الثلاثاء 16 أبريل 2024 / 07-شوال-1445

الاحترام بين الزوجين سر السعادة الزوجية



من الجدير بالذكر أنَّ الاحترام سلوك مكتسب، يتعلمه الإنسان بادئ الأمر من أسرته، فالطفل الذي يتعامل معه ذووه باحترام، يكتسب احترام نفسه أولاً ويتعلم احترام الآخرين ثانياً.

بعد هذه اللمحة السريعة عن قيمة الاحترام، نود في هذا المقال أن نسلط الضوء على أهمية هذه الصفة في تحقيق السعادة بين الزوجين، فهذه الخصلة إذا تمتع بها كل من الشريكين، وصلا بعلاقتهما إلى أسمى مراتب الانسجام، وارتقيا معاً سُلَّم السعادة والحياة الرغيدة.

سنُبرِز في مقالنا هذا أهمية التخلُّق بصفة الاحترام، وسنتحدث عن بعض صوره كاحترام إنسانية الشريك وشخصيته واهتماماته، فضلاً عن التقبُّل بوصفه أعلى مراحل الاحترام.

أهمية الاحترام بين الزوجين:

يُنظَر إلى كلٍّ من الزوجين على أنَّه شخص مستقل بذاته، متفرد في كيانه، كانت له حياته الخاصة قبل الزواج، وشخصيته المميزة، التي قد لا يرغب في التخلي عنها، وعلاوة على ذلك، هو يتمتع بميول واهتمامات قد تلتقي مع اهتمامات الشريك في بعض المحطات، وقد تختلف في محطات أخرى؛ لذا فإنَّ الاحترام بين الشريكين، يؤدي إلى نتائج إيجابية نذكر منها:

حفاظ كلٍّ من الزوج والزوجة على هويته الخاصة وشخصيته المستقلة وعدم الاضطرار إلى تغييرها وتجاهلها.

تقبُّل كل واحد من الزوجين آراء الآخر ومعتقداته وتصرفاته.

سهولة التواصل والنقاش والحوار، والخروج بنتائج مُرضية للطرفين في حل كل مشكلة.

تربية أطفالهما على مفهوم الاحترام، والتعامل معهم بهذا الأسلوب منذ الصغر، وهذا من شأنه خلق جيل مدرك قيمة نفسه، يحترم غيره ويكون لبِنة في بناء مجتمع متحضر.

تقوية أواصر الحب بين الزوجين، وخلقها إذا كانت غير موجودة، وإعادتها إذا ما كانت مفقودة، وكل هذا نتيجة الاحترام وما ينحدر منه من تقدير للطرف الآخر ووجوده ومجهوده.

نجد ممَّا سبق أنَّ الاحترام يمكن أن يُبقي الزواج على بر الأمان، ويقيه من عواصف الحياة ويخفف عنه وطأة الظروف؛ لذا كان لزاماً على الزوجين ترسيخ الاحترام فيما بينهما، إن كانا يرغبان في تحقيق الاستقرار المنشود والمودة والرحمة من اجتماعهما تحت سقف واحد، وفيما يلي بعض أوجه الاحترام الواجب اتباعها:

  1. احترام إنسانية الشريك:

يُبنى الزواج على الود والتراحم، ولعلَّ من أبسط الحقوق الإنسانية للفرد أن يُعامل باحترام من قِبل محيطه عموماً، وشريكه على وجه خاص؛ حيث تبدو مظاهر الاحترام بين الشريكين في التخاطب بأسلوب لطيف مع الطرف الآخر، وتجنُّب استخدام الصوت المرتفع والألفاظ المهينة، سواءً كانا بمفردهما أم أمام الآخرين أو الأطفال.

كما يتجلى الاحترام في الاستماع للشريك وانتظاره حتى يفرغ من كلامه ليرد الآخر عليه، فضلاً عن عدم تسخيف أفكاره وتحقيرها والاستهزاء بها، وعدم مقاطعته في أثناء الكلام أو تجاهل كلامه والترفع عن الرد عليه.

وتُعَدُّ تلبية الاحتياجات النفسية والعاطفية والجسدية أيضاً أحد مظاهر الاحترام، فالشريك الذي يحترم شريكه لا يمكن أن يتجاهل حاجته إلى الدعم والتعاطف والشعور بالأمان، والشريك المحترم لا يوجه إلى شريكه نصيحة بأسلوب التوبيخ والاستغباء؛ بل يختار الأسلوب الذي يتقبله شريكه ليمرر عبره ما يريد أن يقول، ولا يمكن أن يتغاضى الشريك المتمتع بصفات الاحترام عن الاحتياجات الجسدية من طعام ولباس وجنس لرفيقه في مشوار الحياة.

  1. احترام الشخصية المستقلة للشريك:

ينطبق الكلام الوارد هنا على الزوج والزوجة على حدٍّ سواء؛ ذلك لأنَّ العادة في مجتمعاتنا العربية أن يذوب الزوجان في إطار العلاقة الزوجية، وينصهران تماماً في سبيل الأسرة، الأمر الذي يمنع الزوج عن زيارة أصدقائه والخروج معهم، ويُوقِف الزوجة عن كل ما يختص في حياتها العازبة، كمتابعة الدراسة أو زيارة الأقرباء.

لكنَّ الزواج الحقيقي الناجح لا يقتضي كل هذا التفاني الذي يدمر الشخصية المستقلة لكلٍّ من الزوجين، فينسي الرجل وظائفه الأخرى غير كونه أباً وزوجاً ورب أسرة، وعلى الرغم من أنَّ هذه الحالة نادرة الحدوث إلا أنَّها موجودة ومنتشرة في مجتمعاتنا، ولعلَّ مقارنتها بانصهار المرأة تماماً في المؤسسة الزوجية هو ما يجعلها غير مرئية.

ويُعَدُّ انحلال شخصية المرأة في مؤسسة الزواج أكثر ما يهدد هذه المؤسسة؛ حيث تغرق المرأة في أدوارها الأسرية والأمومية متناسية نفسها وشغفها وميولها واهتماماتها، متخلية عن الكثير من طباعها وأشيائها المفضلة، وفي خضم هذا البحر الهائل من التنازلات، يبرز دور الاحترام كمنقذ للشريكين ومؤسستهما الصغيرة من الغرق في بحور الإهمال والتغاضي.

حيث إنَّ المرأة التي تُقدِّر نفسها تحاول اقتطاع وقتها الخاص للحفاظ على هويتها، والرجل الذي اعتاد على احترام شخصيته المستقلة وأدواره الحياتية يخلق لنفسه المساحة التي تضمن لها الاستمرار فيما كان عليه، ونحن نشير هنا إلى نقطة واحدة بعينها وهي “عَدُّ الزواج إضافة إلى حياة كلٍّ من الشريكين”، فهو عبارة عن مسؤوليات إضافية تضاف إلى قائمة مسؤوليات الفرد، وتُحدث بلبلة ينتج عنها إعادة ترتيب الأولويات.

فالاحترام في الزواج إذاً، يُملي على كلٍّ من الشريكين الحفاظ على هويته المستقلة، واحترام هوية الشريك أيضاً، ومساعدته على الحفاظ على هويته لكيلا يكون الزواج منحازاً إلى طرف منهما على حساب الطرف الآخر؛ ممَّا يسبب ميلاً في كفة ميزان الانسجام، فيشعر أحد الطرفين بأنَّه ضحية وأنَّ الطرف الآخر هو جلاد يُجلُّ نفسه على حسابه؛ ممَّا يخلق خللاً في الاستقرار الذي تُبنى مؤسسة الزواج على أساسه.

  1. احترام ميول الشريك واهتماماته:

نصادف في حياتنا كل يوم أمثلة عن أشخاص متزوجين، يذكرون مناقب حياتهم قبل الزواج، ويعددون مهاراتهم التي كانوا يمتلكونها قبل الدخول إلى القفص الذهبي، ونلاحظ التعاسة التي ترافق نبرات أصواتهم وهم يسبحون في بحور الذكريات، ولكن، هل تسمحون لنا أن نخبركم بأنَّ الاحترام من شأنه أن يخفف عنكم هذه المعاناة؟ كيف ذلك؟ لنذكر بعض الأمثلة:

تزخر حياتنا بأمثلة كثيرة عن رجال يحبون كرة القدم، ويحبون طقوس مشاهدة كرة القدم برفقة أصدقائهم أو في المقاهي، ودوافعهم نحو ذلك هو جو الحماسة الذي يضفيه الاجتماع مع أفراد يمتلكون الاهتمام نفسه، وقد يضغط الرجل على نفسه ويشاهد مباراته في المنزل، وهو بذلك يحترم حق زوجته في قضاء وقتها معه، لكنَّها في عرضها عليه أن يشاهد اللعبة مع رفاقه في المقهى، تحترم ميوله ورغبته في الطقس الجماعي لهذا الحدث، وهذا من شأنه أن يزيد احترامه لها ومودته تجاهها.

وعلى الجانب الآخر، نصادف الكثير من النساء اللواتي يحببن القراءة، لكنَّ اشتغالهن الكبير الذي فرضه عليهن دخول مؤسسة الزواج وإنجاب الأطفال قد حرمهن من دقائق القراءة الهادئة، وهنا فإنَّ الزوج الذي يحترم ميول زوجته واهتماماتها، ويستطيع أن يعرض عليها رعاية الأولاد ساعة من الوقت، أو القيام بإحدى مسؤولياتها ليوفر لها وقتاً تمارس فيه هوايتها، وهذا التصرف سيعزز محبتها له، وسيجعل حياتهما عبارة عن سباق من يحترم الآخر أكثر، فما بالك لو قام بشراء الكتب المفضلة لها، وإهدائها إياها؟

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم