون (المودة والرحمة) ودون وجود المشاعر، ولولا المشاعر لأصبح الجسد بارداً عاجزاً عن الوصول للغاية الروحية العاطفية، فنحن لا نتكلم عن العملية الجنسية فحسب وإنما عن العلاقة بعمومها التي تربط الزوجين ببعضهما .

واليوم ومع الأسف حين غزت التكنولوجيا الحديثة عالمنا من خلال الأجهزة الذكية من جوالات ومحمولات ، فكسرت القيود وتخطت الحدود وجاوزت الخصوصية الفريدة لغرفة النوم ، بل يتعدى الأمر ذلك حين تتربع هذه الأدوات على سرير النوم ، وتكون شريكاً (دخيلاً غريباً) بين شريكين يربطهما ميثاق غليظ .

الأجهزة الذكية والجسد البارد

كلنا نعلم أن هذه الأداة نافذة تفتح على العالم الخارجي لا سيما في ظل تكاثر وتجدد برامج التواصل الاجتماعي (فيس بوك ، تويتر ، انتسغرام ، واتساب ، يوتيوب …إلخ) ، وإن للتفاعل مع العالم الخارجي عبر تلك البرامج مشاركة عقلية ووجدانية ، فينصب جزء من التفكير وتنساق جزء من المشاعر عبر هذه الأداة إلى أطراف مستقبلة أخرى ، بغض النظر عن طبيعة تلك التفاعلات إن كانت تحمل حزناً أو فرحاً أو إعجاباً أو بغضاً أو استفهاماً أوغيرها ، فما يحدث هنا أن المشاعر المفترض أن توجه إلى هذا الإنسان الذي بجانبه (شريك الحياة) تتعداه إلى غيره وتنصرف عنه ، وقد كان له أولوية الاهتمام والالتفات ، فما فائدة جسد (بارد) بلا مشاعر؟ أو وجود مشاعر بحدٍ أدنى ؟ في تحقيق مراد العلاقة العاطفية الحميمية ، حتى وإن ادعى البعض أن علاقته بهذه الأداة في غرفة النوم إنما هي جزئية ، وربما كانت بعد العلاقة الحميمية أو بعد نوم الشريك، فنقول هنا أن هذا التبرير خاطئ من ثلاث جهات :

  1. 1. أن العلاقة بين الزوج والزوجة أكبر من أن تحصر في الجنس فقط ، وإنما الجنس جزء من الكل .
  2. 2. وجود نية لاستخدام هذه الأداة بحد ذاتها مشكلة على سرير النوم، فيبقى أن هناك جزء من جانب العقل سينشغل حالياً ليفكر في إقباله على تلك العوالم الافتراضية في التواصل ، فينشغل بتوقعاته فيمن رد على تغريدة له ، أو من وضع له علامة إعجاب على صورة أو مقطع فيديو ، أو آخر ظهور لفلان أو فلانة على برامج الدردشة وغيره …إلخ والقائمة تطول في تلك البرامج ، ولا يستثنى من ذلك الاطلاع على أخبار العالم بسيئها وحسنها ، فكل ذلك يستدعي وجود تفاعل وجداني مشاعري من المستخدم .
  3. 3. وجود مثل هذه الأداة في مثل هذا الوقت (الخاص) سيكون له أثر سلبي على الحوار الزوجي ، فأحد الطرفين أو كليهما منشغل مع طرف آخر ، وإن لضعف الحوار أو انعدامه أثراً مباشراً في عدم التوافق الزواجي والأسري.

وهنا نقول أليس ذلك كله جزء من اهتمام الشخص ؟ وتحتاج إلى تفكير ومشاعر ؟ أليس من الأولى أن يجد الشريك من شريكه أولوية واهتمام في هذا الوقت؟ وكيف ستحقق المودة والرحمة والسكن في مثل هذا الوضع؟ إذاً فلنقنن استخدام هذه الأجهزة في حياتنا الزوجية ، خصوصاً في وقت الليل وفي غرفة النوم ، وليُجعل هناك قانوناً يتفق عليه الزوجين في اختيار الأوقات المقدسة بينهما ، يمنع فيها حضور أي دخيل يشاركهما لحظاتهما العاطفية ، ويستشعر الزوجان الحقوق فيما بينهما ودور كل منهما في إسعاد نفسه من خلال إسعاد الآخر .

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم